كثيرا ما نسمع عن “الإجهاد السام” في الأخبار، وعن ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب لدى الأطفال، إلى جانب العدد المتزايد للأبحاث التي تُعنى بمدى تسبّب الأحداث السلبية التي يتعرض لها الصغار بمرحلة الطفولة في ظهور أعراض الصدمة والمعاناة. فما هي البيئة التي تجعل الطفل عرضة للإجهاد العصبي الناجم عن الصدمات؟
ذكرت الكاتبة هيلاري جاكوبس هينديل في تقريرها الذي نشرته مجلة “سايكولوجي توداي” الأميركية، أنه من بين العوامل التي تولد الضغط النفسي لدى الطفل هو عامل الأحداث الصادمة على غرار طلاق الوالدين أو أي موقف يجعل الطفل يشعر بالإرهاق العاطفي والوحدة لمدد طويلة من الزمن.
والعامل الثاني هو الانفصال، أي حين يتم تفريق الأطفال عن والديهم، كما يحدث مع الأطفال على الحدود المكسيكية.
أما العامل الثالث فهو التخلي عن الطفل عاطفيا، حين يعجز أحد الوالدين عن الاستجابة والتفاعل مع طفله خلال اللحظات التي يكون فيها في أمسّ الحاجة إلى الدعم المعنوي.
وأفادت الكاتبة بأن الحالات المذكورة آنفا تسبب العديد من الصدمات للطفل، فإذا شعر الطفل بالخوف تطرأ مجموعة من التغييرات الفسيولوجية التي تؤثر سلبا على عقله ودماغه وجسمه، ويولد الخوف لدى الشخص شعورا بالضعف وانعدام الأمان، مما يؤدي لاحقا إلى حالة من اليأس والجمود العاطفي.
وكل ما يجب فعله من أجل مساعدة الأطفال الذين يعانون من الضغوط السامة هو مساعدتهم على استعادة الشعور بالأمان من خلال التواصل مع بالغين يوفرون لهم الرعاية والاهتمام اللازمين، ويتجاوبون معهم عاطفيا.
وفيما يلي طرق تسمح بمساعدة الطفل على التعامل مع الضغوط السامة:
-الحرص على الوجود مع الأطفال: وفقا للطبيب والمحلل النفسي البريطاني جون بولبي، يحتاج الأطفال إلى الشعور بالأمان من أجل تحقيق النجاح، وتتمثل الخطوة الأولى نحو توفير الأمان للطفل في مرافقته حتى يتسنى للطرفين إنشاء علاقة تقوم على التواصل.
ويصاب الطفل الذي يعاني من الإجهاد السام بالخوف، ويمكن لمجرد وجود شخص ما في الغرفة أن يريحه حتى في الحالة التي يبدي فيها الطفل سلوكا عدائيا يوحي بعدم رغبته في التواصل.
-التعامل بلطف: تتسم نفسية الطفل الذي يعاني من آثار صدمة بالهشاشة والتعقيد نتيجة الاختلال الذي يصيب نظامه العصبي، وينبغي أن يتحدث البالغون بصوت هادئ ومنخفض مع الطفل، مع الحرص على التواصل بالأعين والتحرك ببطء من أجل تجنب التشويش على جهازه العصبي الهش أو إزعاجه.
-اللعب يعزز التواصل الآمن: يمنحنا اللعب شعورا جيدا بغض النظر عن العمر، ويساعد الطفل على الشعور بالراحة والهدوء، إذ ينطوي على أكثر من مجرد لعبة باعتبار أنه يتيح له الفرصة للتواصل والابتسامة والتحدث بلهجة ونغمة صوت مرحة، بالإضافة إلى الحركة، مما يعمل على التهدئة من روع الطفل.
-ساعد الطفل على التعبير عن مشاعره: تساعد القدرة على وصف العواطف على استرخاء الجهاز العصبي. وبإمكان الوالدين سرد القصص سواء عن تجربة شخصية أو تلك التي يقومان بتأليفها، من أجل مساعدة الأطفال على وصف مشاعرهم.
وتوجد العديد من الطرق التي تسمح للأطفال بالتعبير عما يخالجهم على غرار منحهم رسومات تحمل وجوها صغيرة تعبر عن مشاعر معينة حيث بإمكانهم في كل مرة الإشارة إلى تلك التي تعبر عنهم. ويمكن مساعدة الطفل على التعبير عن مشاعره باستخدام طرق إبداعية متنوعة، بما في ذلك الفن أو اللعب أو سرد القصص أو الدمى أو عن طريق مساعدته على التعبير عن مشاعره شفهيًا أو جسديا.
-عانق الطفل وامنحه المودة: من المحتمل أن يساعد العناق والتواصل الجسدي على تهدئة الجهاز العصبي المجهد للطفل. وبإمكانك تبين مدى تقبل الطفل وتفاعله مع هذه المسألة من خلال نظراته. وإذا لاحظت حالة من الجمود فاعتبر هذا السلوك بمثابة الاحتجاج، أما إذا ظهرت عليه علامات الاسترخاء فهذا دليل على تقبله لهذا النوع من التواصل.
-امنح الطفل الشعور بالأمان: تساهم القليل من الطمأنينة في قطع شوط طويل لمساعدة طفلك على التعامل مع الضغوط السامة. قم بتهدئته باستخدام عبارات من قبيل “لا تقلق، ستكون على ما يرام” و”هذا الشعور مؤقت” و”أنت لست وحيدا”. وتجنب الكذب على الطفل مع الاجتهاد في البحث عن طرق صادقة تمكنك من طمأنته ومنحه شعورا بالأمان.
الطبيعة البشرية تقوم على التواصل وتزدهر في كنف السلامة والأمان. وكلما تعرضت هذه المقومات للخطر، وجب أن نبذل قصارى جهدنا ليستعيد الطفل الشعور بالأمان في أسرع وقت ممكن.
وتتوفر العديد من الموارد الأخرى التي من شأنها أن تعلم الكبار كيفية الحد من التوتر لدى الأطفال وضمان شفائهم. تجدر الإشارة إلى أن خسارة مجتمعنا تكون جسيمة حين يعاني أطفالنا.
المصدر: ديلي ميل