كثيرا ما كنت أتحدث مع أصدقائي بأن مجتمع المقاومة في لبنان قد طوى مسيرا طويلا من الولاء والصدق، مسيرا طويلا من معرفة الله والثقة بوعوده. كنا نقارن بينه وبين كثير من المواقف التي تحكيها الآيات القرآنية. وكنا نفرح ونقول مجتمعنا لم يقل يوما اذهب أنت وربك فقاتلا، بل لم يقل كما قال أصحاب موسى إنا لمدركون.
كنا نسرّ كثيرا عندما نقرأ قصة طالوت، ونفخر بالنساء والرجال والأطفال الذين لم يطعموه، ولم يتسلل الى قلوبهم مرة ” لا طاقة لنا بجالوت وجنوده”.
كنا نبستم ونحن نقرأ قصص بدر، وأننا لم نُرد يوما غير ذات الشوكة، بل أردنا منذ اليوم الأول رأس الاستكبار وهتفنا الموت لأمريكا. صارعنا العدو الذي لا يهزم، وسخرنا منه، فظهر بنور التوحيد أنه أوهن من بيت العنكبوت. قرأنا آيات أُحد، فرقص قلبنا فرحا أننا لم نفر يوما، ولم نفشل ولم نتنازع في الأمر ولم نعص الرسول.
قرأنا الأحزاب وشكرنا الله أننا لم نهرب أو نستأذن، لم نشك بوعد الله بل زادنا إيمانا وتسليما. ناقشنا الحديبية وفتح مكة وحنين، وما قبلها وما بعدها، فشكرنا الله الذي ربانا وعلمنا وآوانا ونصرنا.
وها نحن اليوم نكتشف أن الله قبل عملنا، فاختار لنا تحديا جديدا لم نألفه من قبل في قصص القرآن وآياته، أراد لنا الله اليوم أن نفقد قائدنا في خضّم المعركة، أن نفقده وقُرانا تحترق كما العنقاء، وضاحيتنا ترقص بين ألسنة النار واللهب. شرّفنا الله ورفع قدرنا فاختار لنا تكليفا صعبًا، وهو يعلم أننا نقدر عليه، بل يعلم أننا سننتصر فيه.
وقد ذكر أهل العلم أن من فلسفة غيبة ولي العصر أرواحنا فداه أن تُبنى الأمة وتُظهر قدراتها وطاقاتها. وقد عشنا حتى البارحة زمن الغيبة في ظل سيدنا الجميل، نمشي معه ممسكا بأيدينا، نتكئ على صدره كلما أغار الزمان علينا. اليوم أوصلنا السيد الى ما نحن عليه، فودعنا عارفا بعشقنا وقوتنا، وهمس في آذان قلوبنا يجب أن تكملوا وحدكم، الدرب قصير، والصاحب ينتظر العاشقين.
- كاتب ومحلل سياسي
المصدر: بريد الموقع