في خطاب سابق لأمين عام جمعية الوفاق الوطني البحرينية عام 2013، قال الشيخ علي سلمان إنّ المساس بآية الله الشيخ عيسى قاسم سيغير وجه ومستقبل البحرين. نطق أمين عام الوفاق بلسان الشريحة الأكبر في البحرين، على المقلب الآخر كانت السلطة ترسم مساراتها التي لا تود لوجه البحرين الرسمي إلا أن يكون أسوداً.
عشية جلسة محاكمة آية الله الشيخ عيسى قاسم، يتأهب البحرينيون لتلبية دعوة العلماء إلى إعلان النفير الدفاعي العام “والغضب المقدس” و”إعلان الاستعداد للدفاع حتى الموت” عن آية الله قاسم، من خلال تظاهرات ستخرج تحت شعار “الجريمة الكبرى”.
الجريمة الكبرى بنظر البحرينين اليوم تكمن في أكثر من بُعد، بُعدها الأول يتعلق بشخص الشيخ قاسم، والآخر في التهم التي تجري على أساسها المحاكمة.
يعود نسب آية الله عيسى قاسم لآل مصلي، الممتدة بجذورها البحرينية إلى قرون تستبق قدوم آل خليفة “كغزاة للبحرين”. وهو أكبر رمز ديني على الساحة البحرينية والخليجية، وصاحب أكبر قاعدة شعبية في البلد. ويلفت البحرينيون أن منبر الشيخ قاسم (في صلاة الجمعة وعاشوراء) هو الذي أسس للوحدة الإسلامية، وثبت سلمية الحراك الشعبي منذ العام 2011، وهما ثابتان لا توفر السلطة فرصة إلا واستهدفتهما. والمكانة الوطنية للشيخ قاسم تدلل عليها مشاركته في وضع أول دستور للبلاد بعد خروج الاستعمار عام 1971، ودخوله لأول برلمان منتخب عام 1973.
اليوم يحشد البحرينيون بعضهم البعض إلى الساحات، ويخاطبون السلطة عبر منصات التواصل الاجتماعي، أن دفاعهم عن أكبر رمز ديني في بلادهم سيكون حتى الموت. وينشط مغردون في تعرية القضاء البحرينين “المسيّس” من خلال التوقف عند التهم التي يُحاكم آية الله قاسم عليها، وهي تهمة متعلقة بإدارة “فريضة الخمس” الذي يتعبد به غالبية البحرينيين.
الدراز ومشهد اليوم
منذ قرابة عام، لايزال البحرينيون يلزمون الباحات والشوارع المحيطة بمنزل الشيخ عيسى قاسم. “ميدان الفداء” كما بات يُسميه البحرينيون قدم شهيداً، هو الشاب مصطفى حمدان الذي قضى برصاص ميليشيات السلطة في هجوم نفذته على ساحة الاعتصام، ووفق ما يُعلن يومياً فإن كل من لزم الميدان مشروع فدائي.
الناشط السياسي محمد الدرازي، والذي يقطن في الدراز الواقعة شمالي غربي البحرين، يصف في اتصال مع قناة المنار واقع البلدة. فمنذ يوم أمس تستقدم قوات النظام البحريني التعزيزات لإحكام الحصار على البلدة، بالتوازي لم يحل كل ذلك من التوافد الكثيف إلى “ميدان الفداء”.
مساء أمس الجمعة، جاب أهالي الدراز أحياء البلدة في تظاهرة أكدوا فيها على استعدادهم للموت “دفاعاً عن الفقيه”. يقول الدرازي إن القرى المحيطة بالبلدة مثل: سار وباربار شهدت أيضاً تظاهرات، وخرجت في النويدرات تظاهرة شعبية قوبلت بقمع شديد.
الرفض الشعبي للمحاكمة يأتي لرفض المس بالمكانة الدينية التي يمثلها الشيخ قاسم، ولرفض استهداف الفرائض الدينية. الموقف الملتف حول الشيخ عيسى قاسم لا يشمل المتدينيين البحرينيين فقط، إذ يتفق آخرون أن المس بسماحته يعد حرقاً لآخر ورقة ضمانة وطنية في البحرين، بعد أن زُجت قيادات المعارضة في السجون.
يقول الدرازي إن القانون البحريني لا ينص على ما يجرم ويجيز محاكمة القيمين على فريضة الخمس، ما يعني أن محاكمة الشيخ عيسى قاسم هي ساقطة دستورياً، وهي حتماً ساقطة شعبياً. وخطورتها بحسب الدرازي تكمن بانها تمس بصميم الخصوصيات الدينية التي يُتعبد بها. وهي بطبيعة الحال ليست إلا “تهمة” سيقت لتبرير استهداف الشيخ قاسم، لما يمثله من مكانة وموقف.
ويضيف أن البحرينيين يتوقعون لجلسة يوم الغد أن تكون الأخيرة، والتي سيُبَت فيها الحكم في قضية آية الله قاسم. ووفق قوله فإن الحكم ولو أنّه لن يكون نهائياً طالما أن هناك محكمتي الاستئناف والتمييز، إلا أنّه لن يواجه إلا بالرفض الذي يعبر عن واقع الشارع الذي يعيش غلياناً.
الغليان هو نفسه ما حذرت منها قيادات معارضة، منبهة إلى أن “ما ستسفر عنه محاكمة الشيخ عيسى قاسم قد يُشعل فتيل التوترات الطائفية في المنطقة “، محذرة من أن “السيناريو الأسوأ” قد يكون “حكماً مغلّظاً” بالسجن ضد الشيخ قاسم، “مع وقف التنفيذ، وقرار الإبعاد القسري من البلاد”، وهو ما طُلب من الشيخ قاسم تنفيذه فور صدور قرار اسقاط الجنسية عنه في 20 حزيران/يونيو الماضي.
حتى اليوم يتضح أن النظام البحريني يمضي قُدماً في كل من شأنه أن يساهم في التأزيم. وفيما يُرتقب صدور حكم في قضية الشيخ قاسم غداً، يبقى السؤال: هل بمقدور النظام أن يُنفذ الأحكام التي سينطق بها قضاؤه؟ وماذا عن التداعيات؟