في ساعة متأخرة من مساء الإثنين، وردت معلومات مؤكدة عن “هجوم وشيك” قد تشنّه السلطات البحرينية على منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم. التحذير السريع الذي صدر عن “أهالي الدراز” بعد دقائق من وصول المعلومات الأولى ولاحقاً “نداء الفداء” الذي أصدره العلماء، بيّن أن التطورات في البحرين لا تنبئ بخير.
لم تكن التطورات المتسارعة متوقعة. صبيحة يوم الأحد، حسم القضاء البحريني الجدل بمحاكمة الشيخ عيسى قاسم كما بدا، وأصدر قراراً بسجن الشيخ سنة مع وقف التنفيذ، بعد وضع اليد على أموال الخمس. كل ردود الفعل المتعاقبة ركزّت على “سرقة الخمس” وما يشكله من انتهاك خطير للخصوصيات المذهبية، وربما فُهم من قرار السجن مع وقف التنفيذ، تراجعاً من السلطة عن المس بشخص آية الله قاسم، أو محاولة لإقفال الملف بما يحفظ شيئاً من ماء الوجه للنظام.
ولكن ماذا جرى بعد النطق بالحكم؟
سرعان ما استدعت السلطات البحرينية فعاليات من بلدة الدراز، وطالبتهم بفك الاعتصام أمام منزل الشيخ قاسم، مقابل أن لا تتعرض السلطة للشيخ قاسم، وفق ما نقلت مصادر من المنطقة. ولم يلقَ طلب السلطة أي استجابة.و يبدو ذلك مفهوماً بالنظر إلى شعب خبر كيف تنكث السلطة بوعودها، فانقلاب الملك على الدستور والميثاق الوطني عام 2002 لازال حاضراً في أدبيات وأحاديث البحرينيين اليومية.
مساء الإثنين انكشف ما كان يحدث خلف كواليس مسرحية محاكمة آية الله قاسم، التي لايزال سماحته لا يعترف بها أساساً. بدا أن القرار اقتحام الدراز اتخذ سلفاً، وأن كل ما يجري هو لتهيئة الأمور لوصول قوات النظام إلى الشيخ.
لم تكن المرة الأولى التي تقتحم فيها قوات السلطة البلدة، سبق وأن جرت اقتحامات سقط فيها الشهيد مصطفى حمدان. وقد فسّر البحرينيون الاقتحامات السابقة بأنها “جس نبض” عن رد فعل الشارع، إلا أن مشهد يوم الأمس كان مختلفاً. لم يتلطً النظام خلف ميليشيات مدنية هذه المرة، قوات بحرينية بأعداد كبيرة ومعززة بالمدرعات والآليات اقتحمت الدراز، وآثار الدماء ورصاص الشوزن وسحاب الغاز المسيل للدموع طغى على الساحة. اتضح أن القرار الرسمي باقتحام منزل آية الله قاسم كان محسوماً مهما كانت النتائج. على ماذا استند النظام في خطوته التصعيدية؟ أمران فقط: ابتسامة من ترامب، وإشارة من السعودية.
مجزرة “الثلاثاء الدامي” كما أطلق عليها البحرينيون، كشفت الستار عن مسرحية السلطة. حكم صوري اتخذه القضاء البحريني مع “وقف تنفيذ” يمكن للسطة أن تتنصل منه متى شاءت، ليبقي باب الابتزاز السياسي مفتوحاً. تلا الحكم تطمينات حاول أن يقدمها النظام لأهالي الدراز لحثّهم على إخلاء الساحة أمام منزل آية الله قاسم، دون جدوى وسرعان ما اتضح زيفها بعد مجزرة الدراز.
يوم أمس الثلاثاء، نجحت القوات البحرينية في اقتحام الدراز والدخول إلى دار الشيخ قاسم، ولكن بأي صورة؟
دخلت قوات النظام بأسلوب يستعيد مشهد إغارات التتار والمغول على الآمنين، وما كانت تتسبب به إغاراتهم من تخريب. كسر قوات الأمن، وجُلهم من المجنسين، باب منزل آية الله قاسم، أحد كتاب دستور الاستقلال عام 1973، واختطفوا من كان في الداخل وأبقوا على الشيخ وحيداً، ليغدو اليوم مجهول المصير.
على دماء 5 شهداء بحرينيين و200 جريح بينهم حالات حرجة، وبعد اعتقال 286 بحريني دخلت القوات البحرينية مستبيحة حرمة منزل أكبر مرجعية دينية في البلاد، ومشاعر شريحة واسعة من العالم الإسلامي، في إجراءات رسمية تتكرر لجر البحرينيين إلى العنف، وإلى رد فعل يوازي حجم مسّ السلطات بالضمير الديني للشارع البحريني.
لماذا آية الله قاسم؟
قد يبدو مفهوماً حديث الشارع البحريني عن انتقال الأزمة من صراع على الحقوق إلى حرب وجود. ولكن قضية آية الله قاسم لا تنحصر بهذ البُعد المذهبي فقط، وإن كان واضحاً أن السلطة تستخدم هذه الورقة بحرب مكشوفة ضد مكوّن البلاد الأبرز. فبين صفوف الموالين للسلطة أصحاب عمائم ينتمون إلى المذهب نفسه، تكرمهم السلطة وتستعين بإشادات يغدقونها على الملك والحكومة لتجميل صورتها في الخارج. ولكن يبدو أن القرار الرسمي يهدف إلى كسر شوكة الشارع المتمرد على طاعة الملك والخارج عن دائرة الخوف والهيبة من السلطة. ولا يكون كسر الشوكة إلا بالمس بأبرز قامة، وأي قامة يجتمع تحت ظلها البحرينيون كافة غير قامة “الشيخ الوالد” عيسى قاسم، التي لم تعرف يوماً الانحناء إلا للمسح على رؤوس الطيبين من أبناء الشعب.
المصدر: موقع المنار