نص الخطبة
محرم هو اسم للشهر الأول من السنة الهجرية، وسمّي هذا الشهر محرماً لأن أهل الجاهلية كانوا يحرمون الحرب فيه أيام الجاهلية، وقد جعل أول يوم من بداية السنة الهجرية، لكن بني أمية لم يحفظوا لهذا الشهر حرمته، فسفكوا فيه دم سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه ، وقد أشار الامام الرضا(ع) الى ذلك بقوله: ” إِنَّ الْمُحَرَّمَ شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ فِيهِ الْقِتَالَ ! فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا ، وَانتهكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا ، وَسُبِيَ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَنِسَاؤُنَا ، وَأُضْرِمَتِ النِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا ، وَانْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقْلِنَا ، وَلَمْ تُرْعَ لِرَسُولِ اللَّهِ حُرْمَةٌ فِي أَمْرِنَا “.
ولذلك كان أئمتنا(ع) إذا دخل المحرم دخل الحزن إلى بيوتهم. فقد ورد عن الامام الرضا(ع): كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ لَا يُرَى ضَاحِكاً ، وَ كَانَتِ الْكَآبَةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ ، وَ يَقُولُ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ” 3 .
وقد أمر أئمة أهل البيت أتباعهم وشيعتهم إحياء أمرهم وذكرهم لا سيما في محرم، فعن الامام الصادق(ع) أنه قال للفضيل بن يسار: يا فضيل « أتجلسون وتتحدثون؟ »قال: نعم جعلت فداك. قال الإمام الصادق (ع):«إن تلك المجالس أحبها. فاحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا » [1] .
واحياء امر اهل البيت لا ينحصر باحياء مناسباتهم واقامة مجالس الفرح والحزن عليهم أو القيام ببعض الأنشطة العامة التي تذكر الناس بسيرتهم وتعاليمهم بل يكون ايضا:
أولاً: بالتعرف على اهل البيت وسيرتهم وأخلاقهم وعلومهم ومعارفهم والإعتقاد بإمامتهم وولايتهم وأنهم آل بيت النبي المطهرون المعصومون الذين افترض الله طاعتهم.
ثانيا: بتعليم علومهم للآخرين وبث أفكارهم بين الناس وتعريف الناس بمنزلتهم ومكانتهم وموقعهم في العقيدة والاسلام وعند رسول الله وتعريف الناس بمواضعهم التي وضعهم الله فيها وباخلاقهم وقيمهم وسيرتهم وتضحياتهم وخدماتهم الجليلة للإسلام ،بصيانتهم وحفظهم وحمايتهم للاسلام من التحريف والتزوير والإختلاق وغير ذلك .
فعن عبدالسلام بن صالح الهروي قال: سمعتُ أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: « رَحِمَ اللهُ عبداً أحيا أمرَنا »، فقلت له: كيف يُحْيي أمرَكم ؟ قال: « يتعلّمُ علومَنا ويُعلِّمُها الناس؛ فإنّ الناس لو عَلِموا محاسنَ كلامِنا لاَتّبعونا ».
لذلك المطلوب في عاشوراء اذا اردنا إحياء أمر أهل البيت(ع) وتعلم علومهم وتعليمها للناس:
أولا: إقامة مجالس العزاء على مصابهم ومصابي أبي عبدالله الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه، لأن هذه المجالس هي مجالس للعلم والمعرفة وبث الوعي، ومنها نتعلم القيم والمفاهيم الإسلامية الأصيلة.
ثانياً: الحضور الشخصي في المجالس وعدم الاكتفاء بمشاهدة التلفاز، من اجل التفاعل بشكل أكبر إن لجهة تحصيل المعرفة أو لجهة إظهار الحزن والبكاء. وحاول أن تصحب أهلك وأولادك وأصدقائك معك الى المجلس.
ثالثاً: إبراز مظاهر الحزن والحداد في البيوت والشوارع والمحال التجارية والمؤسسات والأماكن العامة، وإظهار الحزن من عامة الناس كباراً وصغاراً، نساءا ورجالاً، وعدم القيام بما يتنافى مع حالة الحزن والأسى والحداد طيلة محرم، تأسيا بأهل البيت(ع).
وخلال المشاركة في المجالس لا بد من مراعاة مجموعة أمور:
-الحضور في الوقت المحدد للاستماع إلى المحاضرة وعدم الاكتفاء بالحضور وقت مجلس العزاء فقط، لأنّ المطلوب هو التعرف على أهل البيت(ع) وقيمهم وتعاليمهم ومعاني عاشوراء وهذا لا يحصل إلا بلاستماع الى المحاضرة والمجلس معاً، والأجر الذي يناله الشخص من الاستماع إلى الموعظة لا يقل عن أجر الاستماع إلى المجلس.
-الجلوس في الأماكن المحددة داخل المجلس، وعدم التجمع في الممرات والطرقات وعلى مداخل المجلس، وعدم التدافع عند الدخول والخروج خصوصاً في حالات الازدحام، فعلى الجميع عند الشروع في انعقاد المجلس من حين البدء بقراءة القرآن إلى انتهاء المجلس أن يكون داخل المجلس مستقرا في مكانه حفاظا على الترتيب والهدوء ومن أجل تحصيل الفائدة المرجوة..
-الانصات حال انعقاد المجلس واجتناب الأحاديث الجانبية والحفاظ على الهدوء أثناء إلقاء الكلمة أو أثناء تلاوة المجلس.
-البكاء في المجالس أو التباكي، والحفاظ على حالة الحزن وعدم المزاح والضحك واللعب داخل المجلس.
-الحفاظ على النظافة والترتيب وعدم رمي النفايات في المجلس او في المحيط او على الطرقات، فكل واحد يستطيع أن يضع الفضلات في كيس ويحمله إلى سلة المهملات أو مستوعبات النفايات.
-عدم الاختلاط بين النساء والرجال، والالتزام بالحجاب الشرعي للأخوات، وكذلك عدم اتخاذ المجلس مكاناً للمواعدة واللقاء بين الشباب والفتيات، فإن ذلك لا يتناسب مع أجواء وحرمة المناسبة.
-عدم رفع المذياع من السيارات في عاشوراء وإزعاج الناس، او القيام بتسكيرالطرقات والممرات من قبل غير الجهة المنظمة، والحفاظ على الهدوء وحرمة هذه المناسبة بشكل عام.
الحملة التي يقوم بها اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية تحت عنوان ضاحيتي لتطوير الوضع الانمائي في الضاحية هي حملة هامة جداً ولمصلحة الجميع، ولذلك على الجميع أن يشارك ويتعاون ويتفاعل ويساهم في إزالة التعديات والمخالفات، ويشارك في حملات النظافة والتشجير والتجميل والالتزام بخطط السير، والتقيد بالاشارات الضوئية واتجاهات السير، وليبدأ الانسان بنفسه ثم بعائلته وأولاده ومن حوله.. وإذا كان الآخرون لا يبادرون ولا يلتزمون، فعدم التزام الآخرين ليس مبرراً لعدم التزامك .
التعاون في هذا المجال مطلوب من الجميع؛ أما اللامبالاة وعدم الاكتراث والاستمرار في ارتكاب المخالفات والقول بأن الناس لا تلتزم فلماذا ألتزم وحدي؟ هذا المنطق لا يؤدي إلا إلى المزيد من الفوضى، وهو يضر بالجميع وبحياة الجميع وبمصالح الجميع..
أما على الصعيد السياسي، فالمشهد يتغير في كل المنطقة ميدانيا وسياسيا لمصلحة محور المقاومة، فالانجازات الميدانية المتواصلة التي تحققت مؤخراً في سوريا لا سيما في دير الزور هي انجازات تصنف استراتيجية نظراً لدلالاتها الميدانية والسياسية في مسار الأزمة السورية.
وأهمية الانجاز في دير الزور أنه يؤسس للانتصار الكبير والنهائي على تنظيم داعش في سوريا والعراق، والقضاء بشكل كامل على الوجود العسكري لهذا التنظيم الارهابي في المنطقة.
وسيسجل التاريخ ان الذي تصدى لداعش في المنطقة وقاتله وأسقطه وأفشل مشروعه هو محور المقاومة، وإسقاط مشروع داعش في العراق وسوريا والمنطقة يعني اسقاط المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي كان يريد إسقاط كل دول المنطقة تحت الهيمنة والسيطرة الأمريكية الإسرائيلية.
أما المشهد السياسي، فإن كل الأطراف الدولية والاقليمية التي استهدفت سوريا تتجه اليوم نحو البحث عن حل سياسي بعدما فشل مشروعها لاسقاط سوريا، وباتت معظم هذه الأطراف تعترف بفشل مشروعها وبأن سوريا انتصرت، والجميع اليوم تخلى عن شرط رحيل الرئيس الأسد، وباتوا يسلمون بأن الرئيس الأسد جزء أساسي من أي حل سياسي في سوريا، ومن يريد أن يعرف حجم الخسائر التي مني بها المحور الآخر ومشروعه في المنطقة فلينظر إلى الصراخ السعودي والاسرائيلي، فالاسرائيلي يعتبر أن الصراع في سوريا انتهى بانتصار سوريا وايران وحزب الله، وأن كل تقديراته السابقة بسقوط سوريا كانت خاطئة.
أما السعودية فكل ما يحصل في سوريا والعراق واليمن ولبنان يدل على انها فشلت فشلاً مدويا وعلى كل صعيد وفي كل المنطقة.
ولذلك أمام هذا المشهد السيء بالنسبة لهم على الصعيدين الميداني والسياسي، من الطبيعي أن يصرخوا وأن يشنوا الحملات على المقاومة ويكيلوا لها الاتهامات، وأن يحاولوا تشويه صورتها وهذا ليس شيئا جديدا بالنسبة إلينا، لأنهم شعروا بالعجز والفشل والهزيمة وخابت كل آمالهم ورهاناتهم وتمنياتهم وذهبت أدراج الرياح ولم يعد لديهم سوى بث المزيد من الأحقاد والتحريض والصراخ واللجوء إلى الاسرائيلي لعلهم يستطيعون معه أن يعوضوا شيئاً من خسائرهم. لكن عليهم أن يعرفوا ان التزاور والتقارب والتواطؤ السعودي الاسرائيلي لن يجديهم نفعاً ولن يغطي على فشلهم بل سيزيدهم خسرانا وخزياً وعاراً في الدنيا والآخرة.
المصدر: بريد الموقع