عندما يضيق الواقع بالمفكرين الثائرين، لا مناص من خاتمة تُجسَد بها المفاهيم الثورية، ألا وهي الشهادة. هكذا هو باسل الأعرج.
في أول من تموز من العام ألفين وثلاثة عشر، كتب الشهيد الثائر باسل الأعرج مقالاً عن تجربته في الأسر، تحت عنوان “أهلا بالزبائن الكرام في معسكر عوفر”. وبعد أربع سنوات فتحت الجنان أبوابها، لترحب بأحد طلابها في ساحات المواجهة مع العدو الصهيوني.
أربع سنوات منذ ذلك التاريخ، قضاها الشهيد الأعرج مقاوماً متنقلاً، بين مواجهات مع العدو الصهيوني ضد مشاريعه التهويدية للأراضي الفلسطينية المحتلة، وصولاً إلى إلقاء المحاضرات التي تؤكد على فكرة “الإشتباك مع الاحتلال”، ومنظراً للعمليات الفردية ضد جنود الجيش الإسرائيلي فقط.
هذه الفكرة التي دعا إلى اتباعها، مارسها بنفسه، عندما قدمت قوات الإحتلال إلى اعتقاله في شقته وسط مدينة رام الله فجر اليوم الإثنين، حيث استشهد بعد اشتباك مسلح مع قوات الإحتلال. ولعل أهم محاضراته كانت عن عملية زقاق الموت في 2002 في واد النصارى الخليل، وعن كتيبة الجيش العراقي التي قاتلت في فلسطين عام 1948.
وشارك الشهيد بشكل فعال في الحراك الشبابي ونشاطاته التي نفذت في الضفة الغربية تضامناً مع الأسرى ورفضاً للتطبيع. هذه المشاركة عرضت الأعرج للضرب والإيذاء من قبل الأجهزة الأمنية أكثر من مرة.
وأكثر من ذلك كان باسل، مثالاً للمفكر والمنظر للاشتباك مع الاحتلال على الأرض، وعمل خلال السنوات الأخيرة بعد أن ترك عمله في مجال الصيدلة وهو دراسته الأصلية، على دراسة وتوثيق الثورة الفلسطينية ومراحل مقاومة الاحتلال، وكان يعمل على تنظيم رحلات ميدانية لمجموعات ينظمها الملتقى التربوي العربي في مناطق فلسطينية لها تاريخها في الثورة الفلسطينية.
شهادات الأهالي في منطقة المواجهة مع العدو الإسرائيلي وسط رام الله أكدت أن الشهيد لقي ما تمنى مقبلاً غير مدبر، بعد اقتحام الاحتلال لشقته التي كان يختبئ بها منذ أشهر في مدينة رام الله بعد إطلاق جنود الاحتلال عليه قذيفة في عملية شارك فيها العشرات من قواتها ووحدة اليمام.
والشقة التي استشهد فيها باسل تقع في وسط مدينة رام الله، استأجرها قبل ثلاثة سنوات من مالكتها، حيث عرف على نفسه أنه سويدي جاء لرام الله للعمل في شركة، تقول السيدة أنه كان يتكلم معها باللغة الانجليزية طوال الوقت، وأنه لم يكن يحمل هاتف نقال، وأنها طوال فترة استئجاره للشقة لم تراه يخرج أو يدخل إليها.
وبدأت قصة مطاردة “باسل” حينما رفض العودة إلى منزله في بلدة الوجلة جنوب بيت لحم بعد الإفراج عنه من سجن بيتونيا، كما كان حال رفاقه في الإضراب والاعتقال، وبعد محاولات احتلالية للإلقاء القبض عليه تحول مطلوبا لها.
وكانت السلطة الفلسطينية قد اعتقلت “باسل” ورفاقه الخمسة في التاسع من نيسان الماضي (2016) بعد عشرة أيام من البحث عنهم كما أعلنت قوات الأمن أيضا في 30 من آذار الفائت، مدعية أنها ستحقق معهم كإجراء اعتيادي ومن ثم إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى أهاليهم. إلا أن ذلك لم يحصل على العكس تعرض “باسل” ومن معه لتعذيب قاسٍ خلال أربعة أشهر في زنزانة انفرادية منع عنه الزيارة وإدخال الكتب أو الدواء.
وبالرغم من مرضه وضعف جسده، كان يعاني من حصوة في الكلى ومرض السكري، أصر “باسل” على الإضراب عن الطعام احتجاجاً على مواصلة احتجازهم، وتمديد اعتقالهم بشكل مستمر دون تقديم أي تفسير حول اعتقالهم، وبالفعل استطاعوا إجبار الأجهزة الأمنية على إطلاق سراحهم بعد ثمانية أيام، ومنذ ذلك الحين تحول “باسل” لمطارد.
حاول الاحتلال اعتقاله أكثر من مرة، فكانت الاقتحامات المتكررة لمنزله في الولجة، وتهديد لعائلته وسحب تصريح العمل من والده، إلا أنه رفض تسليم نفسه طوال هذه الفترة، فكان أن هدد مخابرات الاحتلال والده أكثر من مرة باغتياله.
من هو الشهيد باسل الاعرج ؟
الشاب باسل الأعرج هو خريج تخصص الصيدلة من الجامعات المصرية، وعمل في مجاله قرب القدس، وكان ناشطا جماهيريا تصدر المظاهرات الشعبية الداعمة لمقاطعة الكيان الإسرائيلي، ومن أبرزها الاحتجاجات على زيارة وزير الحرب الاسرائيلي السابق “شاؤول موفاز” عام 2012، حيث تعرض للضرب من الأمن الفلسطيني وأصيب على إثرها بجراح. واشتهر الأعرج بمقالاته العميقة الداعمة للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي والداعية لمقاطعة جميع أشكال الحياة معه في فلسطين وخارجها.
وعمل الأعرج في مشروع لتوثيق أهم مراحل الثورة الفلسطينية منذ ثلاثينيات القرن الماضي ضد الاحتلال البريطاني، وصولا للاحتلال الإسرائيلي وذلك من خلال تنظيم رحلات ميدانية لمجموعات شبابية متنوعة للتعريف بها على أرض الواقع.
ومن أهم التدوينات المسجلة للأعرج حديثه عن حرب العصابات بوصفها “قاطع طرق بمشروع سياسي، إضافة للمراحل التي مرت بها ثورة 1936، وفي كتيبة الجيش العراقي التي قاتلت في فلسطين عام 1948، ونموذج ريف مدينة جنين في المقاومة قديما وحديثا، وأهم عمليات المقاومة الحديثة عام 2002 في واد النصارى بمدينة الخليل. الثقافة الواسعة التي يتمتع بها الأعرج صقلت شخصيته في مخاطبة الشبان والحديث معهم في القضايا الوطنية الفلسطينية كما يقول أصدقاؤه.
ماذا يقول الأصدقاء
ووصف الصحفي حسين شجاعية وهو صديق للأعرج بأنه من الأشخاص المثقفين بالجغرافيا والتاريخ.وأضاف شجاعية في حديث له :”إنه مثقف بتاريخ الأرض والمقاومة، وكان في كل رحلة تجوال لديه العديد من التاريخ السردي للمنطقة، عن المعارك والفدائيين الذين استشهدوا فيها”. ووصف شجاعة باسل بأنه يحمل ثقافة جمعها من الكتب والرواية الشفهية وكثير من القصص التي كان يرويها موثقة في كتب التاريخ المحلي، أو كما قال.
وختم الصحفي قوله إن باسل كان صديقا لجميع الصحفيين الفلسطينيين، وكان يوجه الكثير منهم لمقابلة فلسطينيين لديهم تاريخ شفوي مهم في مقاومة الاحتلال البريطاني ومعارك النكبة، ومن المهم تسليط الضوء على مثل هذه الشخصيات.
وعد كثير من النشطاء الفلسطينيين استطاعة الأعرج التواري عن أعين قوات الاحتلال ورفضه تسليم نفسه ما هو إلا نجاح للشاب المثقف كما وصفوه، إضافة لفشل إسرائيلي استخباري من الوصول إليه.
المصدر: موقع المنار