خطير بيان جماعة جيش الإسلام الأخير في غوطة دمشق الشرقية، خصوصاً لجهة تضمنه دعوة لمسلحي باقي الجماعات إلى “البراءة” من فصائلهم، في خضم ما تشهده تلك المنطقة من معارك، يبدو انها نهايتها لم تكتب بعد. وكتيرة هي التحليلات التي رافقت اندلاع المواجهات صباح يوم الجمعة، وإن لم تكن مفاجئة بالنسبة للعديد من المتابعين، لكنها كانت حساسة لجهة توقيتها، وتأثيرها على المشهد في الغوطة ككل، لا بل على مجمل الساحة السورية.
في الشكل يتنافس في تلك المعارك جيش الإسلام المدعوم سعودياً من جهة، وجبهة النصرة وفيلق الرحمن من جهة أخرى، ويساندهما عن بعد حركة احرار الشام. وتأتي هذه المواجهات بعد عام بالضبط من مواجهات مماثلة اندلعت بين ذات الفصائل في 28 نيسان من العام الماضي، ادت إلى مقتل وإصابة مئات المسلحين من الطرفين، وتقسيم الغوطة الشرقية إلى قسمين، شرقي وعاصمته دوما تحت سيطرة جيش الإسلام، وغربي عاصمته حرستا ويتبع للفصائل المناهضة للجيش وأبرزهم النصرة والفيلق.
لكل حرب أسباب معلنة وأخرى خفية. وبحسب المعلن من بيانات، فإن جيش الإسلام يتهم جبهة النصرة بعرقلة وصول مسلحيه إلى خطوط القتال مع الجيش السوري في القابون، وحجز عدد من مقاتليه، ما دفعه إلى التحرك لتحرير رتله في منطقة عربين.
وبالمقابل، تتهم جبهة النصرة التي تقاتل تحت مسمى “هيئة تحرير الشام”، جيش الإسلام بالهجوم على مناطق سيطرتها من دون سبب، وهي مدن وبلدات “عربين” و”حزة” و”حوش الأشعري” و”كفربطنا”، وقام الجيش بإقتحام مراكز الفصائل من دون تمييز، وقتل وأسر العشرات من عناصرها. وبحسب بيانين منفصلين لحركة احرار الشام وفيلق الرحمن، فإن جيش الإسلام قد هاجم مراكزهما واعتقل عددا من مسلحيهما.
وتمكن جيش الإسلام من فرض سيطرة على مدينة عربين وبلدة حزة، وامهمل مسلحي النصرة المتواجدين في حوش الأشعري 24 ساعة للخروج منها، قبل اقتحامها.
وبحسب أصوات من داخل الغوطة الشرقية، فإن الخلاف بين النصرة وجيش الإسلام مرده بشكل اساسي إلى تحكم الاولى بالتعاون مع الفيلق بانفاق التهريب، ابرزهم نفق “ابو خالد الزحطة”، ومن ثم تقوم الجماعتين ببيع المواد المهربة إلى الأهالي بأسعار أرخص من تلك التي يبيعها جيش الإسلام، بهدف استقطاب مقاتلين جدد. ويتهم جيش الإسلام النصرة والفيلق بالتضييق على باقي سكان الغوطة خصوصاً مؤيدي الجيش، خصوصاً وان الاخير لا يمتلك أي نفق من جهة حي القابون.
وبحال تمكنت قوات الجيش السوري من استعادة السيطرة على القابون وطرد مسلحي الفيلق والنصرة منه، فإن جيش الإسلام سيفقد آخر أمل له بالحصول على نفق في الحي، لذلك حاول الوصول إلى القابون، ومحاولة السيطرة على تلك الانفاق.
صراع اقليمي
وفي خضم أخبار المواجهات الآتية من الغوطة، تتلطى مشاريع عدة خلف مدافع الفصائل هناك، مع وجود تساؤلات وعلامات استفهام حول الجدوى من تلك المعارك، وإن كانت عابرة كما ما سبقها أم أنها تؤسس لمرحلة جديدة، عنوانها حل الأزمة في سوريا. وما لفت الإنتباه تغريدة لأحد قادة حركة أحرار الشام المؤسسين خالد أبو انس على موقع تويتر، بأن هناك تطورات جدية لحل الأزمة في سوريا.
ومن الغوطة يبدو أن اولى بوادر هذا الحل قد لاحت. حل تريد الجهات الإقليمية فرضه على المسلحين في سوريا، يقضي أولاً بالتخلص من عبء تنظيم القاعدة المتمثل في جبهة النصرة، أو الذوبان في باقي الفصائل. ومن هذه الخلفية جاء بيان جيش الإسلام، حيث دعا مسلحي الغوطة ويقصد مسلحي النصرة بالدرجة الأولى إلى الإنضمام إليه، او الإستعداد لقتال. كما أن استهداف المقاتلين السعوديين في جبهة النصرة من قبل جيش الإسلام، يطرح التساؤل التالي، هل قررت الرياض التخلص من ورقة الإرهابيين من مواطنيها الذين دعمت ذهابهم إلى سوريا للقتال خلال السنوات الماضية ؟
يقرأ جيش الإسلام المتغيرات الدولية جيداً، وهو يحاول الإستفادة منها لتحقيق مكاسب له في الغوطة، خسرها قبل عام، لكن هذه المرة مطعمة مكتسبات سياسية، عنوانها تحقيق الرضى الأميركي، بمحاربة فصائل تدعمها تركيا، المختلفة مع إدارة ترامب حول الملف السوري، وفي إطار تفاهمات واشنطن – الرياض الأخيرة حول سوريا.
ولا يمكن فصل هذه المعارك الحالية عن خسارة جبهة النصرة وفيلق الرحمن في جوبر، وهما الذان شنا الحرب الشهر الماضي، قبل ساعات من اجتماع جنيف حول سوريا أيضاً، بايعاز تركي انذاك، يحاول إيصال رسالة إلى المجتمعين بأن أنقرة تملك مفاتيح التأثير في العاصمة دمشق. وجاءت المعارك الحالية لتقوي الموقف السعودي، بأن جيش الإسلام هو الرقم الأصعب بالغوطة، وأن فصائل تركيا، تمنع الجيش من الوصول إلى دمشق بسيطرتها على القابون وجوبر.
صراع فكري
وإلى جانب صراع المناطق والنفوذ المحليين في الغوطة، وحروب الإقليم بالوكالة، يدور صراع بين التيارات التي حملت الفكر “السلفي”. ويقود هذا الصراع من طرف جبهة النصرة القيادي البارز فيها العراقي ميسر الجبوري والمعروف بإسم “ابو ماريا القحطاني”، الذي اعتبر أن منهج جماعة جيش الإسلام هو “التيار المدخلي” و “غلاة المرجئة”، الذي يعتبر بحسب قول القحطاني جميع الجماعات الاخرى خوارج. ووصف هذا القيادي في جبهة النصرة شرعي جيش الإسلام عبد الرحمن كعكة بالضلال ومتهماً إياه بالخارجية.
ومن تركيا خرجت فتوى من المدعو ابو بصير الطرطوسي، الذي وصف هجوم جيش الاسلام على باقي الفصائل بالبغي، تحت زعم “شمّاعة النصرة”. ويعتبر الطرطوسي من الشخصيات المقربة من قادة حركة احرار الشام، ويرفض وجود القاعدة في سوريا، وسبق أن حرم الانضمام إلى جبهة النصرة، عندما كانت تسمى “تنظيم القاعدة في بلاد الشام”، لكن يبدو أنه بات أقل حدة في التعاطي معها، بعد تغيير اسمها إلى هيئة تحرير الشام.
وتريد جماعة جيش الإسلام التخلص من فكر تنظيم القاعدة وجبهة النصرة التي تصنفها على أنها “خوارج”، وتعتبرها دخيلة على الغوطة الشرقية، وهذا ما بدا واضحاً في رسالة مدير المكتب السياسي في جيش الإسلام المدعو ياسر دلوان (ابو عمار)، الذي شدد على أن معركة فصيله هي ضد فكر جبهة النصرة، ودعا جماعات فيلق الرحمن وفجر الأمة واحرار الشام إلى التعاون.
ويقود جيش الإسلام المدعو عصام البويضاني “ابو همام” أحد التجار البارزين في دمشق قبل اندلاع الاحداث في البلاد، الذي تنقل بين العديد من البلاد الغربية لأهداف تجارية قبل العام 2011، ويتكلم اللغتين الانكليزية والكورية الجنوبية. وشغل مناصب عسكرية داخل جيش الإسلام. وبعد مقتل المؤسس زهران علوش اواخر العام 2015، استلم قيادة الجيش وما زال في منصبه.
وحتى تنتهي هذه المعركة في الغوطة الشرقية، عديدة هي المفاهيم التي ستتغير بالنسبة للعلاقة بين الجماعات المسلحة، فجيش الإسلام بات “فئة باغية” بحسب العديد من الفصائل، وهذا ما قد يدفعه إلى مزيد من التشدد، ومحاولة إشعال جبهات، بعيدة عن الغوطة الشرقية.
المصدر: موقع المنار