في خضم التحديات والهزائم التي تواجهنا في الحياة، نسمع دوماً النصيحة حسنة النية “كن إيجابيًّا”، لكن مع ازدياد ثقل التحدي، تبدو هذه الحكمة أكثر خيالية وبعداً عن الواقع، فمن الصعب أن تجد دافعاً للتركيز على الجانب الإيجابي حين لا يعدو هذا التفكير كونه نوعاً من التمني.
العائق الحقيقي أمام الإيجابية هو أدمغتنا التي تبحث عن التهديدات والتركيز عليها، والتي كانت في الماضي إحدى آليات البقاء المفيدة التي ساعدت على استمرار البشر منذ فجر التاريخ. حين عاش البشر كصيادين أو جامعي ثمار في بيئات يتواجد بها خطر التعرض للقتل يومياً عن طريق شخصٍ أو شيء ما، كان استعداد الإنسان الدائم للتهديدات المحيطة مفيداً بحسب تقرير لموقع “The Entrepreneur”.
لكن هذا النمط من التفكير يتسبب اليوم بالتشاؤم والسلبية، نتيجة بحث العقل الدؤوب عن التهديدات المحتملة في محيطه. لكن عملية البحث هذه تضخم من احتمال سير الأمور بشكل سيء. في الحقيقة، التشاؤم ضار بالصحة، إذ أظهرت العديد من الدراسات تمتع المتفائلين بحياة أكثر صحة على المستويين النفسي والجسدي مقارنة بغيرهم.
وأجرى مارتن سليغمان من جامعة بنسلفانيا العديد من الدراسات حول هذا الأمر، ليكتشف ارتفاع معدلات الاكتئاب بين الأشخاص الذين يُرجعون فشلهم إلى نقائص شخصياتهم، في الوقت الذي يعتبر فيه المتفائلون فشلهم فرصة للتعلم، مؤمنين بقدرتهم على القيام بالأفضل مستقبلاً.
كما عمل سيلغمان على دراسة الصحة الجسدية بالتعاون مع باحثي دورتموث وجامعة بنسلفانيا، حيث تابعت الدراسة بعض الأشخاص من سن 25 وحتى 65 عاماً لدراسة مدى تأثير أو ارتباط تفاؤلهم أو تشاؤمهم بحالتهم الصحية العامة على مدار السنوات. وتوصلت الدراسة إلى التدهور الصحي السريع الذي عاناه المتشائمون مع تقدم أعمارهم.
كما أسفر البحث الذي أجرته مايو كلينيك عن نتائج مشابهة، تمثلت في انخفاض نسبة أمراض القلب والأوعية الدموية لدى المتفائلين، بالإضافة إلى تمتعهم بفترات حياة أطول.وعلى الرغم من عدم تحديد الآلية الدقيقة التي يؤثر بها التشاؤم على صحة البشر، إلا أن الباحثين بجامعتي ييل وكولورادو قد توصلوا إلى الارتباط بين التشاؤم وضعف مقاومة الجهاز المناعي للعدوى والأورام.
أما الباحثون بجامعتي كنتاكي ولويس فيل، فقد حقنوا بعض المتشائمين والمتفائلين بأحد أنواع الفيروسات لقياس استجابتهم المناعية، ليجدوا استجابة المتفائلين المناعية أشد قوة بشكل ملحوظ مقارنة بغيرهم من المتشائمين. درس سليغمان الإيجابية بشكل مكثف، وهو يعتقد باستطاعة البشر التغلب على الكثير من الأفكار السلبية عن طريق المعرفة والجهد البسيط، كما تشير أبحاثه أيضاً إلى إمكانية تحويل الميل للسلبية إلى اتجاه أكثر إيجابية عن طريق بعض التقنيات البسيطة القادرة على إحداث تغييرات سلوكية واضحة على المدى البعيد.
الخطوة الأولى: افصل الحقيقة عن الخيال
تتطلب الخطوة الأولى نحو الإيجابية معرفة كيفية إيقاف الحوارات الداخلية السلبية مع النفس، فكلما استمرت النفس في اجترار أفكارها السلبية، كلما أمست هذه الأفكار أشد قوة، بينما في الحقيقة معظم أفكارنا السلبية هي مجرد أفكار لا حقائق. حين تجد نفسك مقتنعاً بالأفكار السلبية المتشائمة التي يرددها صوتك الداخلي، فعليك أن تتوقف وتكتبها، أوقف ما تفعله واكتب ما تفكر به. ستساعدك لحظة التوقف هذه على إبطاء زخم أفكارك السلبية، وستمنحك صفاء الذهن المطلوب لتقييم هذه الأفكار بشكل أكثر عقلانية لتحديد مدى صحتها.
قيّم هذه العبارات للوصول لمدى واقعيتها، يمكنك التأكد أن هذه العبارات هي محض أوهام إن رأيت فيها كلمات مثل “أبداً” أو “دائماً” أو “أسوأ من أي وقت مضى”.. أو أي كلمات مشابهة. ستساعدك معرفة أفكارك والتعامل معها كأفكار وفصلها عن الحقائق على الهروب من دوامة الأفكار السلبية إلى مستقبل أكثر إيجابية.
الخطوة الثانية: تعرّف على الإيجابيات
الآن لديك الأداة التي تمكنك من الهرب من أفكارك الانهزامية، حان وقت دفع العقل للتركيز على الأمر الآخر: الإيجابيات. سيتطلب الأمر بعض الممارسة قبل أن تصبح النظرة الإيجابية سليقة لديك. في البداية سيحتاج عقلك بعض المساعدة المتمثلة في الاختيار الواعي لإحدى الإيجابيات للتفكير به، يمكنك اختيار أي فكرة إيجابية يستطيع العقل الانتباه إليها.
قد يبدو الأمر سهلاً حين تسير الأمور على ما يرام، ويكون مزاجك جيداً، لكنه سيشكل تحدياً حين تواجهك المشكلات وتغمرك الأفكار السلبية أو حين تسير الأمور على غير إرادتك، في هذه الأوقات يمكنك التفكير في يومك وتحديد إحدى إيجابياته مهما صغرت، وإن لم تستطع الوصول لإحدى إيجابيات اليوم فيمكنك الاستعانة باليوم أو حتى الأسبوع السابق، أو ربما يمكنك التركيز على أحد الأحداث التي تترقبها بحماس.
يتعلق الأمر بإيجاد حدث إيجابي يستطيع عقلك تحويل انتباهه إليه، بدلاً من الانتباه إلى الأفكار السلبية التي قد تهاجمه.
المصدر: صحف