الفوعة وكفريا، بلدتان في ريف إدلب الشمالي، ضُرب المثل في صبرهما على معاناة الحصار الخانق الذي فرض عليهما طوال عامين متتاليين، في ظل استمرار العمليات العسكرية حيث لم يخل يوم واحد من قصف او قنص او محاولة اقتحام على المحاور المختلفة في محيط البلدتين.
هي حرب مفتوحة شنتها المجموعات المسلحة على البلدتين، وواجهها الأهالي بمختلف شرائحهم بصبر قل نظيره حتى اللحظة الاخيرة، فيما كان المجتمع الدولي يشيح بنظره عن معاناة هاتين البلدتين، ويُدير اذنه الصماء لنداءات واستغاثات الاطفال والنساء والشيوخ المهددين بالإفناء إما بالموت جوعا بسب الحصار وفقدان الغذاء والدواء والماء والكهرباء وتدمير البنى التحتية، وإما ذبحا بالسكين وقتلا بالقصف والقنص والهجومات العسكرية المتكررة او بمطاردة الانتحاريين للأطفال كما حصل في التفجير الانتحاري في منطقة الراشدين 4 غرب حلب لدى اخراج دفعة من اهالي البلدتين الى حلب تنفيذاً لما اصطلح على تسميته باتفاق الفوعة كفريا والزبداني مضايا حيث ارتفع ما لا يقل عن 126 شهيد معظمهم من الاطفال والنساء وعشرات الجرحى فضلا عن فقدان الاتصال بعشرات آخرين لعدة ايام قبل ان تتم إعادتهم.
وقد قدمت البلدتان ما لا يقل عن 2210 شهداء واكثر من 3005 جرحى لغاية 7/4/2017 .وقد استشهد من تاريخ 1/7/2016حتى 7/4/2017 نحو 59 شخصاً بينهم 36 رجلاً و16 طفلاً و 7 نساء فيما أصيب في الفترة ذاتها 282 شخصاً بينهم 136رجلاً و80 طفلا 66 امرأة.، كما شهد الثلث الأول من شهر كانون الأول 2016 أعنف قصف للمجموعات المسلحة على البلدتين وذلك بالتزامن مع سيطرة الجيش السوري على الاحياء الشرقية لحلب.
بداية الازمة
منذ بداية الأزمة في سوريا، بدا واضحاً أن وضع البلدتين اللتين عاشتا بأمن وسلام مع القرى المجاورة سابقا قد بدأ يتغير ، وظهر ان القرى المجاورة (بنش – طعوم – رام حمدان – تفتناز – زردنا – معرتمصرين) التي تحيط بالبلدتين في اتجاه يناقض اتجاه بلدتي الفوعة وكفريا، وحاول أهالي مدينة “بنش” ربط طريق الفوعة باوتستراد باب الهوى من أجل نقل السلاح والدخول والخروج منه، لكن اهالي البلدتين رفضوا عبور أي شخص، فارتفعت سواتر الخلافات مع القرى المجاورة، وبقي طريق كفريا الطريق الوحيد بين الفوعة وإدلب، لأنها تتصل باتوستراد باب الهوى – إدلب، وحدودها مع معرة مصرين التي كان يسكنها عدد من أهالي الفوعة بما يقارب الألفي عائلة حيث تم تهجيرهم إلى الفوعة وكفريا مع اندلاع أولى التظاهرات الطائفية، وتم الاستيلاء على أملاكهم من قبل أهالي معرة مصرين!.
بعدها حاول اهالي “تفتناز” و”طعوم” و”بنش” الضغط على منطقة الصواغية التي تعد أكبر مورد زراعي في محافظة إدلب، ودخلت إليها المجموعات الإرهابية واستولت على المعدات الزراعية فيها، ودمرت محاصيل وآبار أهالي الفوعة، لكن الجيش السوري أعادها في المرة الأولى لأصحابها، ولكن لم يسلم المزارعون من الخطف والقصف والقنص من قبل مسلحي قرى الجوار، فلجأ الأهالي الى حراسة ممتلكاتهم وكان منفذهم إلى مدينة إدلب التي تبعد عشرة كيلو مترات عن الفوعة.
لاحقاً حاول أهالي “بنش” و”معرة مصرين” قطع الطريق الرئيسي – اتوستراد باب الهوى- وبدأ الظهور المسلح على الاتوستراد من قبل اهالي “بنش” و”إدلب” و”معرة مصرين”، كما بدأت عمليات الخطف، وهكذا توقفت الحياة العامة بشكل تلقائي داخل الفوعة وكفريا بسبب عدم تأمين الاتستراد بشكل كامل، إلا أن سكان البلدتين تطوعوا لتأمين الطريق وجعله شبه آمن، ثم جاء “زحف” المجموعات المسلحة التي تم تشكيلها في معسكر “أطمة” الحدودي مع تركيا، فتقدمت تلك المجموعات باتجاه محافظة إدلب، ودارت اشتباكات لمدة عشرة أيام تمكن خلالها “جيش الفتح” من السيطرة على مدينة إدلب بتاريخ 28/3/2015، وهكذا باتت بلدتي الفوعة وكفريا محاصرتين.
الحصار :
لم تكتف المجموعات المسلحة بفرض الحصار ، بل سارعت إلى التحصين والتحضير لمهاجمة البلدتين، وبدأ التحريض من قبل “شرعيي جيش الفتح” وغيره من المجموعات المسلحة، في وقت كانت الاستعدادات وحشد الانغماسيين من “الاوزبك والتركستان” وغيرهم من الأجانب للسيطرة على البلدتين قد تمت.
بدأت اولى الهجمات في 16/7/2015 واُتبعت بأكثر من هجوم بقيادة “جيش الفتح “، لكن جميع تلك الهجمات باءت بالفشل، وتكبّد المهاجمون مئات القتلى والجرحى بالرغم من استخدامهم المفخخات و”الانغماسيين” والقصف بمختلف انواع القذائف والصواريخ الثقيلة المحلية الصنع او تلك التي توردها الدول الداعمة لهم.
ولعل أبرز وأهم المعارك التي خاضتها البلدتان، تلك التي امتدت من شهر تموز عام 2015 حتى ايلول من العام نفسه، اذ شنّ المسلحون خلال هذه الفترة 9 هجومات على منطقة “الصواغية” و”دير الزغب” وبلدة الفوعة، وكان أعنف تلك الهجومات الذي وقع في 18/9/2015 وكانت نتيجته تراجع خط الدفاع الجنوبي لمدينة الفوعة إلى الخلف.
هدن وخروقات وحصار :
وعلى وقع الهجمات ومحاولات الاقتحام المتكررة للبلدتين، أعلنت هدن عدة لكنها كانت في كل مرة تُخرق من المجموعات المسلحة، وأبرز هذه الهدن تلك تلك التي وُقّعت بتاريخ 20-9-2015 وشملت بلدتي الفوعة وكفريا في ريف ادلب الشمالي ومدينة الزبداني ومضايا في ريف دمشق.
في ظل هذه الهدنة استشهد العشرات من ابناء البلدتين فيما بقي الحصار على حاله، ودخلت قافلة مساعدات غذائية وانسانية الى البلدتين في 28/9/2015 مقابل دخول قافلة مماثلة الى مدينة الزبداني وبلدة مضايا، وفي 29/11/2015 أُخرجت نحو 300 حالة انسانية بالتوازي مع اخراج عدد مماثل من الزبداني ومضايا.
واُدخلت قافلتا مساعدات في شهري كانون الثاني وشباط عام 2016. وبتاريخ 21/4/2016 وصل نحو 250 شخصاً من بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين في ريف ادلب الشمالي، إلى دمشق قادمين من لبنان بعدما نقلوا من تركيا الى لبنان جوا مقابل إخراج عدد مماثل من مدينتي الزبداني ومضايا في ريف دمشق.
وقد أصاب الحصار جميع جوانب الحياة بشلل كبير، إذ منع المسلحون إمداد القريتين بكل انواع المواد التموينية والغذائية، وبدت الهدن حبراً على ورق جراء الخروقات اليومية.
وامعانا منها في التضييق على الاهالي، خرقت المجموعات المسلحة الهدنة مجدداً واستهدفت بتاريخ 2016/8/ 30 و 2016/8/31 بشكل مباشر خزانات وصهاريج المياه في بلدتي الفوعة وكفريا. وفي 2016/12/6 استهدفت بشكل عنيف مشفى الفوعة فاخرجته عن الخدمة فيما استشهد 11 شخصاً بينهم افراد عائلة كاملة.
وفي 14 كانون الاول عام 2016 بدأت مباحثات اولية لاخراج اهالي البلدتين مقابل خروج مسلحي حلب الشرقية وذويهم، وبعد يومين تم نقض الاتفاق ولم يتم اخراج أي شخص من البلدتين.
وفي 2016/12/22 اُستكملت عملية إخلاء المسلحين بشكل نهائي من مدينة حلب وكذلك تم اخلاء نحو 1200 حالة إنسانية من الفوعة وكفريا. وقام المسلحون بعرقلة تطبيق الاتفاق السابق عدة مرات، ووقعت بتاريخ 2016/12/18 اشتباكات بين مسلحي “جبهة النصرة” و “حركة أحرار الشام” في محيط بلدتي الفوعة وكفريا على خلفية الخلاف في المواقف إزاء عملية التبادل، ما أسفر عن احراق 5 حافلات مخصصة لإجلاء اهالي البلدتين.
وقفات تضامنية واحتجاجات
واحتجاجا على الحصار المفروض على البلدتين، وبالرغم من استمرار القصف والقنص بشكل يومي، الا ان الاهالي تحدوا هذا الواقع وأقاموا العديد من الوقفات الاحتجاجية داخل بلدتهم ( 2016/8/25) وطالبوا الأمم المتحدة النظر في اوضاعهم المتدهورة في ظل الحصار، وفي 2017/2/16 وبالتزامن مع انعقاد اجتماع استانا، واصل أهالي البلدتين وقفاتهم ودعواتهم لفك الحصار، وطالبوا الدول الضامنة لاجتماع استانا 2 بوضع بلدتي الفوعة وكفريا ضمن اولويات البحث وفك الحصار عنهما. كما وجهوا في 2017/2/24 رسالة عبر الاعلام إلى المجتمعين في جنيف وطالبوهم بالعمل على فك الحصار عن الرهائن البشرية وإيجاد معبر لخروج الأهالي من أجل إنقاذ أرواح من تبقى قبل فوات الآوان. كما طالبوا بإدخال مساعدات برية بشكل منتظم ومواد طبية للمشفى الوحيد الذي دمّر نتيجة القصف، والنظر في وضع جميع الجرحى فضلاً عن الحالات المرضية للأطفال وكبار السن.
ودخلت آخر قافلة مساعدات غذائية وانسانية الى بلدتي الفوعة في 2017/3/15 وكانت تضم 18 شاحنة محملة بالمساعدات الغذائية بينها 3 محملة بالأدوية مقابل دخول 49 شاحنة إلى مدينة الزبداني وبلدة مضايا.
الاخراج الأخير :
وبعد إبرام اتفاق يقضي بخروج قرابة 8000 مواطن من الفوعة وكفريا مقابل خروج كل المجموعات الارهابية من منطقة الزبداني ومضايا وسرغايا والجبل الشرقي في ريف دمشق الى إدلب والذي بلغ عددهم نحو 3800 مقاتل مع عائلاتهم، تم بتاريخ (15/4/2017) خروج دفعة من مضايا وبقين ضمت حوالي 2350 شخصا بين مسلح ومدني مقابل 5000 من الفوعة وكفريا. ولكن تجمع الحافلات التي تنقل اهالي كفريا والفوعة تعرض لهجوم انتحاري في منطقة الراشدين غرب حلب حيث ارتفع اكثر من 126 شهيد منةضمنهم 73 طفلاً شهيدا وقرابة 200 جريحا فضلا عن ما لا يقل عن 200 مفقود.
وبعد توقف لعدة ايام، استكمل تنفيذ اتفاق المدن الاربعة يوم الجمعة 21/4/2017 ودخلت 46 حافلة تقل قرابة 3000 من أهالي بلدتي الفوعة وكفريا الى حلب مقابل مغادرة 15 حافلة من الزبداني وسرغايا والجبل الشرقي تقل مسلحين وعائلاتهم، وبلغ عددهم نحو 500 شخص باتجاه منطقة الراشدين الخاضعة لسيطرة المسلحين ومنها الى ادلب.
خروج هؤلاء لا يعني حكاية مأساة ومعاناة كفريا والفوعة قد انتهت ، انما اسدل الستار على فصل من فصولها، إذ ما زال داخل البلدة قرابة 8000 الاف شخص محاصرين وما زال القصف والقنص والحصار يتربص بهم بانتظار ان تحمل المرحلة المقبلة فرجاً لاهالي هاتين البلدتين الذين سجلوا بطولات وتضحيات قلّ نظيرها.
المصدر: الاعلام الحربي