الاعلان الدستوري في سوريا.. جدل متصاعد وصراع على الهوية – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

الاعلان الدستوري في سوريا.. جدل متصاعد وصراع على الهوية

التوقيع على الدستور السوري
أحمد فرحات

لم يمرّ الإعلان الدستوري الجديد دون إثارة عاصفة من الجدل، إذ واجه انتقادات واسعة لم تقتصر على معارضي الإدارة السياسية الجديدة، بل امتدت لتشمل بعضًا من حلفائها، خاصة فيما يتعلق بديانة رئيس الدولة، واعتبار الفقه الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريع.

هذه القضايا فجّرت انقسامات حادة بين التيارات الدينية والسياسية، وسط تساؤلات عما إذا كان هذا الإعلان خطوة نحو الاستقرار أم مدخلًا لصراع أعمق حول هوية الدولة.

أولى الانتقادات جاءت من الأوساط الإسلامية المؤيدة للإدارة الجديدة، والتي كانت تأمل في ترسيخ نظام إسلامي أكثر وضوحًا. هذه الجهات التي رأت في الرئيس المعيّن من قبل الإدارة العسكرية أحمد الشرع، الشخصية الأمثل لتحقيق مشروعها، اعتبرت أن النصوص الدستورية المعلنة ليست سوى إعادة إنتاج لصياغات تقليدية لا تلبي طموحاتها.

من بين الأصوات البارزة في هذا السياق، برز المصري يحيى الفرغلي، أحد الشخصيات التي تنقلت بين الفصائل المسلحة، حيث اعتبر أن النص الدستوري القائل بأن “الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع” لا يرقى إلى تطبيق الحكم الإسلامي، مشيرًا إلى تجربة الدستور المصري لعام 1980، الذي تضمن نصًا مشابهًا لم يحقق ما وصفه بالحكم الشرعي الحقيقي.

“وفي هذا الإطار، وصف أحد منظري “السلفية”، طارق عبدالحليم، الذي كان يعد من أبرز المحرضين على القتال في سوريا، الإعلان الدستوري السوري بـ “الكفري”، وأنه تضمن الخبث والمراوغة في التحايل على الدين.”

إلى جانب ذلك، تعالت أصوات أخرى، محسوبة على هيئة تحرير الشام سابقًا، تطالب بإحالة المسودة الدستورية إلى لجنة شرعية متخصصة لضمان توافقها مع أصول الشريعة قبل إقرارها رسميًا، ما يعكس انقسامًا حتى داخل التيارات الإسلامية نفسها.

اعتراضات كردية

في المقابل، أثارت المواد الدستورية المتعلقة بديانة رئيس الجمهورية مخاوف الأقليات الدينية والعرقية، إذ رأت فيها إقصاءً واضحًا لمكونات المجتمع السوري غير المسلمة من الوصول إلى سدة الحكم، وهو ما اعتبرته شخصيات سياسية ودينية تراجعًا عن المبادئ الوطنية الجامعة التي قالت المعارضة خلال السنوات الماضية إنها تسعى إلى ترسيخها.

في هذا السياق، عبّر الشيخ حكمت الهجري، زعيم طائفة الموحدين الدروز في سوريا، عن رفضه للصيغة المطروحة، مجددًا دعوته إلى إقرار نظام لامركزي يضمن بناء دولة مدنية قائمة على التعددية والتشاركية، بدلًا من تكريس توجهات أحادية في الحكم.

بالفيديو | قائد عمليات الدروز في السويداء بهاء الجمال: نطالب بدولة علمانية ونرفض التقسيم ولا نعترف بالشرع كرئيس جمهورية

أما على الصعيد الكردي، فقد واجه الإعلان الدستوري رفضًا قاطعًا، خاصة مع تأكيده في المادة الأولى على “عروبة الجمهورية السورية”، ونصّه في المادة الرابعة على أن “اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة”، وهو ما اعتبرته القوى الكردية تهميشًا لهويتها القومية.

وقد أعلن مجلس سوريا الديمقراطية، التابع للوحدات الكردية، رفضه القاطع لهذا الإعلان، واصفًا إياه بأنه غير شرعي وينطوي على انتكاسة للتفاهمات السابقة. أما مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، فحذّر من أن اعتبار الشريعة الإسلامية مرجعية للحكم قد يؤدي إلى مزيد من الانقسام والفوضى، بدلًا من تعزيز الاستقرار.

وقبل أيام، وقع أحمد الشرع اتفاقًا مع مظلوم عبدي، يقضي بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال وشرق سوريا ضمن مؤسسات الدولة، مع “ضمان التمثيل السياسي لكافة المكونات السورية”، والاعتراف بالمجتمع الكردي كمكوّن أصيل في الدولة السورية، مع الإقرار بحقوقه الدستورية والمواطنة.

صلاحيات واسعة للرئيس

ورغم ما جاء في الإعلان الدستوري من حديث عن فصل السلطات، إلا أنه منح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة من المادة 31 إلى المادة 41، حيث جعله القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، ومنحه سلطة تعيين الوزراء وعزلهم، إلى جانب حق الاعتراض على القوانين الصادرة عن مجلس الشعب.

كما خوله الإعلان تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، واختيار أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وهو ما أثار مخاوف من إعادة إنتاج حكم الفرد، في ظل غياب آليات واضحة للمساءلة والمحاسبة، سواء لرئيس الجمهورية أو للحكومة التي يعيّنها.

الأمر اللافت في هذا الإعلان هو أنه لا يتيح أي آلية لعزل رئيس الجمهورية، سواء عبر مجلس الشعب أو أي هيئة أخرى، ما يعزز مخاوف المعارضة من أن البلاد قد تكون مقبلة على حكم غير خاضع لأي رقابة فعلية.

تتوزع بنود الإعلان الدستوري، الذي يتألف من 53 مادة، على أربعة أبواب، وقد حددت المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، تبدأ من تاريخ نفاذه، وتنتهي بإقرار دستور دائم للبلاد، يعقبه تنظيم انتخابات وفقًا له. ومع ذلك، فإن الغموض يحيط بمستقبل هذه المرحلة، خاصة في ظل تصاعد الخلافات بين القوى المختلفة، ما يجعل البلاد على مفترق طرق بين إرساء نظام جديد أو الانزلاق نحو مزيد من الفوضى.

ولم يأتِ الإعلان الدستوري في سياق هادئ، بل جاء عقب أحداث دموية مروّعة شهدتها مناطق الساحل السوري، حيث أسفرت عمليات تصفية وقتل على خلفيات طائفية عن مقتل ما لا يقل عن (1383) مدنيًا بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، وسط اتهامات لقوات الأمن التابعة للإدارة العسكرية الجديدة بالتورط فيها، إلى جانب جماعات مسلحة حليفة وفصائل موالية لتركيا.

هذه التطورات تعكس هشاشة الوضع الأمني في البلاد، وتطرح تساؤلات جدية حول قدرة أي إعلان دستوري على تحقيق الاستقرار، في ظل استمرار العنف والانقسامات السياسية العميقة.

وبين رفض وتأييد، يبدو أن الدستور الجديد لم يحقق التوافق المنشود، بل فتح بابًا لصراع سياسي محتدم، سيكون له تأثير كبير في تحديد ملامح المرحلة المقبلة في سوريا. وبين مسارات التغيير المحتملة، يبقى مصير البلاد معلقًا بين تطلعات التغيير ومعادلات القوة على الأرض.

المصدر: موقع المنار