خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 15-3-2024 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 15-3-2024

الشيخ دعموش

الصبر في مواجهة التحديات
الشيخ دعموش: المقاومة ما تزال تُمسك بالميدان وتُقاتل بقوة.
رأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش أن “أهل ‏غزة ما يزالون يحتضنون المقاومة على الرغم من كل المجازر والدمار والتضحيات والخسائر ‏والحصار والجوع”، مشيرًا إلى أنّ “كل محاولات تأليبهم على المقاومة، من خلال الضغط ‏بالمجازر وحرب التجويع، لن تنال من ثبات وصلابة وصمود وتماسك الموقف في غزة‎”.
وفي خطبة الجمعة التي ألقاها في مجمع السيدة زينب (ع) في الضاحية الجنوبية لبيروت، قال سماحته إن “المقاومة حاولت أن تناقش ‏في مقترح الهدنة المؤقتة التي تؤدي إلى إدخال المساعدات الى غزة وتحسين أوضاع الناس، إلا أنها جوبهت بالتعنت الصهيو – ‏أميركي، وتعرضت لضغوط كبيرة لتقديم تنازلات والتخلي عن شروطها، لكنها لم ترضخ للعدو ولم تتنازل وتمسّكت بشروطها ‏وهي تقابل العدو الند للند”‎.‎
وشدّد على أنّ “المقاومة ما تزال تُمسك بالميدان وتُقاتل بقوة، وإذا كان العدو يُراهن على صراخها أولًا فهو واهم، ‏لأنّ قدرة المقاومة على الصمود والثبات أكبر بكثير من قدرة العدو على مواصلة الحرب‎”.
وأكّد سماحته أنّ ” العدو الإسرائيلي لن يحصل على صورة النصر التي يُريدها في غزة، وهو في لبنان بموقع الضعف مهما تمادى ‏في عدوانه، وليس في موقع من يفرض شروطه على المقاومة”، لافتًا إلى أنّ “العناد والمكابرة والإصرار على مواصلة الحرب لن ‏تنفعه ولن تمنحه النصر الذي يُمني نفسه به‎.”‎

نص الخطبة
يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ).
يستفاد من بعض الروايات ان هذه الآية نزلت في أجواء معركة بدر، وربما يكون الهدف منها تهيئة الجو النفسي والاجتماعي لتحمل الصعاب والشدائد والتداعيات الناتجة من الحرب.
وعلى اي حال، فان هذه الآية تطرح مبدأين اساسيين، وقوتين هامتين، للتغلب على الصعاب ومواجهة التحديات:
الأول: الاعتماد على الله، ومظهره الصلاة، والآخر: الاعتماد على النفس، وهو الذي عبرت عنه الآية بالصبر.
فيا أيها الذين آمنوا استعينوا على مواجهة المشاكل والشدائد والازمات بهاتين القوتين، بالصبر والصلاة، فانكم إذا واجهتم التحديات والصعاب بهاتين القوتين فالنصر سيكون حليفكم، لإن الله مع الصابرين.
وفي بعض الروايات فسّرت كلمة (الصبر) بالصوم باعتبار ان الصوم يمنح الإنسان قدرة اكبر على الصبر والتحمل، لأن الصائم يصبر عن الطعام والشراب والشهوات فتنمو إرادته ويزداد عزماً وثباتا ومقاومة وقوة على مواجهة المصاعب والازمات.
لكن كلمة الصبر في الآية لا تنحصر حتما بالصوم، بل الصوم هو أحد المصاديق الواضحة البارزة للصبر، لأن الإنسان يحصل في ظل هذه العبادة على الإرادة القوية والإيمان الراسخ والقدرة على التحكم في الميول والرغبات والغرائز.
قال بعض المفسرين في تفسير هذه الآية: (أن النبي (ص) كان إذا أحزنه أمر استعان بالصلاة والصوم). فتفسير الصبر بالصوم هو من قبيل التفسير بالمصداق.
وخلافا لما قد يتصور بعض الناس، الصبر لا يعني الاستسلام او الانهزام امام الضغوط والاحداث المختلفة ولا التراجع او الخوف ولا التنازل للعدو ، ولا يعبر عن حالة سلبية لدى الانسان ولا عن ضعف في ارادة الانسان، بل الصبر يعبرعن قوة الارادة لدى الانسان، والصابر هو انسان يملك قوة الارادة التي تجعله يقاوم ويثبت ويصمد أمام الاعداء والضغوط والاحداث والالام والمصائب التي تواجهه في هذه الحياة.
الصبر يعني المقاومة والثبات أمام جميع المشاكل والتحديات التي تمر في حياة الانسان.
الصبر هو حالة الصمود والاستقامة والثبات في مواجهة العدوان والحصار والتجويع والتهجير والظلم.
والصبر بهذا المعنى هو في الحقيقة أساس كل نجاح وفلاح وسبب كل انتصار.
قال علماء الأخلاق إن الصبر على ثلاث شعب:
الصبر على الطاعة: أي المقاومة أمام المشاكل التي قد تصرف الانسان عن الطاعة.
الصبر على المعصية: أي الثبات أمام ضغوط الشهوات والاهواء والمصالح التي تؤدي الى ارتكاب المعصية.
الصبر على المصيبة: أي الصمود أمام الحوادث الصعبة والمرة وعدم الانهيار وترك الجزع والفزع.
هناك حث كبير على الصبر في القرآن الكريم، وقلما كرر القرآن موضوعا وأكد عليه كموضوع ” الصبر “، فقد تحدث القران الكريم في سبعين موضعا عن الصبر، معظمها في موارد الجهاد والقتال ومواجهة تداعيات الحرب والمواجهة مع الاعداء .
تحدث عن الصبر على طريق الجهاد والمقاومة، والصبر على الكيد والتآمر، والصبر على التضحيات وتقديم الشهداء، والصبر على بطء النصر ، والصبر على قلة الناصر وكثرة العدو.
وهذا ما أكدته آيات الصبر في موارد الجهاد :
قال الله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ آل عمران / 146.
(وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا)
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشّرِ الصّابِرينَ ، الّذِينَ إذا أصَابَتَهُم مُصِيَبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وَإنّا إلَيهِ راجِعُونَ ، أُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌ مِن رّبِهِم وَرَحمَةٌ وَأولئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ} سورة البقرة: 155 – 157.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة آل عمران: 200.
(وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
(بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ).
(الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُم وَعَلِمَ أَنَّ فيكُم ضَعفًا فَإِن يَكُن مِنكُم مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغلِبوا مِائَتَينِ وَإِن يَكُن مِنكُم أَلفٌ يَغلِبوا أَلفَينِ بِإِذنِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ مَعَ الصابرين) .
الى غير ذلك من آيات كثيرة تحدث عن موارد الصبر في مواقع الجهاد والقتال والمقاومة.
تاريخ الانبياء والاولياء والعظماء يؤكد أن أحد أهم عوامل انتصارهم هو صبرهم واستقامتهم. ومن يفقد هذه الصفة سرعان ما ينهار ويستسلم وينهزم.
من هنا طرح القرآن هذا الموضوع بعبارات مؤكدة كقوله تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب
وفي موضع آخر يقول سبحانه بعد أن ذكر الصبر أمام الحوادث: إن ذلك من عزم الأمور.
ومن خصائص الصبر، أن بقية الفضائل والقيم لا يكون لها قيمة بدونه، لأن السند والرصيد الاساسي للفضائل والقيم هو الصبر، لذلك يقول أمير المؤمنين علي (ع): ” وعليكم بالصبر، فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه ” .
الآية التي نتحدث عنها تؤكد لكل المؤمنين، وخاصة للذين يحيط بهم الاعداء ويواجهون العدوان والقتل والمجازر والحصار والتهجير والتجويع والظروف الصعبة والقاسية، أنه لا خيار امامكم عند انسداد الافق واستحكام الضغوط سوى المقاومة والصمود والثبات والاحتساب والاستعانة بالصبر أمام الاحداث القاسية والمرة، والاعتماد على النفس والثقة بالذات في ظل الإيمان بالله. وتاريخ الإسلام ومواجهات صدر الاسلام كلها تشهد بوضوح أن هذا الأصل كان أساس كل الانتصارات.
والموضوع الآخر الذي أكدت عليه الآية باعتباره السند الهام إلى جانب الصبر هو “الصلاة ” التي تعني التوجه الى الله عند الشدائد والمحن والمآسي والاحزان، والاعتماد على الله واستمداد القوة من الله، باعتبار ان الله هو السند القوي الجبار الذي يمكن الاعتماد عليه عند مواجهة الضغوط والصعاب والمحن ، فالإنسان حين يرى نفسه أمام عواصف المشاكل الصعبة والمضنية، ويحس بضعفه في مواجهتها، يحتاج إلى سند قوي يرتبط به ويعتمد عليه، والصلاة والدعاء والمناجاة تحقق الارتباط بهذا السند، وتخلق الطمأنينة والراحة والهدوء والاستقرار التي نحتاجها لمواجهة التحديات.
الإمام الصادق (ع)يقول: كان علي (ع) إذا هاله شيء فزع إلى الصلاة، ثم تلا هذه الآية: (واستعينوا بالصبر والصلاة).
والاستعانة بالصلاة اساسها التوكل على الله تعالى لانه القادر على كل شيء، فاذا اخلص الانسان قلبه لربه ووثق به وتوكل عليه فهو حسبه وهو يكفيه، كما قال تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) وقال ايضا: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).
وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنه قال: ” ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من غموم الدنيا أن يتوضأ ثم يدخل المسجد فيركع ركعتين يدعو الله فيهما، أما سمعت الله تعالى يقول: واستعينوا بالصبر والصلاة ” .
التوجه إلى الصلاة والتضرع إلى الله سبحانه والمناجاة والدعاء والتوسل يمنح الإنسان طاقة وقوة تجعله قادرا على مواجهة المشاكل.
نعم، الصلاة تربط الإنسان بالقدرة اللامتناهية التي لا يقهرها شئ ولا يضعفها شيء ولا يهزمها شيء. وهذا الإحساس يبعث في الإنسان قوة وعزما على تحدي الازمات والاحزان.
اليوم نحن بحاجة إلى التحلي بالصبر والثبات واللجوء إلى الصلآة والدعآء لفتح ابواب الفرج والأمل وتحقيق النصر على العدو.
اليوم رغم كل المجازر والدمار والتضحيات والخسائر والحصار والجوع، ما زال أهل ‏غزة يحتضنون المقاومة، وكل محاولات تأليبهم على المقاومة من خلال الضغط بالمجازر وحرب التجويع لن تنال من ثبات وصلابة وصمود وتماسك الموقف في غزة.
المقاومة حاولت خلال الايام الماضية نقاش مقترح الهدنة المؤقتة التي تؤدي الى ادخال المساعدات الى غزة وتحسين اوضاع الناس، الا انها جوبهت بالتعنت الصهيوني الامريكي، وتعرضت لضغوط كبيرة لتقديم تنازلات والتخلي عن شروطها، الا انها لم ترضخ للعدو ولم تتنازل وتمسكت بشروطها وهي تقابل العدو الند للند .
المقاومة لا زالت تمسك بالميدان وتقاتل بقوة، واذا كان العدو يراهن على صراخها اولا فهو واهم، لان قدرة المقاومة على الصمود والثبات اكبر بكثير من قدرة العدو على مواصلة الحرب.
العدو الاسرائيلي لن يحصل على صورة النصر التي يريدها في غزة وهو في لبنان في موقع الضعف مهما تمادى في عدوانه، وليس في موقع من يفرض شروطه على المقاومة، والعناد والمكابرة والإصرار على مواصلة الحرب لن تنفعه ولن تمنحه النصر الذي يمني نفسه به.