لم يزل معرض بيروت للكتاب يشكّل نقطة مهمة في معارض الكتب العربية، فالمعرض الذي يحتفي بالدورة الـ60 لانطلاقته، كان المعرض الأول في تاريخ الدول العربية، لتلحقه بعد ذلك القاهرة والدول الأخرى.
وعلى الرغم من الإقبال الضعيف على اقتناء الكتاب هذا العام، غير أن الفعاليات التي رافقت المعرض كانت كثيرة وثرّة، فمنذ افتتاحه في الأول من ديسمبر، لم تتوقع دور النشر عن الإعلان عن حفلات توقيع الكتب لروائيين وشعراء ومفكرين عرب، حتى وصل الأمر ببعض الدور لتنظيم جمهورها في بعض حفلات التوقيع من أجل أن لا يحدث تدافع على الكاتب الذي لم يتمكن من توقيع النسخ جميعاً..
غير أن هذه الدور لم تكن كثيرة، بل فرادى وسط عشرات الناشرين الذي فتحوا أبوابهم على مصراعيها، إلا أن الجمهور غاب في أغلب أوقات المعرض الذي كان يفتتح أبوابه على مدى أكثر من اثنتي عشرة ساعة في اليوم، وعلى مدى أربعة عشر يوماً، إذ اختتمت الفعاليات ليلة الأربعاء الماضي. ما يميز معرض هذا العام عن السنوات السابقة، هو الوفود التي جاءت خصيصاً لزيارة المعرض، من العراق وتونس والمغرب وبعض الدول الأخرى، ما أشار إليه بعض الناشرين بأن هذه الوفود هي من أنقذ المعرض وارتفاع نسبة المبيعات وإن بشكل ضئيل جداً عكس ما كان متوقعاً.
وبيّن مهيار كردي، صاحب منشورات مؤمنون بلا حدود، أنه ربما كان معرض هذا العام الأضعف، نسبة للسنوات السابقة وللمعارض المماثلة في الدول العربية، وهذا ما لم يكن متوقعاً، فالقوة الشرائية ضعيفة، لعدة أسباب، منها أن المنطقة عموماً غير مستقرة وبالأخص في سوريا والعراق، وهو ما أثر بشكل واضح على بيروت.
لكنه يستدرك كلامه قائلاً: ربما ما حرّك المعرض وجعله مقبولاً وجود بعض الوفود العربية، وخصوصاً الوفد العراقي الذي جاء على شكل وفدين كبيرين، فضلاً عن بعض الزوار التونسيين والمغاربة، وهو ما شكّل فارقاً هذا العام.
وفي سؤالنا عن سبب ارتفاع سعر الكتاب هذا العام نسبة للأعوام السابقة، أشار كردي إلى أن كل دار لها سياستها الخاصة، فالكتاب المترجم يكون سعره مرتفعاً بسبب وجود حقوق النسخة الأجنبية وحقوق المترجم، أما الكتاب العربي فيجب أن لا يكون مرتفعاً، لأن الناشر لن يخسر عليه إلا تكلفة الطباعة، وبعض الحقوق إن وجدت، وهذا نادر مع دور النشر العربية ومع الكاتب العربي الذي لا يريد الآن إلا طباعة كتابة دون تحمل نفقات الطباعة، لكن الوضع عموماً يجبر بعض الناشرين على رفع سعر الغلاف، وهو ما أثّر على القوة الشرائية للقارئ.
من جانبه يرى الناشر محمد هادي، صاحب دار الرافدين، أن معرض بيروت مثل صبية جميلة كلما تكبر تزداد جمالاً، غير أن الناشرين توقعوا أن تكون نسبة المبيعات أفضل بسبب وجود استقرار سياسي نسبي في لبنان، لكن هذا لم ينعكس على الإقبال الجماهيري، ومع هذا كانت هناك حفلات توقيع كثيرة، وحضور روائيين وشعراء وكتّاب كبار، والأهم من هذا أن المعرض كان ملتقى للناشرين العرب عموماً.
وأضاف أن الأسعار لم تتضاعف هذا العام مثلما أشيع بين زوار المعرض، بل زادت بنسبة 10 إلى 15%، وربما السبب في ذلك قلة الجديد عموماً، لكن بالمقابل هناك وفود عربية جاءت من أجل المعرض، وخصوصاً الوفود العراقية التي جاءت من بغداد والبصرة والنجف وأربيل على مرحلتين، فضلاً عن وفود عربية لكن بنسبة قليلة، فقد كانت هناك مجموعات سياحية خاصة للمعرض من قراء وأدباء وأصحاب مكتبات، تمكنت من تحريك المعرض وبث الحياة فيه.
ممثل مؤسسة الانتشار العربي؛ نديم مروّة، لم يختلف كلامه كثيراً عن رأي الناشرين المشاركين، فقد قال إن المعرض كان هادئاً نسبياً، فهذا المعرض الذي كان مشهوراً بالفعاليات الكثيرة وحفلات التواقيع والنشاطات المصاحبة، وصلت هذا العام إلى أنها تعد على أصابع اليدين لا أكثر، مبيناً أن هذا ربما يكون لعدة أسباب، منها المستوى الاقتصادي للقارئ العربي عموماً واللبناني خصوصاً، فضغط الحياة جعلت القارئ يلتفت للاحتياجات الضرورية فقط، خصوصاً أن الكتاب يعد من الكماليات في الوقت الحالي.
مؤكداً أن سعر الكتاب لم يرتفع كثيراً نسبة للسنوات السابقة، ومن ثمَّ إذا كان سعر كل شيء في السوق مرتفع، لماذا يبقى الكتاب كما هو، فالورق ارتفع سعره والنقليات وأجور الموظفين والعقارات، ولهذا يجب علينا رفع سعر الكتاب.
أما عن مقارنة معرض بيروت للكتاب نسبة للمعارض الأخرى في عمّان والقاهرة وأبو ظبي وجدّة، أجاب مروّة أنه لا يوجد مجال للمقارنة، فالفعاليات التي تقام خارج بيروت أفضل بكثير لأن المعارض الأخرى تنظمها وزارات ودول وليس مؤسسات خاصة وجهدا فرديا، فمعرض بيروت تقيمه نقابة الناشرين وليس وزارة الثقافة، مثل معرض أبو ظبي أو معرض جدة.
رأي الناشرين لوحدهم ربما لا يكفي إذا ما أخذنا برأي المسؤول الأول عن معرض بيروت للكتاب ليضعنا أمام صورة واضحة عن هذه الفعالية المهمة عربياً، ففي حديثنا مع عدنان حمود، مدير معرض الكتاب العربي، بيّن أن حجم المشاركة كانت جيدة هذه السنة، إذ كان هناك أكثر من 250 دار نشر، من بينها خمسة دور من تركيا، و12 داراً من مصر، و30 داراً من سوريا، فضلاً عن مشاركة جناح صيني للمرة الأولى في المعرض.
أما عن الفعاليات المرافقة للمعرض، فقد أشار إلى أن معظم الفعاليات التي أقيمت كانت من تنظيم دور النشر، وهي عبارة عن مناقشة كتب صادرة عنها، وهذه الدور هي التي تختار الكتب والشخصيات التي تحتفي بها فينظمون لها احتفالات تقام داخل الدور نفسها، في حين كانت لدى المعرض تكريمات خاصة بالنادي الثقافي العربي، مثل مركز سرطان الدم وجمعية المقاصد، كما عملت اللجنة المنظمة للمعرض حفلاً فنياً متنوعاً.. أما الندوات التي نظمها المعرض فكانت ست ندوات، من بينها «ماذا بقي من الشرق العربي» و»كلوفيس مقصود والدكتور محمد مجذوب» وغيرها.
حمود أكّد أن معرض بيروت لم يتغير هذا العام كثيراً عن الأعوام السابقة، فالفعاليات هي ذاتها، لكن الظروف التي يمر بها البلد لم تمكنهم من فعل أكثر مما فعلوه، إذ إن الأوضاع الأمنية والاقتصادية لها تأثيرها الواضح على الوضع عموماً، فلم يكن هناك مشاركات عربية كبيرة، فأغلب الدور المشاركة في المعرض هي موجود في بيروت بالأصل، ففي السابق كانت هناك دور من السعودية والكويت والإمارات والمغرب العربي تشارك في المعرض، وهذا ما لم يحدث هذا العام، فضلاً عن عدم دعوة مفكرين عرب بدعوات من دور النشر هذا العام، والسبب الرئيس تمثّل بالأوضاع الاقتصادية لدور النشر العربية واللبنانية على وجه الخصوص.
وفيما إذا كان كلام دور النشر عن انخفاض المبيعات أمراً واقعاً من خلال رؤية الهيئة المشرفة على المعرض، أوضح حمود أن هناك أسبابا كثيرة أدت إلى انحدار المبيعات هذا العام، فالكثير من دور النشر شاركت في المعرض دون أن تطبع كتباً جديدة، متسائلاً: الزائر ماذا يشتري إذا لم تكن هناك كتب جديدة؟ مضيفاً: في حين هناك مبيعات واضحة لدى الدور الفاعلة والتي لديها إصدارات جديدة، خصوصاً الدور التي عملت حفلات توقيع لكتبها الجديدة.
السبب الثاني والأهم أن معظم دور النشر العربية في تراجع مستمر، وقد لاحظنا أن الــــدور الكبيرة التي أخذت مساحات واسعة في المعرض لم تتمكن من جمع إيجار الأرض التي حجــــزوها، فضلاً عن أجور العاملين لديهم..
أما لماذا وصلت بعض الدور الكبيرة والمعروفة لدى القارئ العربي لهذا الوضع، فيقول حمود إن دور النشر لا تملك المال الآن، فلا أحد يقرأ، تراجعت مستويات القراءة إلى أدنى مستوياتها عربياً، ومن ثمَّ تراجع سعر الكتاب، وتراجع المؤلفون، فأغلب الدور تشترط على المؤلف تحمّل النسبة الأكبر من نفقات طباعة الكتاب، إلا نسبة قليلة من الكتب التي يضمن بيعها، ويرسم حمود خريطة لحل هذه الأزمة التي تمر بها دور النشر من خلال تحمّل الناشر الجزء الأكبر من الكتاب، ومن ثمَّ يأتي دور المؤلف، والأهم وجود الدولة التي يجب أن تدعم الكتاب، فعليها أن تعفي الناشر من الجمارك، وتعفي الورق من الضريبة، لكي يتحسن وضع الكتاب، فكل هذه التكاليف يدفعها القارئ في النهاية.. عندما تساهم الدولة في تسهيلات الطباعة سينخفض سعر الكتاب بالتأكيد، وبالتالي يبرز جمهور جديد من القراء يتمكنون من شراء الكتاب.
وعلى الرغم من حديث الناشرين ومدير معرض بيروت للكتاب عن تدني نسبة المبيعات وقلة زوار المعرض على مدى أسبوعين من إقامته، إلا أن معرض بيروت لا يمكن إلا أن يعد رائداً بعد تجاوزه هذا العام للدورة الستين، وهو ما يشكل خبرة كبيرة في تنظيم هذه الفعالية، إضافة إلى بقاء بيروت عاصمة للطباعة العربية، رغم انتشار الدور والمطابع في أغلب البلدان الأخرى.