بعد صمود استمر لاكثر من ثلاث سنوات تحت الحصار والتجويع، تم تحرير أهالي بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين في ريف ادلب الشمالي من قبل الجماعات المسلحة التي تسيطر على المساحات المحيطة بها، وذلك بموجب اتفاق قضى باطلاق سراح مسلحين من السجون السورية مقابل السماح للاهالي بالخروج الى الاراضي التي يسيطر عليها الجيش السوري في منطقة حلب ومن ثم الى بقية الاراضي السورية الآمنة.
صمود تاريخي للاهالي في البلدتين اقترن بصمود اسطوري لمقاتلين من اللجان الشعبية ومعهم ستة أبطال من مقاومي حزب الله الذين رابطوا على تخوم البلدتين لمنع دخول الارهابيين إليها والاعتداء على الاهالي كما حصل في الكثير من المناطق السورية التي سقطت بيد أناس لا يعرفون الرحمة وجل ما فعلوه القتل باسم الدين الذي شوهوا صورته وأساؤوا اليه، وأبطال المقاومة الذين عادوا الى بلداتهم ومناطقهم في لبنان أقيمت لهم الاحتفالات الشعبية إجلالا لصبرهم وتضحياتهم وتكريما لجهودهم وإيثارهم بأنفسهم والدفاع عن المدنيين الأبرياء لا سيما النساء والأطفال في كفريا والفوعة بوجه المجرمين القتلة.
ونجح هؤلاء المقاومون والمدافعون عن كفريا والفوعة في صدّ الهجمات الانتحارية والانغماسية الشرسة من الوصول لإلحاق الضرر بالأهالي، وتمكن هؤلاء الأبطال من إفشال كل المخططات التي حيكت للوصول الى البلدتين على الرغم من الامكانات الكبيرة التي وضعت في سبيل تحقيق ذلك، وهذا ما يظهر الارادة الفولاذية الصلبة التي يتمتع بها ابناء الفوعة وكفريا ومن امامهم المقاتلون الذين أعاروا الله جماجمهم وثبتوا أمام كل الضغوط التي مورست عليهم طوال 3 سنوات ونظروا الى أقصى القوم دون ان ترتجف أقدامهم وأيديهم القابضة على رقاب الباطل.
لكن أي دلالات لهذا الانتصار الجديد الذي تحقق في كفريا والفوعة كجزء من المشهد العام الجاري اليوم في سوريا؟ وماذا يعني فرض إخراج الاهالي وتحريرهم من السجن الكبير الذي فرض عليهم بعد سنوات من الحصار؟ وعلى ماذا يدل هذا التراجع الكبير للمسلحين امام انجازات الجيش السوري ومحور المقاومة في مختلف الاراضي السورية؟
حول كل ذلك، قال الخبير في الشؤون السورية وشؤون الجماعات التكفيرية الزميل أحمد فرحات في حديث خاص لموقعنا إنه “من خلال ما يتناقله المسلحون عبر تنسيقياتهم وبيانات قادتهم، نستطيع أن نرى حجم الخسارة التي منيوا بها بعد إخراج أهالي الفوعة وكفريا”، وتابع انه “بعد حصار دام أكثر من ثلاث سنوات لم تستطع الجماعات المسلحة بمختلف أنواعها ومسمياتها مجتمعة كانت أو متفرقة أن تحقق تقدما لأمتار قليلة في أراضي الفوعة وكفريا”، واضاف “هنا نشير إلى أن جيش الفتح والذي يحوي أكثر من 7 فصائل مسلحة فشل في أن يخترق دفاعات البلدتين”.
وعن اسباب رضوخ الجماعات الارهابية وتراجعها في ملف كفريا والفوعة، قال فرحات إنه “برز قبل يومين بيانات من قادة الإرهابيين من أمثال متزعم حركة أحرار الشام المدعو حسن صوفان والإرهابي السعودي عبد الله المحيسني، أكدا فيها حجم الخسائر التي منيت بها الفصائل خلال معارك الفوعة وكفريا، وذلك في معرض حديثهما عن الأسباب التي دفعتهم إلى الدخول في إتفاق حول إخراج الأهالي من البلدتين”.
واشار فرحات الى انه “بمقابل إخفاق المسلحين، كانت اللجان الشعبية في الفوعة وكفريا بإمكاناتها المحدودة، تؤمن محيط البلدتين على حساب الفصائل التكفيرية، وتسيطر على المزيد من المساحات”، واضاف “كانت اللجان الشعبية في الفوعة وكفريا تقاتل بسلاح فردي، حيث أنه لم يدخل إلى الفوعة وكفريا أي سلاح ثقيل، كما كان يتوهم الإرهابيون”، وتابع “المصادر تشير إلى أن ما استخدمته اللجان الشعبية في الفوعة وكفريا من مدفعية(عددها اثنين احدها تعطل) كانت قد اغتنمتها من الإرهابيين خلال الهجمات العديدة التي شنوها على البلدتين”.
وأوضح فرحات انه “كنتائج مباشرة للإنتصار الذي تحقق، بحماية أهالي الفوعة وكفريا بعد إخراجهم من المنطقة، برز تخبط المسلحين وتخوفهم على مصيرهم من أي هجوم للجيش السوري لإستعادة المحافظة(ادلب) الواقعة على الحدود مع تركيا”، وتابع “هنا ينقسم جمهور الإرهابيين إلى قسمين، الأول يرى بأن هجوم الجيش السوري واقع لا محالة، ويحمل المسؤولية إلى هيئة تحرير الشام(جبهة النصرة سابقا) بأنها فشلت في تحقيق أي مكاسب في الإتفاق”، واضاف “أما القسم الثاني فيزعم أن الإتفاق تم بضمانة تركية ويحاول الترويج على أن ما جرى هو لحماية ادلب”.
يبدو ان الصدفة الجميلة جعلت تحرير أهالي كفريا والفوعة تقترن بالذكرى الـ12 لانتصارات المقاومة في تموز التي تحققت في العام 2006 بوجه العدو الاسرائيلي، فكانت عودة المقاومين من صناع نصر كفريا والفوعة لتذكرنا بعودة الاهالي الى قراهم وبلداتهم ومنازلهم بعد انتهاء العدوان الصهيوني في 14 آب/اغسطس 2006، ليتجدد قول الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أننا نعيش زمن الانتصارات بعد ان ولى زمن الهزائم الى غير رجعة.
المصدر: موقع المنار