يوسف المشيخص ومهدي الصايغ وزاهر البصري، وأمجد آل امعيبد، أربع ناشطين من القطيف، الواقعة شرقي السعودية، أعلنت الداخلية السعودية عن تنفيذ أحكام إعدام بحقهم يوم أمس الثلاثاء. وخلفية الأحكام التي تطال أبناء المنطقة الشرقية هي نفسها، تتعلق بحرية التعبير عن الرأي بسبب المشاركة في تظاهرات متقطعة شهدتها القطيف بين عامي 2011 – 2013.
لم يخرج أهالي القطيف في تظاهراتهم تلك للمطالبة بإسقاط النظام، كانت المطالبات تركز على إطلاق سراح معتقلين وتنفيذ إصلاحات وتندد بالتدخل العسكري السعودي في البحرين، التي تتصل عوائلها بعوائل المنطقة الشرقية في السعودية.
مساء أمس الثلاثاء، خرج إعلان وزارة الداخلية السعودية للإعلان عن تنفيذ الإعدام بحقّ القطيفيين الأربعة. وبدم بارد، تناول البيان الخبر، مفتتحاً الإعلان عن الجريمة بسلسلة آيات قرآنية ومرويات، حاول توظيفها لإظهار مشروعية ما ارتكبه من جريمة.
حرمة الدم
واللافت أن الداخلية افتتحت بيانها بعدد من الآيات والمرويات التي تؤكد على حرمة سفك الدم:
“كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”، وتوعد – سبحانه – بأشد العذاب كل من يتجرأ على قتل مؤمناً متعمداً، حيث قال تعالى: “ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما”؛ كما قال النبي المصطفى – صلى الله عليه وسلم – في تعظيم دم المسلم : “لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم” .
ووظّف بيان الداخلية النصوص الدينية في إطار عمليته المستمرة لتشويه صورة الشهداء وصورة منطقة القطيف ككل، التي لا ينفك الإعلام السعودي عن تصويرها على أنها منطقة خارجة عن القانون، مبرراً بذلك كل عمليات القتل والتشريد والهدم الممارسة من السلطة. وبلحاظ الآيات التي تتحدث عن القصاص من القاتل، كان لافتاً أيضاً أن التهم الموجهة للشبان الأربعة لم تنطوي على أي جريمة قتل!
إلا أن سردية الداخلية السعودية أرادت تلبيس الشهداء الأربعة تهماً تبرر سفك دمهم، وتؤدي غرضاً آخر يتمثل في ترهيب كل من يفكر في توجيه انتقاد أو تعبير عن رأي داخل المملكة، وبلا شك أنها في سياق انتقامي من منطقة لم يفلح النظام الرسمي في ترويضها على الطاعة المطلقة للديكتاتورية الحاكمة.
ووصف البيان الرسمي الشهداء بأنّهم: “فئات مجرمة ظلت طريق الحق، واستبدلت به الأهواء، واتبعت خطوات الشيطان، وأقدمت بأفعالها الإرهابية المختلفة، على استباحة الدماء المعصومة، وانتهاك الحرمات المعلومة من الدين بالضرورة؛ مستهدفة زعزعة الأمن، وزرع الفتن والقلاقل ، وكان من ذلك ما أقدم عليه المعتدين”.
ولكن من هم الشهداء الأربعة؟
1. أمجد آل امعيبد: من سكان جزيرة تاروت، طالب في الكلية التقنية بالقطيف، جرى اعتقاله بعد نصب كمين استخباراتي، على خلفية تواجده النشط في الفعاليات التي تشهدها منطقته ومشاركته في التظاهرات السلمية التي كانت خرجت في القطيف.
اتهمته الداخلية السعودية “بالخروج على ولي الأمر وزعزعة الأمن وإثارة الفتنة بالانضمام لمجموعة تخطط لإطلاق النار على مركز شرطة تاروت، وتدربه معهم على الرماية بسلاح رشاش ومسدس عدة مرات، وتفجير اسطوانة غاز قرب المركز… والمشاركة في تجمعات الشغب بالقطيف عدة مرات”.
إلا أن ذوي آل امعيبد قالوا إن التوقيع على الاتهامات انتزع من ابنهم تحت التعذيب الذي تعرض له أثناء الاعتقال. ونقل ذووه أنهم، خلال زيارتهم له، لاحظوا ضعف جسده وعلامات التعذيب واللسع بالكهرباء على يديه، وعدم استقامة رجليه.
والجدير ذكره أن التهم التي أعدم آل امعيبد بموجبها، “ارتكبها” –بحسب الرواية الرسمية- يوم كان قاصراً!
2. يوسف المشيخص: من سكان العوامية، اعتقل في شباط/فبراير 2014 أثناء مروره على احدى نقاط التفتيش بدون مذكرة رسمية ولم تتضح أسباب اعتقاله. وجّهت له المحكمة السعودية 255 تهمة نصفها حدثت أثناء اعتقاله وعلى خلفيتها جرى إعدامه.
وذكر بيان الداخلية أن تهم المشيخص تتمثل “بالخروج المسلح على ولي الأمر وزعزعة الأمن وإثارة الفتنة من خلال انضمامه لمجموعة إرهابية، وإطلاق النار معهم على مقر شرطة العوامية مرتين.. وإطلاقه النار على إحدى الدوريات الأمنية ، وعلى رجال الأمن أثناء مداهمة منزل أحد المطلوبين أمنياً وتقديمه الدعم الطبي لمطلوب آخر عند إصابته من قبل رجال الأمن ، وتواصله مع أفراد مجموعته للإبلاغ عند انتقال رجال الأمن لأداء مهامهم ، ومشاركته في التجمعات المثيرة للشغب ، وتستره على أفراد مجموعته من المطلوبين أمنياً، وعلى ما يردهم من دعم مالي وعلى عدد من الأشخاص الذين يهرّبون الخمور إلى المملكة ويتاجرون فيها.”
رفضت عائلة المشيخص ما وُجه له من اتهامات، وتحدثت عن تعذيب تعرض له، وعن عزله في زنزازنة انفرادية لأشهر بعد اعتقاله. أكثر من ذلك، قالت العائلة إن محاكمة المشيخص بدأت دون إخبار وكيله أو معرفة العائلة.
3. مهدي الصايغ: وهو من أبناء تاروت، اتهمته وزارة الداخلية السعودية”بالسعي لزعزعة الأمن واستهداف رجاله وإطلاق النار عليهم أثناء أداء عملهم وإلقائه قنابل المولوتوف عدة مرات على رجال الأمن وعلى محكمة القطيف ، والمشاركة في التجمع أمامها… ومشاركته في مسيرات الشغب” وحيازته أسلحة.
عضو المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان علي السعيد قال إنّ الصايغ كما الثلاثة الآخرين لم تتوفر لهم محاكمة عادلة وعلنية، تُمكّنهم من الدفاع عن أنفسهم أمام سيل التهم “الفضفاضة” التي وُجهت لهم.
4. زاهر البصري: أحد أبناء تاروت أيضاً، اعتقل في 20 حزيران/ يونيو 2013، خلال إدخاله إلى غرفة العمليات لإجراء عملية جراحية في رجله. مُنع لاحقاً من العلاج، وبقي 14 يوما في زنزانة إنفرادية تعرض خلالها للتعذيب والضرب، بما فيه الضرب على رجله المصابة، بهدف إنتزاع إعترافات منه. وبقي عاماً كاملاً محروماً من التواصل مع عائلته.
اتهمته السلطة “بالخروج المسلح على ولي الأمر، وإطلاق النار من سلاح رشاش عدة مرات وفِي أوقات مختلفة على مركز شرطة تاروت ، وعلى الدوريات الأمنية عدة مرات… والمشاركة أكثر من مرة في تجمعات مثيري الشغب في محافظة القطيف ، وحرق الإطارات في الطرق العامة…”
تقول عائلة البصري إن الاعترافات التي حوكم بمقتضاها انتزعت تحت التعذيب، وتنقل أنّه أثناء محاكمته طالب زاهر البصري بإصدار تقرير طبي ليؤكد أن الإعترافات التي أدلى بها انتزعت تحت التعذيب، إلا أن القاضي رفض الطلب.
وفور إعلان خبر تنفيذ أحكام الاعدام استنكرت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ما جرى، وذكّرت بأنّ إعلان الملك السعودي في 17 حزيران/يونيو 2017 عن تعديل إسم هيئة التحقيق والادعاء العام إلى النيابة العامة، تضمن اعترافاً رسمياً منه عدم وجود إستقلال تام في عمل النيابة العامة سابقا، حيث أفصح أن من أهداف التعديل منح النيابة “الاستقلال التام في مزاولة مهاما”، رغم ذلك تم تنفيذ أحكام الإعدام في “المتهمين الأربعة”، وفق تهم الإدعاء العام السابق، غير المستقل، تماماً كما يُفهم من أمر الملك!
المصدر: موقع المنار