طوت المنطقة هذا العام صفحة تنظيم داعش، بعدما أوغل دماراً وتخريباً في المناطق التي استولى عليها، ابتداء من العام 2013، في لحظة اشتباك إقليمي، جراء ما شهدته العديد من الدول من ثورات ما سمي بـ”الربيع العربي”.
يمكن اعتبار عام 2017 عام القضاء على دولة الخلافة المزعومة، في العراق وسوريا نهائياً، وان احتفظ التنظيم ببعض البؤر، حيث تعمل قوات الجيش السوري والحلفاء على تطهيرها تمهيدا لإعلان النصر بشكل كامل.
من العراق نبدأ، حيث خاضت القوات العراقية بمختلف تشكيلاتها والحشد الشعبي معارك عنيفة مع إرهابيي داعش، بدأت في مدينة الموصل في السابع عشر من تشرين الأول/اكتوبر عام 2016، واستمرت حتى تموز/يوليو 2017، تاريخ إعلان تحرير كامل المدينة وطرد إرهابيي داعش منها، لتوجه إلى هذا التنظيم ضربة عسكرية قاسمة، تمثلت بمقتل وإصابة العديد من مسلحيه وقادته خصوصا قوات النخبة التي كانت تسمى “جيش العسرة”، ما أفشل قدرتها على الإستمرار في معارك كبيرة، بعد انهيار العقيدة القتالية لدى التنظيم المبني على نظرية “التمكين”، حيث أنه وبعد خسارة الموصل، سقط هذا المبدأ.
خاضت القوات العراقية معارك المعابر مع إرهابيي داعش، وسيطرت في حزيران/يونيو على معبر تل صفوك مع سوريا، وقطعت بهذا التقدم خط الإمداد الأهم للتنظيم الإرهابي بين البلدين. ولهذا المعبر أهمية رمزية لداعش، حيث صور فيه إصدار “كسر الحدود”، الذي ظهر فيه المتحدث السابق باسم التنظيم ابو محمد العدناني، والقائد العسكري السابق عمر الشيشاني، في أوج قوة هذا التنظيم.
في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر، طردت القوات العراقية تنظيم داعش من مدينة القائم في محافظة الأنبار على الحدود مع سوريا، وفي الـ17 من الشهر ذاته، تم استعادت آخر مدينة كان لا يزال يسيطر عليها التنظيم وهي راوه.
بالسيطرة على معبر القائم، تحقق ما سمي الوصل الإستراتيجي بين العراق وسوريا، وهذا ما جهدت الولايات المتحدة منذ العام 2011 على إحداث خلل فيه، وسمحت للتنظيمات الإرهابية بالنمو في مناطق قريبة من الحدود بين البلدين، ابتداء من فترة غزوها للعراق عام 2003، وحتى 2017.
وتواصلت هزائم داعش المتتالية، ففي 31 آب/اغسطس وبعد 21 يوماً من المعارك العنيفة، استعادت القوات العراقية مدينة تلعفر شمال البلاد، لتصبح بالتالي كامل محافظة نينوى خالية من الإرهابيين، ما عُد انتصاراً اساسياً في سياق الحرب ضد الإرهاب.
وفي منطقة الحويجة الهامة، خاضت القوات العراقية معارك ضد التنظيم الإرهابي، ابتداء من الأول من أيلول/سبتمبر، ليتم السيطرة عليها في الخامس من تشرين الاول/اكتوبر، وبالتالي تحرير كامل شمال العراق.
في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، أعلنت القوات العراقية السيطرة على مناطق شاسعة من الصحراء الغربية للبلاد، في منطقة الجزيرة الفراتية، وبالتالي تم ربط القوات المتواجدة في محافظات صلاح الدين ونينوى والانبار.
هذه المنطقة التي لم تدخلها الدولة العراقية منذ عهد نظام صدام حسين السابق، كذلك قوات الإحتلال الأميركية، أنشأ داعش فيها معسكرات شديدة التحصين، ومستودعات أسلحة ومراكز قيادية، وبالسيطرة عليها، تكون المعركة ضد داعش قد انتهت عسكريا في العراق، وتم اعلان انتهاء الحرب ضد الارهاب من قبل رئيس الحكومة حيدر العبادي، وذلك في التاسع من كانون الأول/ديسمبر العام 2017.
وفي اليوم نفسه، أجرت القوات العراقية عرضاً عسكرياً شاركت فيه مختلف صنوف القوات المسلحة، في ساحة الاحتفالات الكبرى وسط العاصمة بغداد.
في خضم هذه الإنتصارات التي حققتها قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي ضد إرهابيي داعش، مارست الولايات المتحدة دوراً سلبياً، وحاولت عرقلة التقدم الميداني، حيث سمحت طائراتها لمسلحين من داعش قدر عددهم بألف تقريباً، بالإنسحاب من المعارك في أكثر من منطقة، والتوجه إلى مناطق سيطرة الأكراد في الشمال العراقي، ليعاد توزيعهم على مناطق أخرى لقتال القوات العراقية والسورية.
بالتزامن مع الإنتصارات على الإرهاب في العراق، كانت قوات الجيش السوري والحلفاء على الضفة المقابلة تحقق الإنجازات.
من ريف حلب الشرقي، بدأ الجيش السوري سلسلة انجازاته في عام ألفين وسبعة عشر، بتحرير كامل المنطقة الممتدة من محيط مطار كويرس العسكري، وصولا إلى الحدود الإدارية لمحافظة الرقة.
وبهذا التقدم، سيطرت وحدات الجيش السوري على مطار الجراح (13 ايار/مايو)، ومناطق مسكنة ودير حافر وتادف، وحوالي 250 قرية في الريف الشرقي لحلب، ليصبح كامل الريف خالياً من إرهابيي داعش وذلك في الـ 4 حزيران/يونيو من العام 2017.
وبعد حوالي اسبوعين، سيطر الجيش السوري على منطقة الرصافة الاستراتيجية في ريف الرقة الغربي (20 حزيران/يونيو) بالإضافة إلى 20 بلدة ومزرعة، لتستكمل القوات تقدمها وتحكم السيطرة على كامل المنطقة الممتدة من الرصافة في ريف الرقة الجنوبي حتى بلدة أثريا في ريف حماة الشرقي في 30 حزيران/يونيو.
وبالتزامن مع هذه العمليات في ريف الرقة الجنوبي الغربي، كانت القوات تتقدم في البادية السورية، وتستعيد السيطرة على مدينة تدمر وتواصل التقدم باتجاه مسكنة بريف حمص الشرقي (آب/اغسطس)، لتبدأ عملية فك الحصار عن مدينة دير الزور.
ووصلت قوات الجيش السوري والحلفاء إلى مدينة دير الزور بعد 3 سنوات من حصارها في أيلول/سبتمبر، وبدأت بتحرير أحياء المدينة من سيطرة إرهابيي داعش، لتعلن المدينة محررة بالكامل في تشرين ثاني/نوفمبر، بعد استعادة السيطرة على كامل أحيائها وأبرزها الحميدية، الجبيلية، بالإضافة إلى مطارها العسكري.
وخاضت وحدات الجيش السوري والحلفاء معارك شرسة مع إرهابيي داعش فيما أطلق عليه معركة “والفجر” في البادية، وتم طرد إرهابيي التنظيم من كامل البادية السورية الممتدة من ريف حمص الشمالي، وصولاً إلى الحدود مع العراق.
وصلت القوات السورية والحلفاء إلى الحدود العراقية عند الشمال من معبر التنف الحدودي، (9 حزيران/يونيو)، بعدما تم طرد إرهابيي داعش من آلاف الكيلومترات المربعة في البادية السورية، في انجاز استراتيجي، قطع الطريق أمام القوات المدربة أميركيا بالتمدد بإتجاه الشرق وتحديداً ريف دير الزور، وبالتالي احكام الطوق على إرهابيي داعش فيما ما تبقى لهم من مناطق في البادية وصولاً إلى الميادين والبوكمال في ريف دير الزور.
الوصول إلى الحدود العراقية والإلتقاء مع قوات الحشد الشعبي، شكل انجازاً استراتيجياً لمحور المقاومة، في إطار إفشال المشروع الاميركي بالتقسيم، ومنع القوات السورية المدعومة أميركيا من التقدم باتجاه منطقة البوكمال – القائم – راوة بعد تطويق التنف من الحدود العراقية والتقاء القوات، وبالتالي اصبح الهجوم باتجاه الشمال مستحيلا.
الإنجاز الكبير الذي تحقق بإلتقاء قوات دول المحور، أمر قرأ جيداً في إعلام العدو الإسرائيلي، فالتعليقات أكدت أن ما جرى هو انجاز واسع على صعيد حلف طهران – دمشق – حزب الله – بغداد، بسبب ما اعتبرته إعادة فتح المسار البري بين طهران وحلفائها.
كما تقدمت القوات السورية والحلفاء من دير الزور وسيطرت على مدينة الميادين “عاصمة ما يسمى ولاية الخير” التابعة لداعش، (14 تشرين أول/اوكتوبر)، وواصل التقدم بإتجاه الجنوب، والتقت مع القوات المتقدمة من البادية، لتختم معارك البادية بالسيطرة على مدينة البوكمال آخر المدن التي يستولي عليها داعش في سوريا وتوجيه ضربة عسكرية قاصمة له ( 18 تشرين الثاني/نوفومبر)، في معركة سميت بـ “ام المعارك”.
وبالإضافة إلى الحدود العراقية والاردنية، أمنت قوات الجيش السوري، كامل الحدود مع لبنان، بعد طرد إرهابيي النصرة وداعش من جرود عرسال والقلمون الغربي (تموز/يوليو)، في عملية مشتركة بين الجيش السوري والمقاومة من الجهة السورية، والجيش اللبناني من جرود القاع وراس بعلبك.
وأمام هذه الإنجازات، تدخل الطيران الصهيوني لمصلحة الجماعات المسلحة، واستهدف مواقع عسكرية للجيش السوري، وتصدت المضادات السورية لهذه الإعتداءات أكثر من مرة، كما حاولت اميركا عبر التحالف الذي تقوده في سوريا عرقلة تقدم الجيش والحلفاء خصوصاً في المنطقة الشرقية، فأمنت الغطاء الجوي لإرهابيي داعش خلال فرارهم من دير الزور، وأجْلت مروحياتُها قادة من التنظيم الإرهابي، من مدينة الميادين قبل سيطرة الجيش والحلفاء عليها.
ودعمت الولايات المتحدة قوات قسد للسيطرة مدينة الرقة وعلى حقول النفط شرق نهر الفرات في دير الزور، بعد انسحاب داعش، بموجب ترتيب تم بين التنظيم والقوات الأميركية.
وتفتتح القوات السورية عامها الجديد بمزيد من التقدم على محور أرياف دمشق وحماة وادلب، في إطار عملياتها العسكرية لتحرير كامل الأراضي السورية من الإرهابيين، وإعلان الإنتصار النهائي على الإرهاب في البلاد.
المصدر: موقع المنار