نعم, قد تبعثرت ملامح الطرقات والشوارع, وتلاشت الأمكنة في ضاحية العز, وأصبحت خارطة التقسيم فيها شبه معدومة, وكأنها عادت إلى رحم الأرض من جديد, و ما أجمل هكذا رحم طاهر احتضن شهداء.. ذكريات، ضحكات، أحزان، احتضن مسيرة شعب أراد الحياة, لكنه لم يساوم على الكرامة.
تاريخ الكيان الغاصب يضج بالمجازر التي في كل مرة نتصور أنها الأكثر انتقاصا للإنسانية, لكنه في مجازره المستمرة يتخطى كل تصوراتنا رغم يقيننا بأن شرّه لا محدود, وهو الآن في حربه الجنونية يُعبر عن ضعفه الذي أودى به ليفجر أعماق الأرض خوفاً من أي امتداد لوجود شعب المقاومة ورجاله, ويفترض أنها الطريقة التي سيضمن بها لنفسه سنوات من استراحة المواجهة مع حزب الله، وهذا ما جعله يركز على أسلوب الإبادة الجماعية وانتهاك كل ما يمكن انتهاكه لطمس معالم الأماكن والماديات التي هي جزء من تواجد الناس لكنها ليست الأساس في وجودهم.
في حين يتعامل العدو بكثير من الغباء وعدم فهم لتركيبة وماهية بيئة المقاومة, ولربما لن يستطيعوا الوصول بكل الأحوال إلى فهمها، فمن يرى الباطل حق لن يستطيع أن يجد صيغة إدراك ووعي لفكرة أن يحمل المرء بقلبه قضايا الحق كإرث يتوارثه الأجيال إلى حين يأذن الله بعودة الحق إلى أصحابه.
ما يحصل اليوم في الضاحية الجنوبية هو صورة قديمة جديدة لتخبط العدو وضياع أوراقه, فهو يحرق مرحلة متوهما بأنها الأخيرة, وقدرته على الاجرام نابعة من خشيته بالزوال. وإن كان نتنياهو متهما بالجنون, فهو نسخة عن باقي المجانين في الكيان, فكل المجازر السابقة لم تكن أقل وحشية من الآن, ولكن تغير الزمن وتقنياته وسّع بقعة الإجرام فتمادى نتنياهو وعرّابته.
رحيل السيد الشهيد عن الحياة الدنيا لم يسبب الأمان لإسرائيل، بل على العكس بات رعبهم على عمق الانفجار الذي أحدثوه في اغتيال السيد الشهيد, وبدل أن تذهب الحرب إلى وجهة الانتصار من جهتهم، تعاظمت ضربات المقاومة وتورط الكيان أكثر في موقفه أمام المجتمع الإنساني والرسمي على السواء، وكل خسارة بشرية بالنسبة للمقاومة هي ربح يؤمن به شعبها.
وعلى النقيض تماما, فخسائر العدو هي مضاعفة, أولا أنها بشرية, وثانيا هي تدمير شامل لفكرة العيش الآمن في “إسرائيل”، وإن كانت النتائج اليوم غير واضحة فهي ستكون كذلك قريبا ما أن تنتهي الحرب بانتصار المقاومة, حينها ستواجه إسرائيل أكبر كارثة مرت بها. فقد ذهبت بمستوطنيها إلى حرب قاسية أفقدتهم الثقة بالعيش ضمن بقعة أرض مسلوبة والنار تضج تحتهم باستمرار, وهذا بالنسبه لهم أساس حياتهم, فهم وإن أوهموا أنفسهم وأوهموا العالم بأن رسالتهم رسالة عقيدة مشروعة في أرض الميعاد إلا أن حقيقة الأمر أن حياتهم مرتبطة بالمطلق بالشق الحياتي المادي الذي لا هوية انتماء له سوى الطمع والجشع والوصولية.
وفي الطرف الآخر, ثمة شعب في فلسطين والجنوب اللبناني لا توقفه مصائب الحياة, بل هي اختبارات إلهية يستقبلونها بقلوب مؤمنة وأقدام ثابتة غير مستغنية عن شبر واحد من الأرض.
تراكم الوجع و الحزن الذي أصابنا هو نتيجة طبيعية بعد تفاصيل حرب لم يكن فيها شيء من الأخلاق من جهتهم, ولكن الألم الذي يملئ قلوبنا هو قوة يستند عليها النازح والمقاوم والداعم والصديق والحليف للإيمان المطلق بالنصر الموعود.
المصدر: موقع المنار