في 11 ايار الماضي، حصلت المسابقة السنوية للأغنية الأوروبية Eurovision في المدينة السويدية ( مالمو)، وهي المسابقة التي تنظم منذ العام 1956 وتعتبر أهم حدث غير رياضي من حيث عدد المشاهدين اذ يقدر عدد المشاهدين ما بين 100 مليون و 600 مليون حول العالم منذ ان بدأت البث عبر الأنترنت.
بحسب فيكيبيديا، شارك الكيان الصهيوني في هذه المسابقة ابتداء من العام 1973. كان اول من انضم من خارج اوروبا. هي سياسة التعويض عن رفضه في البيئة التي زرع فيها في العالم العربي. طالما تمارسها الأنظمة الغربية. في مجالات متنوعة.
وقد فاز 4 مرات فيها .
خلال اغلبية الحفلات التي شارك فيها المغنيون الإسرائيليون، كانوا ينشدون في الأغلب بالإنكليزية، رغم انه يحق لهم باللغة العبرية. و لكن اختيار اللغة الإنكليزية يعزز فرص الفوز.
استعمال الكيان للفن و استمالة الجو الفني كما الرياضي هي من الإستراتيجيات الأساسية للهاسباراه، المعنية بالبروباغندا الإسرائيلية في العالم خاصة الغربي. والفوز في مسابقة كهذه من الأهداف الإستراتيجة ايضا.
الا ان مشاركة الإسرائيلي خلال احتفال هذا العام الثامن والستين (68) لم يكن بهذه السهولة. في كل المراحل واجه الكيان الصهيوني محاولات حثيثة لعدم استثماره لهذه المنصة لصالحه بينما هو عمل على منع اي تعبير مؤيد لفلسطين خلالها:
عن اهمية هذا الحفل تتحدث رئيسة تحرير الموقع الفرنسي في المنار الزميلة ليلى مزبودي:
65 جهة اوروبية عارضت المشاركة الإسرائيلية
في المرحلة الأولى اي في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، 65 جهة الاوروبية فنية و حقوق انسانية و من حملة المقاطعة BDS حاولت منع مشاركة اسرائيل في مسابقة هذا العام للإعتراض على الحرب الإبادة ضد الفلسطينيين في غزة. حصلت مظاهرات في النروج والسويد والدانمارك.
آخر مظاهرة حصلت عشية النهائيات، في مدينة مالمو حيث الحفل ، هي المدينة حيث يعيش أكبر مجموعة من اصول فلسطينية في السويد، شارك فيها 120 الف شخص من بينهم المناضلة من اجل البيئة المشهورة عالميا ( Greta Thunberg) .
و لكن بعض الإعلام حاول تحجيم هذا التحرك عبر الحديث عن الفين مشارك، والقول ان 100 الف شخص جاؤوا من 90 دولة الى مالمو لحضوره كما كتبت ( نقلا عن لو نوفل اوبسLe nouvel Obs ).
9 دول لم تشارك في المسابقة من بين ال 35
بحسب موقع التلفزيون الفرنسي BFMTV ، الجهة المنظمة و المشرفة على هذا الحفل و هي ( الإتحاد الأوروبي للإذاعة والتلفزيون) والذي يضم كل المؤسسات الرسمية للإذاعة والتلفزيون في اوروبا رفضت منع اسرائيل بذريعة “ان هذا الحدث غير سياسي”.
رغم انها منعت روسيا المشاركة فيه عام 2022، بسبب حربها على اوكرانيا.
هو دوما الكيل بمكيالين.
الإعلان الذي نشره هذا الإتحاد على انستاغرام منذ كانون الأول الماضي وضع الكيان بين ال 37 دولة المشاركة. ولكن فقط 26 دولة شاركت هذا العام. لم يوضح الإعلام الفرنسي من هي الدول التي امتعنت وما هي الاسباب. يبدو ان هناك سياسة التعمية على محاولات البعض المقاطعة على خلفية الحرب على غزة.
و لكنه بالمقابل غطى ان منظمات مقاطعة اسرائيل حاولت اقناع الدول الأوروبية ان تقاطع الحفل اذا شاركت فيه اسرائيل. مع التلميح بأنها فشلت في ذلك.
تحدث عن جمعيات للفنانين في ( ايسلندا) و 1400 فنان في (فنلندا) و 400 فنان في (ايرلندا) طالبت دولها عدم المشاركة او او طلبت من المغنين المرشحين عدم المشاركة.
الأغنية الإسرائيلية عن قتلى 7 اكتوبر
في المرحلة الثانية، مرحلة تقييم الأغاني، حاول الكيان ان يمرر أغنيته بنصين، تحدثت عن عملية ( طوفان الأقصى) رغم ان المضامين السياسية ممنوعة. الاغنية الاولى تحت عنوان (شتاء اوكتوبر) والثانية ( ارقص دائما) . في البداية، رفض منظمو الحفل الأغنيتين.
تدخلت الحكومة الإسرائيلية عبر الرئيس و وزير الخارجية ووزير الثقافة وهددت بأن اسرائيل لن تشارك اذا لم يتم اختيار احدى هاتين الأغنيتين.
بعد هذا التهديد، تلقت المغنية الإسرائيلية المرشحة (ايدن غولان) تهديدا بالقتل على حسابها على انستاغرام. و مباشرة بعد ذلك، منظمو الحفل اعادوا التقييم ووافقوا على الأغنية.
وكأن التهديد بالقتل المزعوم هو الذي اقنعها بضرورة مشاركتها. الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن مصدر هذا التهديد والذي لم تتم متابعة من اجل معرفة مصدره…
دوما هناك حدث أمني مزور pseudo sécuritaire يحصل من اجر تمرير امور بالقوة لصالح الكيان.
تم اختيار ( شتاء اكتوبر) و لكن مع تغيير العنوان الذي اصبح Hurricane الذي يعني الإعصار الإستوائي العاصف. كما تم تغيير بعض كلمات الأغنية لكي تصبح غير سياسية بحيث لا تشير بشكل فاضح الى قتلى السابع من اكتوبر.
استنفار مؤيدي “اسرائيل” من أجل الفوز
في المرحلة الثالثة، و هي مرحلة انطلاق التصفيات تحضيرا للنهائيات. بدا ان الإسرائيلي استنفر مؤيديه في اوروبا حتى تصل الأغنية الإسرائيلية الى النهائيات.
ووبما انها لم تحصل الا على 52 نقطة من الهيئة الحاكمة التي يعود اليها تحديد نصف التقييم بينما يعود النصف الآخر الى الجمهور، حصل التعويض من 15 دولة اوروبية من بينها فرنسا منحتها 323 نقطة فوصلت الى المرتبة الخامسة.
في فرنسا، شخصيات فرنسية استنفرت من اجل دعم ترشيح هذه الأغنية من بينها الصهيوني ( برنار هنري ليفي) كما رئيسة البرلمان الفرنسي ( Yaël Braun-Pivet) وغيرهما.
الرسالة الوحيدة : الكوفية على المعصم
في حفل النصف النهائي، جرت محاولة صد اي تعبير مؤيد لفلسطين خلال الحفل. منعت الاعلام غير اعلام الدول المشاركة.
من اللافت انه سمح للفنان السويدي من اب فلسطيني ( ايريك سعادة) والذي كان مثل السويد عام 2011 ان يفتتح هذا الحفل ما قبل الأخير. ربما كانت محاولة شكلية للترضية. استطاع فقط ان يضع كوفية ربط بها معصمه. منظمو الحفل اسفوا لذلك. فرد عليهم ايريك “ان الكوفية هي رمز ثقافي”. كان ارسل رسالة الى الاتحاد الاوروبي للاذاعات والتلفزيونات لمنع مشاركة “اسرائيل”. ( موقع MEE في نشرته الفرنسية) .
تغطية الوجه…فالطرد
ولكن الذي حصل مع المغني الهولندي Joost Klein كان الاقسى. ربما لانه اوروبي الجذور. فقد تم طرده من المسابقة عشية حفل النهائيات. كان ( كلاين) المفضل لدى ( الاوروفيزيون) و المرشح بالفوز.
في الصحف الفرنسية و غيرها هناك اربع روايات لسبب طرده. كلها تشير الى انها غير واضحة.
من الواضح ان هناك لعبة خبيثة ما من أجل منع هذا المغني من الفوز. لأنه من أشد المعترضين على مشاركة اسرائيل في الحفل وقد غطى وجهه بعلم بلاده خلال مباريات النصف نهائية لأنه رفض ان يكون الى جانب المغنية الإسرائيلية. ( صحيفة لو سوار الفرنسية Le Soir ).
ومن الواضح هنا ايضا ان الإعلام حاول اخفاء السبب الحقيقي وراء هذا القرار. وان اسرائيل هي وراءه.
الدولة الإسرائيلية تدمر حرية الصحافة
الأمر لم ينطل على الحكومة الهولندية: اعتبرته “قاسيا و غير متناسب”.
الا ان الرد الأقوى جاء من نقابة التلفزيون البلجيكي VRT التي انتقمت بطريقة جريئة: خلال نقل حفل النصف نهائي، قطعت البث و بثت رسالة مفادها:
“ندين انتهاكات حقوق الإنسان من قبل دولة اسرائيل. الدولة الإسرائيلية تدمر حرية الصحافة.لهذا السبب اوقفنا البث قليلا. وقف اطلق النار الآن. وقف الابادة الآن “. ( الموقع البلجيكي La voix du nord).
وخلال الحفل النهائي ، 7 من المشاركين الذين وصلوا الى النهائيات طالبوا بوقف اطلاق النار في غزة.( Le nouvelobs لو نوفل اوبس) و في نهاية المطاف لم تفز المغنية الاسرائيلية …
رئيس وزراء العدو بنيامين نتياهو الذي يبحث عن انتصار كالذي يبحث عن ابرة في كومة قش أصر “بأنها فازت” بمجرد انها وصلت الى النصف النهائي بعد “مواجهة مع موجة رهيبة من معاداة السامية”. كما نقلت عنه ( Le nouvelobs لو نوفل اوبس)
وحشية “اسرائيل” و خداعها. والغرب المريض
السؤال الذي يبق وقد لا يعنينا الا بشيء واحد: من الذي فاز؟
فاز المغني السويسري اسمه نامو. ظهر في الحفل مرتديا تنورة و (ديكولتيه) و في كامل تبرجه. الا ان كلمات اغنيته عبرت عن ” الصحة النفسية للعديد من الفنانين الذين يشعرون انهم لا يشعرون بأنهم بحالة جيدة وبأنهم يناضلون من اجل هويتهم”، اي هويتهم الجندرية.
هل اغنيته دعوى لصالح هذا التلاعب الجندري؟ لا يعنينا. ما يعنينا انها تعكس الحالة الحقيقية لهذا الغرب: انه مريض.
حرب غزة تكشف امام العالم الصورة الحقيقية للكيان الصهيوني بوجهيه: النزعة الإلغائية التدميرية الوحشية والدموية في غزة، كما اساليبه الخبيثة والمخادعة والمتلاعبة والإبتزاز في الغرب. وهما ركنان اساسيان اصيلان في قيام هذا الكيان الغاصب
الا انها كشفت أيضا ان بعض الغرب يصدح صوته عاليا و بشتى الوسائل التي لا تخطر على بال أحد من اجل الدفاع عن فلسطين. و هو يثابر منذ ثمانية أشهر.
وان البعض الآخر مريض… و باعترافه… وهذا البعض هو الذي يدعم “اسرائيل” .
المصدر: موقع المنار