عندما أحجمت مديرة الإستخبارات الأميركية جينا هاسبل – المحسوبة على ترامب – عن المثول أمام الكونغرس، لتقديم المعلومات التي استقتها من التسجيلات التركية بجريمة قتل جمال خاشقجي، هدَّد الكونغرس في حال عدم مثُولها أمامه، بعدم التصديق على الموازنة الإتحادية، في ما يُشبه التلويح بِشَلّ عمل الحكومة الأميركية وبالتالي عرقلة الحركة المالية لأقوى اقتصادات العالم، ووجد الرئيس الأميركي نفسه في وضعٍ حرِج، ودفع بهاسبل الى حضور جلسة اقتصرت على الزعامات البارزة في الكونغرس.
أدَّت الإحاطة التي تقدَّمت بها هاسبل الى غليان غير مسبوق في الكونغرس “المُصغَّر”، وتبيَّن بوضوح أن تغييبها من قِبَل البيت الأبيض عن حضور الجلسة السابقة للكونغرس بحضور كامل أعضائه، كان محاولة من ترامب للتغطية على محمد بن سلمان، وبات الكونغرس- من منطلق سيادته المؤسساتية- وكأنه افتتح معركة سياسية مع ترامب، ويُطالِب بعض أعضائه الآن بوجوب إدارة الكونغرس للسياسة الخارجية، خاصة عندما ذهب كلّ من السيناتور ليندسي غراهام والسيناتور بوب كوركر، وكلاهما من الحزب الجمهوري الحاكم، الى اعتبار محمد بن سلمان المتورِّط الأكبر في جريمة قتل خاشقجي، والى ضرورة الفصل بين شخصه وبين العلاقات الأميركية السعودية، بحيث قال غراهام : “تكون أعمى إذا لم تصل الى استنتاج أن الجريمة تم تنظيمها من قبل أشخاص تحت قيادة ولي العهد السعودي”، فيما اعتبر كروكر أنه في حال مثُول ولي العهد أمام محكمة فسيستغرق الأمر فقط 30 دقيقة لإدانته.
المعركة طويلة بين الكونغرس وترامب، و”واشنطن بوست” التي تعتبر جمال خاشقجي فقيدها، تضغط على كل المؤسسات السياسية والإنسانية في الولايات المتحدة، وتستقطب التعاطف الشعبي بضرورة كشف مَن أمَرَ بتنفيذ الجريمة، وليس من مصلحة الرئيس ترامب في السنتين القادمتين من ولايته والمرشَّح لولاية ثانية، أن يُتَّهَم بأنه حريص على مصلحته الشخصية مع بن سلمان على حساب سمعة المؤسسات الأميركية، خاصة أن ستة من أعضاء الكونغرس البارزين، تقدموا أمس بمشروع قرار يُناشد الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي تحميل بن سلمان مسؤولية الأزمة الإنسانية في اليمن، ومقاطعة قطر، والضغوط المُمَارسَة على المعارضين السعوديين، إلى جانب جريمة قتل خاشقجي، مع التأكيد على أن هؤلاء الأعضاء البارزين في مجلس الشيوخ، لديهم “ثقة شبه مؤكدة” بتورط ولي العهد في الجريمة، وستبدأ مناقشة قرار الإدانة هذا يوم الإثنين القادم في مجلس الشيوخ، فيما تمثُل جينا هاسبل أمام مجلس النواب الثلاثاء لإحاطته بمعلوماتها أسوَةً بما فعلت عنوةً أمام قيادات الكونغرس.
قوَّة المواجهة للكونغرس مع ترامب، هي في إصرار السيناتور بوب كروكر بصفته رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، مدعوماً من القيادات البارزة، على معاقبة بن سلمان، وكائناً ما كانت نتائج التصويت، فإن المملكة السعودية باتت أمام خيارين لا ثالث لهما، محاولة تحييد بن سلمان عن المشهد بأي سيناريو ممكن، ورفع يده العدوانية عن اليمن وعن حصار قطر، لأن الغضب الدولي من أميركا الى أوروبا وصولاً الى أنقرة قد وصل الى ذروته، خاصة أن اللجوء الى تقطيع جُثة أو تذويبها بالأحماض جعل العالم يستعيد مذهولاً مشهدية لم يعهدها حتى في ممارسات “داعش”! في الخلاصة، إذا كان الرئيس ترامب رهينة الكونغرس في موضوع بن سلمان، فإن مديرة الإستخبارات جينا هاسبل هي رهينة مزدوجة، سواء أمام الكونغرس أو أمام القضاء التركي الذي إئتمنها على التسجيلات، وممنوعٌ عليها “لفلفتها”، لأن الرئيس التركي قرر الذهاب الى النهاية في كشف تفاصيل جريمة يعتبرها انتهكت سيادة بلاده، وأي تهاون من طرفه، سيجعله هدفاً لأحزاب المعارضة التركية التي لا تمتلك ضدّ أردوغان في الوقت الحاضر سوى قضية جمال خاشقجي وضرورة كشف كل تفاصيلها، ولعل دماء خاشقجي ومن دون قصد، وبفضل الغباء السعودي، سَتحقِن دماء أبناء اليمن وترفع أحقر عدوان عن الشعب المظلوم…
المصدر: موقع المنار