نص الخطبة
في الاسبوع الماضي قلنا ان على الإنسان أن يحافظ على البيئة والمحيط الذي يحتضنه ويعيش فيه وأن ويحسن التعامل مع موارد ومكونات البيئة ، فلا يفسد فيها، ولا يخربها ولا يلوثها ولا يتعاطى معها بشكل سلبي بل عليه ان يستفيد من خيراتها ضمن نظام مصلحة البيئة.
وفي الأحاديث الشريفة دعوة صريحة إلى التعاطي الإيجابي مع المزروعات والاشجار والثروة النباتية التي هي مكون اساسي من مكونات البيئة وضرورة الحفاظ عليها وحمايتها من القطع والتلف والافساد نظرا لما لها من تأثير على جمالية الحياة وصحة الانسان حيث ان تزايد نسبة التلوث وثاني اوكسيد الكربون في العالم انما هو بسبب تقلص نسبة الأشجار والغابات .
ولذلك حث الإسلام على الزراعة والتشجير وحماية الثروة النباتية منذ مئات السنين، وثمة روايات كثيرة وردت في هذا المجال:
فعن الامام الصادق(عليه السلام) أنه قال لرجل سأله فقال له: جعلت فداك أسمع قوماً يقولون إن الزراعة مكروهة؟ فقال (عليه السلام): ازرعوا وأغرسوا فلا واللَّه ما عمل الناس عملاً أجلّ ولا أطيب منه.
وعن الامام الباقر(عليه السلام) أنه قال: كان أبي يقول خير الأعمال الحرث يزرعه فيأكل منه البرّ والفاجر.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام):الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيباً أخرجه الله عز وجل وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاماً وأقربهم منزلة ويدعون المباركين.
وعن رسول الله (ص) :ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كانت له به صدقة.
وعنه (ص): إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها.
وعنه (ص) : من نصب شجرة وصبر على حفظها والقيام عليها حتى تثمر كان له في كل شيء يصاب من ثمرها صدقة عند الله.
فهذه الأحاديث وغيرها دعوة جادّة للزراعة والتشجير والاستفادة من خيرات الارض وبركاتها سواء بهدف الانتاج او التجميل، بل يظهر مدى الاهتمام الذي أولاه الإسلام بزرع الأرض واستصلاحها أنه أعلن قانوناً عاماً عندما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحيا أرضاً ميتة فهي له .
هذا القانون يوجد الحافز الكبير لدى الناس لاستثمار الأرض، إضافة إلى ثواب الآخرة الذي اشاراليه ما روي عن النبي (ص): ما من امرئ يُحيي أرضاً فتشرب منها كبد حرى أو تصيب منها عافية إلا كتب الله تعالى له به أجراً
وفي المقابل كما حث الإسلام على الزرع فقد نهى بشدة عن قطع الأشجار او حرقها او اتلاف المزروعات وتشويه الحدائق ، فقد ورد عن الإمام الصادق( عليه السلام): لا تقطعوا الثمار (أي الأشجار المثمرة) فيصبّ الله عليكم العذاب صباً.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال لعلي (عليه السلام): أخرج يا علي فقل عن اللَّه لا عن الرسول: لعن اللَّه من يقطع السدر.
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ما من نبت إلا ويحفّه ملك موكّل به حتى يحصده فأيما امرئ وطئ ذلك النبت يلعنه ذلك الملك.
كما وأكدت بعض الروايات على عدم قطع بعض أنواع الأشجار التي كانت موجودة بندرة في بعض الأماكن وما ذلك إلا للحفاظ على الثروة النباتية وعلى الانواع النادرة من الاشجار وعلى الاشجار المعمرة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: “إنما يكره قطع السدر بالبادية لأنَّه بها قليل.
ونتيجة إغفال الإنسان لهذه التوجيهات وإفراطه في بناء مدنيته على حساب الثروة النباتية والغابات وعلى حساب الموجودات الطبيعية ازداد التلوث ونسبة ثاني أوكسيد الكربون الذي يقول العلماء إن تزايده لا يرجع فقط إلى استهلاك مصادر الوقود (الفحم، النفط) ولا الى كثرة وجود المصانع وإنما نتيجة التدهور الذي أصاب الغابات والاحراش والمحمايات الطبيعية المستهلك الرئيسي لثاني أوكسيد الكربون.
اليوم مع الاسف الكسارات والمقالع التي يتم استحداثها خلافا للقانون تخرب الطبيعة وتشوه جمالها فترى بعض الجبال التي كانت مملوءة بالاشجار جرداء قاحلة نتيجة هذا التشويه مع ان القانون يفرض عليهم اعادة التشجير.
لقد ترقى الاسلام وارتقى اكثر في النظم البيئية والمحافظة على الثروة النباتية وذلك في الحروب والمعارك التي ربما يجوز للإنسان ان يفعل فيها ما لا يفعله في حالة السلم بهدف كسب المعركة والانتصار فيها.
ولكن الاسلام لم يكن ليستغل الحرب من أجل اهلاك الحرث والنسل بل كانت فلسفة الحروب في النظرة الاسلامية لها مغزى أعمق وانبل مما قد يتصوره البعض، لهذا وضع الاسلام قوانين للحرب وجعل لها مبادئ وشرع لها احكام واخلاقيات ينبغي على افراد الجيش الاسلامي التحلي بها، وهذا ما تبينه لنا وصايا النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) إلى قادة الجيش وامراء السرايا، وكان على رأس هذه الوصايا عدم احراق المزروعات والبساتين والنخل، وعدم قطع الاشجار وغيرها من الامور التي حذر النبي (صلى الله عليه واله) من فعلها.
فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ان النبي (صلى الله عليه واله) كان اذا بعث اميرا على سرية امره بتقوى الله عز وجل في خاصة نفسه، ثم في اصحابه عامة، ثم يقول : اغز بسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله ولا تغدروا ولا تغلوا وتمثلوا، ولا تقتلوا وليدا ولا متبتلا في شاهق، ولا تحرقوا النخل ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تحرقوا زرعا، لأنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون اليه، ولا تعقروا من البهائم مما يؤكل لحمه الا ما بدا لكم من اكله..
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) اذا بعث سرية دعا بأميرها فأجلسه إلى جنبه واجلس اصحابه بين يديه ثم قال : سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه واله) لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقطعوا شجرة الا ان تضطروا اليها، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة..
واستدل الفقهاء من هذه الروايات على حرمة قطع الاشجار وغيرها من الامور، الا في الحالات التي عبرت عنها الروايات (الا ان تضطروا اليها)، وقال الكثير منهم بدلالتها على الكراهة دون الحرمة.
والمورد الوحيد الذي تم فيه قطع الاشجار في الحرب هو قطع او حرق نخيل يهود بني النضير :
وهو ما أشارت اليه الآية الكريمة في قوله تعالى:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}[الحشر: 5].
فهو الحدث الوحيد الذي حصل فيه قطع للأشجار او احراقها بأمر من الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله)، و(اللينة) هي النخلة الناعمة الجيدة.
وقد حصل هذا العمل بشكل استثنائي من اجل الضغط على اليهود المحصنين واستدراجهم إلى مواقع مناسبة للقتال.
وقوله تعالى:{وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} تظهر على الأقل ان احد اهداف هذا العمل هو خزي ناقضي العهد هؤلاء، وكسر شوكتهم وتمزيق روحيتهم .
واذا كانت هذه القضية قد حصلت استثناء في التاريخ الاسلامي فأنها تحصل مرارا وتكرارا لدى الانظمة الجائرة ومن دون قيد او شرط، فمن اشهر حوادث حرق الاشجار في العالم الحديث حرق القوات الامريكية للغابات الاستوائية في فيتنام، وحرق فرنسا لما يزيد عن اربعة ملايين هكتار في الجزائر اثناء حرب الاستقلال، وغير ذلك..
اليوم المشهد العام لاميركا وحلفائها هو مشهد المرتبك والعاجز والفاشل والمهزوم في اكثر من موقع من مواقع الصراع، وأن محور المقاومة اليوم أقوى من أي وقت مضى، بالرغم من التهويل والضغوط والعقوبات والبلطجة التي تمارسها الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة لا سيما في الخليج ضد ايران وبالرغم من الاضرار التي تلحقها هذه السياسات بدول المنطقة وشعوبها.
فالامريكي فشل في اخضاع ايران ، وفشلت كل رهاناته في الداخل الايراني، فهو كان يراهن على انقسام داخلي في ايران نتيجة العقوبات والضغوط، فاصطدم بوحدة الموقف السياسي الايراني، وكان يراهن على انهيار العملة الايرانية الا انها بقيت مستقرة على ما هي عليه، وكان يراهن على الشبكات الاقتصادية والمالية والامنية التي تحاول ان تتلاعب بالداخل الايراني فتم القاء القبض على العديد من هذه الشبكات مؤخرا وتم إفشال اهدافها، وكان يراهن على من خلال حرب العقوبات على انفضاض الشعب الايراني من حول النظام وفك ارتباطه بقيادته فازداد تعلق الشعب بالدولة وازداد ارتباطه بالقيادة، لا سيما ارتباطه بالامام القائد السيد علي الخامنئي(دام ظله)الذي برهن مرة جديدة انه القائد الحكيم والشجاع والحازم الذي يأبى ان يخضع للعدو او ان يذل شعبه، وموقفه الرافض لتبادل الرسائل مع ترامب امام رئيس وزراء اليابان الذي سمعه العالم كله ،يكشف بوضوح عن حكمة وشجاعة وحزم وعزة وقوة وشموخ هذا القائد الفذ الذي علم بموقفه الحاسم العرب والمسلمين كيف تكون مواقف الكرامة والعزة امام الطغاة والمستكبرين، وهذا الموقف عزز من ارتباط الشعب الايراني بقائده العظيم ففشلت كل رهانات اميركا.
ايران ليست دولة ضعيفة لتسكت عن العدوان الامريكي المستمر عليها ، بل هي دولة قوية وقادرة على حماية نفسها وسيادتها ولا يمكن ان تتنازل عن حقوقها ودورها في المنطقة . والرسالة الايرانية الاساسية من اسقاط الطائرة الامريكية هي ان ايران لن تتساهل ازاء اي عدوان على سيادتها، ولن تقف موقف المتفرج ، وهي لا تمزح عندما تقول انها جاهزة للرد على اي عدوان امريكي، بل سترد العدوان عن نفسها بكل ما تملك من عناصر القوة دفاعا عن شعبها وكيانها ونظامها وموقعها ودورها .
الامريكي فشل ايضا في اطلاق صفقة القرن حتى الآن حيث كان يحاول من خلالها ايجاد حلف امريكي خليجي اسرائيلي يؤدي الى محاصرة ايران ويتمكن من تصفية القضية الفلسطينية وارضاء الكيان الصهيوني، ولكن مشروعه تعثر وبات اطراف هذه الصفقة مشغولون بانفسهم فمحمد بن سلمان مشغول بتقرير الامم المتحدة لتورطه بمقتل خاشقجي، ونتنياهو مشغول بالانتخابات، وهؤلاء جميعا يجهدون اليوم من اجل انعقاد مؤتمر البحرين ويضغطون على بعض الدول العربية من اجل ضمان مشاركتها فيه الا انه سيولد ميتا.
ولا ينبغي ان نغفل عن الفشل الامريكي السعودي المدوي في اليمن ايضا، فالشعب اليمني مرّغ أنف ال سعود بالتراب، وبالبرغم من الالة الحربية الامريكية والسعودية التي تدمر اليمن منذ اربع سنوات لم يحصد الامريكيون وال سعود سوى العجز والفشل والخزي والهزيمة وها هم اليمنيون يزدادون قوة وثباتا وصلابة في كل يوم، وباتوا يفرضون معادلة جديدة من خلال ضرباتهم النوعية التي يستهدفون فيها مطارات قوى العدوان كما في أبها وجيزان وغيرهما، وهذا بحد ذاته فشل عظيم لاميركا والسعودية وانجاز عظيم لليمنيين.
المصدر: موقع المنار