نص الخطبة
نبارك لكم جميعا قرب حلول اشهر النور، فقد فضّل الله سبحانه وتعالى بعض الأيام والليالي والشهور على بعض، حسبما اقتضته إرادته ومشيئته وحكمته ؛ وذلك من أجل أن يجدّ الناس فيها بالعبادة والطاعة ووجوه الخير والبر والاحسان، ويكثروا فيها من الأعمال الصالحة، حيث إن أبواب الاستجابة والرحمة وقبول الاعمال فيها مفتحة، مما يشكل فرصة أمام الجميع لنيل رضا الله ورضوانه ورحمته وثوابه.
وفي مقدمة الشهور الجليلة والعظيمة التي فضلها الله على غيرها من الشهور، هي أشهر النور: رجب، وشعبان، وشهر رمضان، فرجب هو أول هذه الشهور، وهو الشهر السابع من شهور السنة الهجرية، وهو من الأشهر الحرم إلى جانب ذي القعدة، وذي الحجّة، ومحرّم.
وسرّ تسمية هذا الشهر برجب، هو أن العرب كانت تعظمه في الجاهلية، وتتهيب منه، وتمتنع فيه عن القتال فيه؛ لأنه من الأشهر الحرم في الجاهلية والإسلام، فقد كانوا يرجبونه، يعني يعظمونه.
وسمي الأصمّ؛ لأنه كان لا يسمع فيه قرقعة السلاح او قعقعة سلاح، ولا حركة قتال ولا صوت معارك، ولم يكن احد يُبادر فيه للإنتقام أو أخذ الثأر من احد حتى من قاتل اخيه او ابيه؛ لأنه من الأشهر الحرم ، التي كانوا يعظمونها في الجاهلية وكانوا يعظمونها ايضا في الاسلام، وتمت الاشارة اليها في القرآن في قوله تعالى: : ﴿إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ إثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السّماواتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ وهي: محرم ورجب وذو القعدة وذو الحجةكما ذكرنا.
وسمي الأصبّ؛ وقد ورد ان النبي(ص) قال في سبب تسميته بالأصَبَّ؛ ِ(لأنَّ الرّحمةَ تُصَبُّ عَلَی اُمَّتی فیهِ صَبّاً).
وقد أكّدت الروايات على فضل شهر رجب وعلو قدره وعظمته، فعن رسول الله (ص” :(انّ رجب شهر الله العظيم لا يقاربه شهر من الشّهور حرمةً وفضلاً.. ألا انّ رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر اُمّتي..
وعنه (ص) أنّه قال:”رجب شهرُ اللهِ الأصبّ، يصبُّ اللهُ فيه الرّحمةَ على عبادِهِ”.
وبذلك، فان المسلمين في هذا الشهر المبارك يعيشون آفاق الرّحمة الالهية، لتنعكس على أخلاقهم وسلوكهم وواقعهم الاجتماعي والسياسي والأمني، ولتكونَ أيّامُهُ ولياليه فرصةً للعودة إلى الله واللجوء اليه، ليعيننا على مواجهة تحديات الحياة وبلاءاتها ، وليساعدنا كي نتخفُّفِ من كلِّ حقدٍ وبغضاء وعصبيّة وضغينة وكراهية قد يحملها اواحد اتجاه احد احد افراد اسرته او اتجاه اقربائه او اصدقائه او جيرانه الخ
كما ان الروايات أكدت في جانب آخر، على فضل بعض الاعمال في هذا الشهر مما ينبغي القيام به، لنيل الثواب والأجر والكرامة عند الله سبحانه وتعالى، ومن هذه الاعمال:
1-أعمال ليلة الرغائب: وهي ليلة الجمعة الأولى من هذا الشهر، ومعناها ليلة العطاء الكثير، حيث إن لهذه الليلة المباركة منزلة كبيرة عند الله، وفيها يتضاعف الأجر والثواب لمن صام نهارها وقام ليلها وأحياها بالصلاة والدعاء والعبادة والعمل الصالح، وفي هذه الليلة يبلغ الصائمون والمستغفرون حاجاتهم وتتحقق رغباتهم، و لهذا فان الملائكة تُسميها ليلة الرغائب.
فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله) : ” … لَا تَغْفُلُوا عَنْ لَيْلَةِ أَوَّلِ جُمُعَةٍ مِنْهُ ـ أي من شهر رجب ـ فَإِنَّهَا لَيْلَةٌ تُسَمِّيهَا الْمَلَائِكَةُ لَيْلَةَ الرَّغَائِبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ لَا يَبْقَى مَلَكٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا وَيَجْتَمِعُونَ فِي الْكَعْبَةِ وَحَوَالَيْهَا، وَيَطَّلِعُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُ لَهُمْ: يَا مَلَائِكَتِي سَلُونِي مَا شِئْتُمْ ؟
فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا حَاجَتُنَا إِلَيْكَ أَنْ تَغْفِرَ لِصُوَّامِ رَجَبٍ.
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ”.
ولهذه الليلة أعمال خاصّة وردت في الروايات،ويمكن التعرف عليها أكثر من خلال كتب الادعية.
2-الصيام فيه:فان لصوم شهر رجب فضل كبير، عبّرت عنه الروايات الكثيرة الواردة عن رسول الله(ص) واهل بيته المعصومين(ع).
فعن رسول الله (ص): ألا فمن صام من رجب يوماً استوجب رضوان الله الاكبر، وابتعد عنه غضب الله، واغلق عنه باب من أبواب النّار.
وعنه (ص) : رجب شهر الله وشعبان شهري وشهر رمضان شهر أمّتي، فمن صام يوم منه استوجب رضوان الله الأكبر .
وعنه قال: إن في الجنة نهراً يقال له رجب ماؤه أشد بياضاً من الثلج وأحلى من العسل، من صام يوماً من رجب شرب منه.
وعن الإمام الصادق قال: لا تدع صيام يوم سبعة وعشرين من رجب فإنه اليوم الذي نزلت فيه النبوة على محمد وثوابه مثل ستين شهراً لكم.
وعن الإمام الكاظم (ع) قال:رجب نهر في الجنة أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، من صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر.
وعنه(ع): رجب شهر عظيم، يُضاعف الله فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات، ومن صام يوماً من رجب تباعدت عنه النار مسيرة سنة، ومن صام ثلاثة أيام وجبت له الجنة.
3-الدّعاء:وأدعية شهر رجب كثيرة، ومنها أن يدعو المسلم في كلّ يوم صباحاً ومساءً، وفي أعقاب الصّلوات:
“يا من أرجوه لكلِّ خير، وآمن سخطه عند كلِّ شرّ، يا من يعطي الكثير بالقليل، يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه، تحنّناً منه ورحمة، أعطني بمسألتي إيّاك جميع الدّنيا وجميع خير الآخرة، واصرف عني بمسألتي إيّاك جميع شرّ الدّنيا وشرّ الآخرة، فإنّه غير منقوصٍ ما أعطيت، وزدني من فضلك يا كريم. يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا النّعماء والجود، يا ذا المنّ والطّول، حرّم شيبتي على النّار”.وهو من الادعية المعروفة والمشهورة.
وهناك العديد من الادعية الواردة عن ائمة اهل البيت في هذا الشهرالمبارك يجده الراغب في كتب الادعية.
كما يستحب في هذا الشهر الدعاء بدعاء أمّ داوود وهو مذكور في كتب الادعية ويمكن الرجوع اليه، و أم داود هي مرضعة الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
وقد عانت كثيراً بسبب سجن ابنها داود فعلمها الامام (عليه السلام) دعاءً و صلاةً عُرف فيما بعد بعمل أو أعمال أم داود نسبة اليها، وعندما واظبت على الدعاء والصلاة الخاصة اجبرت السلطة الجائرة على اطلاق سراح ابنها من السجن وفرج الله عنها وعنه ،وقصتها معروفة يمكن الاطلاع عليها من كتب التاريخ والحديث.
4-الاستغفار: فقد ورد عن النبيّ(ص): “من قال في رجب: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأتوب إليه، مائة مرّة، وختمها بالصّدقة، ختم الله له بالرّحمة والمغفرة، ومن قالها أربعمائة مرّة، كتب الله له أجر مائة شهيد”.
ويمكن للانسان ان يستغفر الله بكل اشكال الاستغفار وليس بالضرورة وفق الكيفية المذكورة، وحقيقة الاستغفار هو ان يشعر الانسان بحضور الله في حياته وان الله يشاهده ويراقبه ويتابعه في كل قول وفعل وتصرف وموقف وفي كل خطواته في الحياة ، وعندما يستغفر الانسان ربه ويشعر برقابة الله عليه يخجل من معصية الله وارتكاب الحرام وممارسة السوء ويعود الى الله ليفتح معه صفحة جديدة.
5-الصّلاة:منها ما ورد عن النبيّ(ص): “إنّ من صلّى في ليلة من ليالي رجب عشر ركعات، يقرأ في كلّ ركعة الحمد، و(قل يا أيها الكافرون) مرّة، والتوحيد ثلاث مرات، غفر الله له ما اقترفه من الإثم”.
6-العمرة: وروي أنّ أفضل العمرة عمرة رجب، وأنها تالية الحجّ في الثّواب.
7-ومن الأعمال الأخرى لهذا الشهر المبارك: إحياء الليالي البيض التي تشمل الليلة الثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة من رجب، وزيارة الإمام الحسين (ع ) وتستحبّ في النّصف من رجب، عن بُعدٍ أو عن قُربٍ..
ومن المناسبات المهمّة في رجب : بعثة النبيّ (ص)، وولادة الإمام الباقر (ع)، والإمام الجواد (ع)، والإمام عليّ (ع)، واستشهاد الإمام الهادي (ع)، والإمام الكاظم (ع).
وهي مناسبات تدعونا للتعرف على سيرة هؤلاء العظماء وحياتهم وانجازاتهم الكبيرة في خدمة الاسلام والمسلمين، من أجل ان نقتدي بهم ونلتزم بنهجهم الذي هو نهج الاسلام المحمدي الأصيل.
اليوم كل ما جرى ويجري في منطقتنا في غزة واليمن والعراق وسوريا ولبنان وغيرها يؤكد ما قاله الامام الخميني(قه) يوما من ان امريكا هي الشيطان الاكبر، فاميركا هي راعية الارهاب والقتل والجرائم والمجازر والحروب في هذه المنطقة، واساس الطغيان والاستكبار في العالم ، ومهما حاولت ترميم صورتها أمام الرأي العام من خلال الاكاذيب والنفاق والتضليل والادعاءات الفارغة فلن تستطيع ذلك لان صورة الشيطان لا يرممها شيء.
الحامي الأكبر لإسرائيل في المنطقة هي الولايات المتحدة الأمريكية، وهي المسؤولة عن كلّ جرائم إسرائيل في غزة والضفة ولبنان وفي المنطقة، لأنّ أمريكا هي التي تقرر وتُموّل وتدعم وتسلّح وتحمي وتسمح لاسرائيل بان ترتكب ابادة جماعية في غزة، وهي التي تفرض على العالم وعلى معظم الدول العربية أن يسكتوا عن هذه الجرائم .
اليوم المطلوب امريكيا ان تصمت على كل الجرائم والمجازر والابادة الجماعية التي يرتكبها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني في غزة.
ممنوع ان تتكلم وممنوع ان تتضامن او تساند او تطالب بوقف العدوان وايصال الدواء والغذاء لاكثر من مليوني محاصر في غزة
في المنطق الامريكي يجب ان تتجرد من انسانيتك وقيمك واخلاقك ومشاعرك وتسكت على الجرائم التي يرتكبها الصهيانة .
هم اخافوا معظم الدول العربية ومنعوها من مساندة غزة ومنعوا جيوشها من التحرك بل منعوها من التضامن اللفظي ولذلك نرى سكوتا فظيعا على ما يجري في غزة من جرائم يندى لها جبين الانسانية.
اكثر من 20 الف شهيد وقرابة ستين الف جريح معظمهم من النساء والاطفال لم تحرك مشاعر هذه الدول المتخاذلة والمتواطئة على الشعب الفلسطيني، وعندما تحرك اليمن لمساندة غزة قامت قيامة الامريكي والبريطاني وعقدوا التحالفات واليوم شنوا عليه عدوانا سافرا لانه اراد مساندة الشعب الفلسطيني المظلوم وطالب بوقف العدوان ورفع الحصار وايصال المساعدة الى غزة.
منعوا الدول من رفع دعاوى لدى المحاكم الدولية على الابادة الجماعية التي يرتكبها الصهيانة في غزة، والدولة الوحيدة التي تجرأت ورفعت دعوى لدى محكمة العدل الدولية وهي جنوب افريقيا شنوا عليها الحملات ونعتوها بالدولة المارقة واعتبروا ان ادعائها ليس له اساس .
نعم اليوم ممنوع مساندة الشعب الفلسطيني وعندما تدعم وتساند باي شكل من اشكال المساندة تعاقب وتضرب ويتم الاعتداء عليك كما حصل اليوم في اليمن او تشن الحملات عليك كما يحصل لجنوب افريقيا او يتم التهويل عليك كما يحصل للبنان
كل الرسائل التي يحملها الموفدون الأمريكيون والأوروبيون للبنان هذه الايام والتي تستبطن التهديد للبنان ان لم تتوقف جبهة الجنوب إنما هي لمساعدة اسرائيل وتحقيق المطالب الاسرائيلية وتأمين عودة مائة الف مستوطن إلى مستوطناتهم المقابلة للحدود اللبنانية الذين يرفضون العود إذا لم تتوقف جبهة الجنوب
قلبهم على مصالح اسرائيل وعلى المستوطنين وليس على لبنان ولا على غزة ولذلك لم يأت أحد من هؤلاء على ذكر ما يجري للشعبين اللبناني والفلسطيني في غزة والضفة وجنوب لبنان ولم يتطرق احد منهم إلى مسألة وقف العدوان على غزة وتجاهلوا تماما ان السبب في اشتعال جبهة الجنوب هو العدوان على غزة لان كل ذلك لا يعنيهم وما يعنيهم هو حل مشكلة اسرائيل ومساعدة اسرائيل على الخروج من مأزقها في جنوب لبنان لكن وهذا لن يكون طالما استمر العدوان على غزة .
يجب أن يعرف هؤلاء أن المدخل الأساسي لوقف جبهة لبنان، هو وقف العدوان على غزة، وان الضغط والتهديد والتهويل لا ينفع ولا يوصل الى نتيجة، وليس هناك من حديث أو بحث فيما يطرحونه قبل وقف العدوان، ومن يريد عدم توسعة الحرب ومساعدة “إسرائيل” على الخروج من ورطتها عليه الضغط على العدو لوقف عدوانه قبل الضغط على لبنان أو الحديث عن أي شيء آخر”.