في العام 2006 جاء وفد فرنسي من المفكرين والفنانين و المناضلين الى لبنان لعد انتهاء حرب تموز من أجل تهنئة المقاومة على انتصارها ضد “إسرائيل” و هم يحسبون انه الإنتصار الأول، خلال نقاشي معهم، أوضحت لهم انه الإنتصار الثاني و ان الأول كان عام 2000.
لماذا لم يرى المتابعون في فرنسا ان الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان في 25 أيار كان إنتصارا؟!
الإطلاع على مضامين وسائل الإعلام الفرنسية آنذاك يعطي الجواب، رئيسة تحرير الموقع الفرنسي ليلى مزبودي تتحدث عن الموضوع:
فيكيبيديا: لم تكن حربا
تناولت الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان في مقالة تحد عنوان ( الصراع في جنوب لبنان 1985-2000). بالنسبة لها الصراع بدأ منذ العام 1985. احسب ان حددت تاريخ 1985 عند انسحابها من كافة المناطق اللبناينة و استقرارها في الشريط الحدودي..
تقول ان الإجتياح كان يهدف الى القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية ولدعم الميليشيات المسيحية المارونية، وانها حققت اهدافها و لكنها ان الهجوم الإسرائيلي “فاقم خطورة الصراعات بين الميليشيات اللبنانية المحلية في لبنان بما فيها حزب الله و حركة امل، فاتخذت شكل حرب عصابات في الجنوب”.
تنسب صعود حزب الله كقوة عسكرية الى بداية التسعينات بدعم سوري و ايراني و انه احتكر العمل المسلح وتقول ان الإنسحاب كان وعدا انتخابيا لرئيس الوزراء الإسرائيلي ايهودا باراك. التزاما بالقرار 425.
تحدثت عن انهيار جيش لبنان الجنوبي التي تقول انه كان مكونا من مسيحيين وشيعة. تخلص الى ان الإنسحاب اعتبر غير كامل من قبل الحكومة كما من حزب الله و تذكر بأن السيد نصر الله طلب من الناس عدم الإنتقام من العملاء و ترك القضاء يأخذ مجراه و انه ايضا طلب من ذوي العملاء البريئين العودة الى لبنان.
ملاحظة: لا يوجد اشارة الى ان العمليات المقاومة اللبنانية انطلقت منذ 1982. لا يوجد كلمة عمليات المقاومة.
هناك حديث عام عن حزب الله و لكن من دون الإشارة الى عمليات المقاومة ولا الى عددها، تكتفي بالقول: “على مر السنين، ارتفعت الخسائر العسكرية من الجهتين، لأن الطرفين استعملا أسلحة أكثر حديثة. و حزب الله طور خططه التكتيكية”.
فيكيبيديا: “المقاومة”: الكلمة المحرمة
وفي الحديث عن عمليات المقاومة في مقالة أخرى ل (فيكيبيديا) تحت عنوان ( الإحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان) تكتب :”على مر السنين تكاثرت المجموعات المناضلة اللبنانية التي يقودها حزب الله. و اصبح سلوك الطرقات خطيرا و بقيت قوات تساحال في معسكراتها بدل ان تكون على الطرقات. و حزب الله بذل جهوده من اجل الهجوم على المعسكرات”.
هنا أيضا لا يوجد كلمة المقاومة.
من اللافت في هذه المقالة ، بعد الحديث عن حربي 1993 و 1996، و خطف الشيخ الشيخ عبد الكريم عبيد، و اغتيال السيد عباس الموسوي، اللافت نقلها ان اسرائيل لم تعترف بأنها حرب ، بل كانت تعتبر البقاء في المنطقة الحدودية بأنه ( صراع منخفض الشدة) وانها لم تعترف بأنها حرب الا في عام 2020، و قدمتها بالتوصيف التالي: ( حملة المنطقة الأمنية في لبنان).
تحدث الموقع عن 256 قتيل اسرائيلي ما بين 1985 و 2000. من دون احتساب قتلى العمليات السابقة علما ان عملية الشهيد أحمد قصير لوحدها حصدت 100 قتيل لوحدها.
عن بداية العام 2000، مقالة (فيكيبيديا) ارتأت ان تنقل تصريح رئيس اركان العدو آنذاك شاوول موفاز الذي قال ان “العام 1999 كان العام الأكثر نجاحا لتساحال في لبنان” اذ لم يسجل سوى 11 قتيلا الأدنى في كل الصراع. علما انه في هذا العام تلقى الجيش الإسرائيلي أكثر ضربة مؤلمة عندما تم اغتيال قائد وحدة الإتصال مع لبنان ( غيرشتاين).
واضح محاولة التخفيف من الخسائر الإسرائيلية تماشيا مع الرواية الإسرائيلية و عدم اظهار الخسارة او الهزيمة الاسرائيلية ولا الى انتصار حزب الله ولبنان.
تناول خجول لقرار تسريع الإنسحاب الذي كان محددا في تموز- يوليو بينما تم تنفيذه في ايار، وربطه بانهيار الميليشا اللحدية.
كل التركيز انصب ان الهزيمة كان لجبس لبنان الجنوبي، جيش العملاء اللحدي. وهو ملموس حتى في مقالات الصحف التي استطعن الإطلاع عليها على الأنترنت.
اعلام فرنسي: هزيمة الجيش اللحدي وليس الإسرائيلي!
صحيفة (لو نوفل ابس) في 23 ايار 2000، ركزت ايضا على “انهيار جيش الجنوبي. وهروب 1600 عنصرا و عائلاتهم الى اسرائيل”.
صحيفة ليبيراسيون ايضا عنونت ذلك في 23 ايار: “هزيمة جيش جنوب لبنان. إسرائيل تدرس الانسحاب المبكر من المنطقة “الأمنية”.
لوموند: انتصار لحزب الله و لكن بعيدا عن العنوان
لوموند 25 ايار: عنونت: ” الجيش الإسرائيلي ينهي انسحابه من لبنان”
الأفكار الرئيسة للمقالة كانت:
-ان الانسحاب كان متسرعا
-تحدثت عن اخفاق جيش لبنان الجنوبي سرّع هذا الإنسحاب واشارت الى ان هذا الإنسحاب كان مطلبا شعبيا في اسرائيل: “ماما نحن تركنا لبنان” ، نقلت عنوان ال يديعوت احرونوت: “عدنا الى المنزل- الحفلة” نقلت عن معاريف.
-ولكنها اعتبرت ان “الانسحاب المتسرع الذي كان مخططا له في تموز كرس انتصار حزب الله الذي كان وجه ضربات قاسية للقوات المحتلة”. هذه الإستنتاج لم يرق ليكون عنوانا. الأمر الذي يظهر الحدود التحريرية منذ ذلك الوقت.
و أنهت صحيفة لوموند نقلا عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اعلن في خطاب النصر في 26 ايار: “هو يوم انتصار تاريخي. الأول منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي. انتهى زمن الهزائم و بدأ زمن الإنتصارات. بينما للصهاينة انتهى زمن الانتصارات الوهمية و بدأ زمن الهزائم”.
كذلك في هذه المقالة وكل المقالات الأخريات لا يوجد كلمة مقاومة.
لوموند ديبلوماتيك: مقاومة مثابرة
ربما كانت الصحيفة الفرنسية الوحيدة التي لفظت كلمة مقاومة هي (لوموند ديبلوماتيك) الشهرية:”مقاومة مثابرة في جنوب لبنان”عنوان مقالة لها في تشرين الثاني-نوفبر 1999.
و لكنها في عددها في حزيران-يونيو 2000، اكتفت بهذا العنوان المانشيت على صفحتها الأولى لرئيس تحريرها آنذاك ( اينياسيو رامونيه): ( الشرق-الأدنى، الأمل)، قائلة ان “الإنسحاب المتسرع لجيش الإحتلال و التخلي غير المشرف عن معاونيه من جيش لبنان الجنوبي فسر من قبل حزب الله الميليشييا الشيعية و جزء من الرأي العام العربي بأنه نصر عسكري كبير، الأول منذ نصف قرن من المواجهات الإسرائيلية-العربية”.
آخر من اجتاز الحدود… وآخر من يعلم
من المعلومات التي لفتت انتباهي ان (بني غانتس) الذي نعرفه كرئيس هيئة الأركان العشرين، و مؤسس حزب (حوسين لإسرائيل) والذي يعني ( صمود اسرائيل) وهو حاليا وزير في جكومة الحرب الإسرائيلية كان قد كرر على مسامع وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه كان آخر من خرج من لبنان “آخر من اجتاز الحدود”، كما انه اعترف بأنه فشل في مهمته في الجنوب حيث تم تسليمه مكان (غيرشتاين).
نقلت صحيفة هآرتس ان المسؤولين كانوا يدافعون عنه عام 2019 قائلين انه: “لا يمكن ان يُلام لكارثة كانت تختمر منذ عدة سنوات” كما نقلت الصحيفة اللبنانية الفرانكوفونية ( لوريان لو جور). المسؤولون الإسرائيليون يعرفون انها “كارثة تختمر”. الصحافة الإسرائيلية ايضا، اما الإعلام الفرنسي فهو آخر من يعلم…