“لم أخرج ظهراً من بيتي قاصداً دوار اللؤلؤة… وجدتُ الجموع تتجه نحو الميدان (دوار اللؤلؤة). سلّمت نفسي إلى حيث تشقّ أقدامهم طريق حرية جديد… التقطنا صوراً تذكارية لنرويها غداً لمن أقدامهم لم تصل بهم إلى دوار اللؤلؤة”. “كنت أفكر في اللحظة التي توشك فيها الحركة الثورية أن تبدأ في مجتمعي، كيف يمكنني أن أتجنب أن أبدو خائناً فيها”.
كل ما يُكتب عن لحظات 14 فبراير بات في عداد الوثائق التي تعيد تشكيل مفهوم “الثورة” الذي يبدع البحرينيون في صياغته من ساحاتهم. قبل ست سنوات كتب علي الديري كلماته هذه موثقاً سيرته في 14 فبراير 2011، التي انتهت بالمثقف البحريني ليغدو فاقداً للجنسية دون أن يُغيّر الأمر شيئاً في مسيرة نضاله.
كل ما يُكتب عن لحظات 14 فبراير بات في عداد الوثائق التي تعيد تشكيل مفهوم “الثورة” الذي يبدع البحرينيون في صياغته من ساحاتهم. قبل ست سنوات كتب علي الديري كلماته هذه موثقاً سيرته في 14 فبراير 2011، التي انتهت بالمثقف البحريني ليغدو فاقداً للجنسية دون أن يُغيّر الأمر شيئاً في مسيرة نضاله.
في الاجتماعات التنسيقية قبيل 14 فبراير، كانت الحقوقية زينب الخواجة حاضرة في نقاشات حول اختيار المكان الملائم للتجمع الشعبي، كان “دوار اللؤلؤة” اقتراحها الذي وجدت من سجله ضمن الخيارات. وظفت ابنة البيت المناضل حسابها في “تويتر” لخدمة الثورة: دعوات المشاركة، أحداث التظاهرات، والصور المباشرة، وما يجري من اعتداء على المتظاهرين… خاضت الخواجة معركة توثيق الثورة من منصة التواصل الاجتماعي، وانتهى بها الأمر مناضلة مُبعدة عن بلادها تحت وطأة التهديد بعد سنوات قضتها من وإلى المعتقل.
بُعيد أحداث فبراير، تحديداً في الشهر التالي اعتقل الطبيب علي العكري.
في الهجوم الذي شنّته القوات البحرينية على مجمع السلمانية الطبي، ضُبط العكري متلبساً بـ “جريمته”: تقديم العلاج للمتظاهرين المصابين خلال الاحتجاجات. وحتى اليوم لايزال العكري قابعاً في المعتقل حاله كحال عموم البحرينيين: صمود.
وفي فبراير 2011، اعتقل علي السنكيس من ساحة الاعتصام في دوار اللؤلؤة. كان يومها يبلغ من العمر 15 عاماً، إلا أن وعيه كان مشحوناً بمعاناة يتوارثها البحرينيون عن الآباء والأجداد. في الشهر نفسه أُطلق سراح الفتى، إلا أنه منذ ذلك اليوم ظل طريداً ينام على أسطح المنازل أو في بيوت من يؤونه.. بعد عام، ولدى عودته من مدرسته وُجد الفتى في إحدى كاراجات بلدة السنابس مغمياً عليه ومجرداً من ملابسه، كان المفتعِل: قوات الأمن.. والسبب رفضه التخابر معهم. وفي مطلع العام 2017 أُعدم السنكيس بعد أن أُلبس تهمة “تفجير الديه”… فغدا شهيداً بطلقات أربع اخترقت قلبه وصدره، دون أن ينحني أمام قتلته.
المثقف، والحقوقي، والطبيب، والطالب… القصص متشابهة في مملكة آل خليفة، إما إسقاط جنسية أو إبعاد أو اعتقال، أو حتى شهادة. الخيارات مختلفة، لكن الهدف واحد وواضح: الاقتصاص. والنتائج التي تحصدها السلطة واحدة وواضحة أيضاً: لا شيء سوى الخيبة.
جريمة إسقاط الجنسية في مملكة تستجلب المجنسين من بنغلاش والهند وباكستان وغيرهم، لم تفلح في تكميم الأفواه. النفي والإبعاد لم يعرقل مسيرة النضال. السجون المكتظة في البحرين المصنفة في المرتبة الثانية خليجياً -بعد السعودية- من حيث تعداد المعتقلين لم تدفع أياً من نزلائها إلى إعلان التراجع أو البراءة من الثورة. أما الشهادة فيتحدث أهلها بلسانها: “إذا الشعب أراد أن ينتصر عليه أن يقف بوجه الظالم، وأن يضحي بكل ما يملك” (الشهيد عباس السميع).
وبالفعل هذا ما أراده البحرينيون… أن ينتصروا.
بعد 14 فبراير 2011، كانت البحرين على موعد مع صيغة توافق بين المعارضة والنظام رعاها يومها ولي العهد البحريني سلمان بن حمد آل خليفة. أُفشل المسعى بضغط سعودي، مارسه بشكل مباشر ولي العهد السعودي ووزير داخلية المملكة آنذاك نايف بن عبدالعزيز. قال بن عبدالعزيز يومها: “الحل في البحرين أن يعود الناس لبيوتهم”.
اليوم 14 فبراير 2017، يطوي البحرينيون سنوات ست على خروجهم لميدان الثورة. ذهب نايف بن عبدالعزيز إلى بيت لا عودة منه، والبحرينيون لايزالون في الساحات. دوار اللؤلؤة الذي هُدم على يد القوات البحرينية مدعومة بقوات سعودية، اتسع خلال هذه السنوات فباتت كل ساحات جزيرة اللؤلؤ دواراً لا يعرف الهدوء.
في العام الخامس على الثورة، أسقط النظام البحريني الجنسية عن آية الله الشيخ عيسى قاسم وطالبه بالخروج من البلاد بعد أن صادر أموال الخمس، وحلّ جمعية الوفاق الوطني الاسلامية (أكبر جمعيات المعارضة البحرينية) وعمد إلى تصفية أموالها، كما أنه منع أكبر صلاة جمعة في البلاد وحاصر بلدة الدراز.
وفي مطلع عام 2017، وعشية سنة الثورة السادسة، قدم البحرينيون شهداءً ست خلال شهر فقط: عباس السميع، سامي مشيمع، علي السنكيس، رضا الغسرة، مصطفى يوسف، ومحمود حبيب.
كيف ردّ البحرينيون؟
افترشوا الساحات بأكفانهم. وبأجسادهم شكلوا سياج دفاع عن المنزل الذي لم يتزحزح منه آية الله قاسم. وفي الساحات، صدورهم العارية كانت تلاقي رصاص الاقتصاص، وشعاراتهم لم تتبدل: لا تراجع لا عودة قبل تحقيق المطالب.
المصدر: موقع المنار