اختتمت “ورشة البحرين” أعمالها.. غادر المشاركون، بعد أن أُوصدت الأبواب على أي مخرجات قد تلبي طموحات متعهدها الأميركي. ورشة المشروع التصفوي، أو ورشة العار، أو غيرها… كل التسميات تقود إلى ورشة أُريدت بحرينياً أن تكون “نقطة تحوّل ثانية في مسار العلاقات العربية الإسرائيلية بعد كامب ديفيد”، وفق إقرار وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة نفسه، في حديثه مع صحيفة “تايم أوف إسرائيل”. ببساطة فشلت سلطات البحرين في تثبيت “نقطة التحول” هذه، إلا أنها بدت أكثر تصالحاً مع السياسات الرسمية في تصريحات لم تعد مستغربة اعتبر فيها آل خليفة أن “إسرائيل” وُجدت لتبقى ولها الحق في أن تعيش داخل حدود آمنة.
تحت عنوان الإزدهار، حاول الأميركيون تقديم رشوة للفلسطينيين، ولكن على حساب ماذا؟ على حساب الحق بالوجود، والحق بالهوية، والحق بالانتماء، كل هذا يريد الأميركيون سلبه..
ما هو المقابل؟ إزدهار مزعوم واستثمارات لا تُمنح، بل ستُموّل من قبل خزائن الخيانة الخليجية، التي لم تعد تجد حرجاً في استقبال واستضافة الوفود الاسرائيلية، وفي التقاط الصور معها، أو وصف الصلة معهم بأنهم “أبناء العم”.
على مدار السنوات الأخيرة تجنّدت “النخب” في السعودية والإمارات والبحرين لشيطنة الشخصية الفلسطينية، وفجأة أخذ يبرز مصطلح “السعودية الكبرى”، المصطلح الذي أرادت السلطة الرسمية أن تقول من خلاله للشعب إن مصالح السعودية أكبر من أي قضايا يلتف حولها الشارع السعودي ولو كانت قضية بحجم فلسطين.. من هنا بدأ ضرب الثوابت، بعناوين المصلحة الداخلية، أو بعناوين رياضية وسياحية جعلت من الأراضي الإماراتية مفتوحة أمام الجمهور الإسرائيلي، أما البحرين فكانت العناوين الثقافية والإنسانية شماعتها، في جزيرة تستعدي مكوناً طائفياً هو الأكبر في داخلها، لتستقبل الإسرائيليين بعنوان مزعوم هو التسامح بين الأديان!
على عين العالم، حملت البحرين راية التطبيع بالوكالة عن السعودية متصدرة واجهة الأنظمة العربية المقاولة في ثوابت أمتها. والهدف السعودي من إيكال المهمة إلى حديقتها الخلفية هو جس نبض الشارع العربي، والبحرين على أتم الاستعداد للمهمة. فالمنامة هي الأكثر استفادة من فكرة شيطنة الجار الإيراني لضرب حراك داخلي يعري شرعية سلطتها، إذ لطالما رمت بأسباب الرفض الشعبي للعائلة الحاكمة إما بإيران ومؤخراً بقطر!.. هكذا هي البحرين جاهزة دائماً لشيطنة الآخر، وعلى استعداد دائم لمصافحة الشيطان، طالما سيضمن لها قبضتها على الحكم، وهذا ما “ضمنه” دونالد ترامب لملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة منذ لقاء الرجلين على هامش قمة الرياض في أيار/مايو 2017.
استضافت البحرين “الورشة” الاقتصادية، التي كان المطلوب من خلالها إطلاق خطة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، أي ما يُعرف ب”صفقة القرن”. لم يحضر الفلسطينيون، قاطعين بموقف فلسطيني جامع الطريق على أي نجاح للورشة تلك. حضر الأميركي، وحضر الإسرائيلي برجال أعماله وإعلامييه، وجنباً إلى جنب حضر العرب، على رأس الطاولة كانت السعودية والإمارات، إلى جانبها البحرين، ومعهم الأردن ومصر الذين جُروا للمشاركة تحت ضغط أميركي، تحدث عنه الإعلام الإسرائيلي بصراحة. مع ذلك، بدا المشهد هزيلاً باهتاً، ليطغى عليه صخب الغضب الشعبي بدءاً من الشارع الفلسطيني، ولا يتوقف عند تونس أو الكويت أو بيروت وغيرهم.. ليخرج نعي اعلامي غير رسمي لمخرجات الورشة من المشاركين فيها بـ “تأجيل الإعلان عن خطة ترمب للسلام حتى نوفمبر ( تشرين الثاني) وألا تنص على قيام دولة فلسطين”، وفق ما نقلت صحيفة الشرق الأوسط في تغطيتها لأعمال مؤتمر البحرين التطبيعي.
فكيف بدا مشهد ورشة البحرين الاقتصادية للخارج؟
في حديثه إلى موقع المنار، يقول رئيس تحرير صحيفة “رأي اليوم” عبد الباري عطوان إن مشهد انعقاد مؤتمر البحرين التطبيعي بالشكل الباهت الذي خرج به، “كان مفيداً لصالح محور المقاومة والفلسطينيين، كونه أظهر رفض الشارع العربي الواسع لمساعي التطبيع مع العدو الاسرائيلي، ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية من خلال بيعها في المؤتمر”. يتابع عطوان: “لقد بدا مؤتمراً هزيلاً، وظهر بشكل واضح فشل صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، الذي لم يتمكن من جمع سوى ثلاثة وزراء مالية عرب، في وقت غابت فيه فلسطين، ودول عظمى مثل روسيا ، هذا ما يدلل على تراجع النفوذ الأميركي على مستوى العالم، ويمكننا تلمس هذا التراجع الكبير في مقارنة بسيطة نجريها بين مشهد من حضر في البحرين ومشهد المشاركين في مؤتمر مدريد عام 1991”.
ويعتبر عطوان أن المقارنة بين تصريحات وزير الخارجية البحريني والموقف الشعبي داخل البحرين، تمثل أوضح صورة عن الواقع العربي، حيث السلطات في مكان والمزاج الشعبي في مكان آخر، تحتل القضية الفلسطينية مساحة واسعة منه.. “المظاهرات الشعبية التي خرجت في شوارع عربية ومدن إسلامية كانت تعبر عن أن القضية الفلسطينية لا تزال حية وحاضرة في تفاعلاتها… هذا ما جرى في البحرين التي حولها الشعب إلى غابة من أعلام فلسطين، ليُعلن رفضه كل اعتراف بإسرائيل”. ورأى ان “قياس المواقف العربية ينبغي أن يكون من خلال التحركات الشعبية التي تعبر عن الوجدان العربي بشكل أوضح”.
وفي الوقت الذي كانت تشارك فيه السعودية بثقلها الاقتصادي في ورشة المنامة، كان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة عبدالله بن يحيى المعلمي يؤكد على أن القضية الفلسطينية لاتزال تمثل إحدى ثوابت السياسية السعودية وعلى أن حق العودة هو جوهر القضية الفلسطينية، والذي لن يحظى به الفلسطينيون إلا بمعالجة السبب الرئيسي وهو إنهاء الاحتلال الاسرائيلي، مذكراً أن بلاده هي أكبر الدول المانحة لوكالة الأنروا… يتوقف عطوان عند التصريح السعودي مفسراً أن موقف المعلمي يعني أن السعودية قد قرأت الموقف الشعبي بدقة، وأيقنت أن مسارها التطبيعي مع العدو الاسرائيلي محفوف بالمخاطر. “الرأي العام السعودي يعارض هذه السياسات، بدءاً من التفريط بالقدس أو التنازل عن حق العودة، أو بيع فلسطين بالكامل، خصوصاً أن كوشنر نسف “مبادرة السلام العربية” بالكامل، ولم يُشر إليها بل ذهب في مقابلاته مع الإعلام للحديث عن تنازلات أكبر من تلك التي تضمنتها المبادرة العربية، هو لا يريد “حل الدولتين”، لا يريد الاعتراف بالشعب الفلسطيني.. لم يشر إلى الفلسطينيين حتى، وفي كلامه كان يتحدث عن أهل الضفة أو أهل غزة “.
انعقدت ورشة البحرين، ولكن.. لا الأميركيون ثبتوا خطة ترامب، ولا السعودية تمكنت من تقديم أوراق اعتمادها بالكامل لصالح صفقة وصفها صهر ترامب بأنها فرصة القرن.. من خلال المهمة التي أدتها البحرين الرسمية، جسّت السعودية ومعها الأميركيون نبض الشارع العربي، لينصدموا بأن الشارع الذي أريد له أن يغرق في انشغالاته الداخلية وهمومه المعيشية، بدا حيّاً في ثوابته.. فهل ستعيد السعودية ترتيب أوراقها في ورشة التطبيع العلني، دون أن تخرج من دائرة التطبيع التي تلتزمها مقابل عرش يقدم محمد بن سلمان كل شيء من أجله.. خسر الأميركيون والسعوديون ومن معهم الجولة.. فماذا عن خطواتهم المقبلة؟
المصدر: موقع المنار