بالتزامن مع محادثات استانة بين الحكومة السورية وجماعات معارضة، تدور تسوية من نوع آخر بين أمراء الحرب في ريفي ادلب وحلب، لتقاسم مستودعات الذخيرة، والفصائل.
وبعيداً عن الصخب الإعلامي المرافق لما جرى بين جبهة النصرة وجند الأقصى من جهة، وبين “صقور الشام” و”جيش المجاهدين” و”أحرار الشام” من جهة أخرى، برز إلى الواجهة حديث جدي عن تسوية ما، بين جبهة النصرة وحركة احرار الشام، افضت إلى حصول النصرة على مستودعات اسلحة “جيش المجاهدين” وغيرها من الفصائل، مقابل التضحية بـ “جند الأقصى”.
جبهة النصرة قدمت أولى التنازلات في تلك التسوية، وهي فصل الجند من صفوفها، بحجة عدم التزامهم ببنود البيعة، في تعمية واضحة على الحقيقة، بأن تيار “ابو ذر الجزراوي” الاكبر داخل الجند، لم يبايع جبهة النصرة بالاصل، ونشر بياناً واضحاً في هذا الشأن في الشهر العاشر من العام الماضي.
“جيش المجاهدين” والذي تأسس أوائل العام 2014، كان أول من أعلن الحرب ضد “داعش” في ريف ادلب، وهو يعمل تحت راية الجيش الحر، ويبلغ عدد مقاتليه حوالي 3500، ويتلقى دعماً من غرفة العمليات المشتركة في تركيا “موم”، ويعمل بشكل رئيسي ضمن ما سمي “غرفة عمليات فتح حلب”، والتي هزمت في معارك حلب الأخيرة.
وبعيداً عن العمليات العسكرية التي جمعت “جيش المجاهدين” مع “جبهة النصرة”، فإن تعاوناً بين الطرفين كان على أشده، خصوصاً صفقات الأسلحة، حيث كانت النصرة تحصل على حصة من الأسلحة الأميركية التي كانت تاتي إلى جيش المجاهدين، برضى الأخير، حتى أن أحد قياديي الجيش النقيب أحمد عبد القادر غرد على حسابه على تويتر أواخر العام الماضي قائلاً “جبهة فتح الشام تمثلني”.
إذاً القضية قضية مستودعات أسلحة وغنائم، تريد منها جبهة النصرة بديلاً عن جند الأقصى، لكن ما الذي حصل مع أبو عيسى الشيخ قائد صقور الشام ليعلن النفير ضد النصرة ؟
استشعر أبو عيسى الشيخ الخطر الذي يحيط به وبفصيله، بعد أن خرج من حركة أحرار الشام في الشهر التاسع من العام الماضي بعد اندماجه معها في آذار من العام 2015، حيث كان يامل بأن يصبح قائد الحركة، بدلاً عن أبو عمار العمر.
يظن أبو عيسى الشيخ أن قتاله النصرة حالياً يقوي ورقته امام الداعم التركي، رغم أن جماعة “صقور الشام” التي يقودها، كانت إلى جانب النصرة في قتال “جبهة ثوار سوريا” التي كان يتزعمها جمال معروف في جبل الزاوية أواخر العام 2014.
صعد أبو عيسى الموقف بوجه جبهة النصرة، آملاً بدعم أحرار الشام، لكن الأخيرة اشترطت عليه العودة إلى جناحها، وهذا ما حصل. وفي كلمته الاخيرة، وجه أبو عيسى رسالة إلى احرار الشام قائلاً إن “هجوم النصرة عليه سببه وقوفه إلى جانب الحركة”.
وبالنسبة إلى احرار الشام، فيبدو أنها الرابح الأول بما يجري، كون الفصائل التي تخشى مواجهة النصرة، تسارع إلى الإنضمام إليها، وهذا يشبع رغباتها التوسعية، بجمع أكبر عدد من الجماعات تحت جناحها، وتقديم نفسها على أنها “راعية الجهاد الشامي” والأمينة عليه، وهذا ما يقوي موقفها التفاوضي في مراحل لاحقة، ويرفع رصيدها في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة.
وحققت أحرار الشام مبتغاها، بإعلان 6 من كبرى جماعات الشمال السوري انضمامها إليها وهي: “ألوية صقور الشام”، “جيش الاسلام – قطاع ادلب”، “جيش المجاهدين”، “تجمع فاستقم كما امرت”، “الجبهة الشامية – قاطع ريف حلب الغربي، وكتائب ثوار الشام”، بالإضافة إلى فوج الأنصار المشكل حديثاً من كتائب وألوية مختلفة.
وكسبت النصرة حالياً جماعات “نور الدين الزنكي، جبهة انصار الدين، فيلق الشام”، وهي التي وقفت على الحياد، بالإضافة إلى الحزب التركستاني والشيشانيين، وباقي الأجانب.
وفي خضم هذه المعمعة، يأتي دور “المهاجرين” الاجانب الذين قدموا إلى سوريا للقتال ضد الجيش، فهم وقود معارك النصرة الدائرة حالياً، وكذلك “جند الأقصى”، وهم الخاسر الأكبر، خصوصاً في ظل ما يحكى عن مساع لإقصاهم عن الساحة في سوريا، تنفيذاً لطلبات إقليمية، وبعد سلسلة الإغتيالات الأخيرة التي طالت قادة من هؤلاء، كانوا بمثابة الحماة لهم، والتي اتهمت بها جهات من داخل الجبهة، عبر تسريبهم معلومات لفصائل تتعاون مع التحالف الأميركي.
التخلص من المهاجرين أمر يريح النصرة والأحرار على حد سواء، فالاولى تعتبرهم تركة ثقيلة عليها من إرث القاعدة، والثانية تصفهم بـ “الغلاة”، وتحملهم مسؤولية الخلافات المنهجية بين الجماعات، وهذا ما يفسر استقالة الشرعي المصري “ابو الفتح الفرغلي”، والذي كان يشغل منصب مسؤول مكتب الدارسات في هيئة الدعوة والإرشاد بالحركة.
تطورات متسارعة تشهدها الساحة السورية على صعيد الجماعات المسلحة، التي تتجه إلى فرز جديدة، لن يكون مختلفاً عن سابقه، سوى بالأسماء.
المصدر: الاعلام الحربي المركزي