كيان هزيل وهش، تفتك به العنصرية ويأكله التمييز من الداخل. “إسرائيل” التي يراد تظهيرها كواحة أمن وسلام، تتبدى كل مرة حقيقتها وعنصريتها وطبيعتها، ليس فقط ضد الفلسطينيين والعرب بل ضد جماعات يهودية، استُجلبت في عقود ماضية في عمليات نقل سرية، لتُخرج كل فترة مشاكل “اسرائيل” العميقة إلى العلن.. وهذه المرة بشكل فاقع وواسع… تظاهرات، وأعمال شغب ورصاص ومسيلات دموع.. على أعين الكاميرات بدت “إسرائيل” تحترق!.
القصة قصة كيان هجين يواجه قدره. والبدايات تعود إلى أسطورة أرض الميعاد التي جمعت يهود التيه من كل مكان لتحوّل الأسطورة إلى حقيقة على حساب فلسطين، شعباً وتاريخاً وهوية… من أوروبا إلى الشرق حتى الدول العرب وافريقيا، اليهود استجلبوا إلى فلسطين… هي خلطات “إسرائيل” التي لم تندمج يوماً، لا هي اعترفت بنفسها، ولا هي تصالحت مع صورة ذات أرادت فرضها..
جماعة الفلاشا هي إحدى عناصر هذه الخلطة، يسمّون أنفسهم بـ “بيتا إسرائيل” أي (يهود التيه)، ويعرفون باسم يهود الحبشة، لانحدارهم من أصول اثيوبية. في ثمانينات القرن الماضي استجلبوا من اثيوبيا إلى الأراضي المحتلة، في عمليات نقل سرية انكشفت لاحقاً. يقدّر عددهم بنحو 150 ألف شخص. ولدى الحديث عن التمييز في الداخل الإسرائيلي يُستحضر ذكر الفلاشا، الذي يعكس سواد بشرتهم سواد الاحتلال من الداخل إلى الخارج. فالجماعة منبوذة في الداخل، معزولة في مناطق ومستوطنات محددة، محرومة من التعليم والتوظيف، وتعاني من ارتفاع معدلات البطالة في أوساطها، وتفشي الفقر وحرمانها من الخدمات المقدمة لغيرها اليهود الصهاينة. أبعد من الحقوق، حوادث عنصرية لطالما واجهتها هذه الجماعة، كرفض العديد من المدارس التي لم تقبل الطلاب من أصول إثيوبية بسبب لون بشرتهم. حتى أنه ولسنوات، تم إلقاء وحدات الدم التي تبرع بها أفراد من يهود الفلاشا في القمامة بزعم الخوف من الأمراض المعدية والوراثية.
عام 1949، زار المسؤول في الوكالة اليهودية يعقوب وينشتاين إثيوبيا ليستعجل هجرة يهود إثيوبيا، يومها عارضت حكومة كيان العدو المطلب، بزعم أن اليهود المهاجرين يحملون أمراضا وراثية معدية. انتقادات شديدة اللهجة دفعت حكومة العدو للتراجع عن موقفها. إلا أن معظم رؤساء حكومات الاحتلال، وعلى رأسهم ديفيد بن غوريون وموشيه شاريت وليفي إشكول وغولدا مائير، رفضوا هجرة الفلاشا إلى “إسرائيل”، وذهب البعض لإبعاد من وصولا منهم للأراضي المحتلة بحجة أنه لا ينطبق عليهم “قانون العودة” وأنهم “نصارى”. وفي العام 1973 تم استجلاب العديد من يهود الفلاشا “الأثيوبيين”؛ بهدف تحقيق سياسة التبديل الديمغرافي في مواجهة النمو الديمغرافي الفلسطيني؛ يومها قرر حاخام الطائفة السفاردية “الشرقية” (عوفاديا يوسف) اعتبار طائفة “بيتا يسرائيل” الأثيوبية، طائفة يهودية؛ خلافاً للحاخام الأشكنازي (شلومو غورين). وفي العام 1975، قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين بتطبيق “قانون العودة” عليهم، وبدأت الهجرة الجماعية في الفترة بين عامي 1979 و1990، إذ وصل 16 ألف يهودي إثيوبي إلى إسرائيل، في أكثر من عملية سرية بين عامي 1990 و1991 .
الفلاشا الذين قدموا إلى الأراضي المحتلة، غالبيتهم من الفقراء والأميين، يفتقدون المهارات الأساسية في الأعمال والمهن، ويعانون من نسب بطالة مرتفعة وصلت إلى 80%.
ينتشر اليهود من أصل إثيوبي في مناطق ومستعمرات حددة داخل الكيان الغاصب، كمستوطنة كريات أربع قرب الخليل في الضفة الغربية المحتلة، كما أنه يوجد تجمعات لهم بالقرب من صفد في الجليل الأعلى، ويتركز عدد من اليهود الإثيوبيين في مدينة عسقلان. وينتشرون أيضاً في تجمعات استيطانية حول القدس.. إلا أن أزمة انفجرت عام 2012، اقتحم خلالها نحو 3 آلاف إسرائيلي من أصل إثيوبي مقر الكنيست، احتجاجا على رفض تجمعات لليهود إسرائيليين بيض في جنوب الأراضي المحتلة بيع أو تأجير بيوت للفلاشا.
منذ أيام انفجرت أزمة الفلاشا مع التمييز الحاد ضدهم مجدداً، بعد مقتل شاب من أصول إثيوبية برصاص ضابط في الشرطة الإسرائيلية، ظهّرت صور التظاهرات والفوضى والشغب أزمة كيان مهزوز من الداخل بفعل العنصرية، ومن نقلوا في السر إلى الأراضي المحتلة فضحوا مشاكل الكيان علناً. بعد سنوات من التهميش والإقصاء، ليجددوا رفع شعارات لطالما لازمت قضيتهم: “دمنا الأحمر يصلح فقط للحروب”… هي فضائح الكيان الداخلي تهشم صورة مزعومة عن استقراره لتؤكد أن غارق في أزمة التمييز الحاد داخلياً، مأزوم من تنامي قوة أعدائه خارجياً… فأي مستقبل ينتظره؟