هو سؤال إستنكاري، الهدف منه فضح ما يخطط له من مزاعم خيالية صعبة التطبيق.. فالإبادة الجماعية الصهيوأمريكية تمهد لمخطط غربي قديم جديد.. ولذا علينا متابعة السيناريوهات الأمريكية المطروحة بدقّة، حتى نتمكن من مواجهة مخطط ما يسمى تغير وجه منطقة الشرق الأوسط، فهي أبعد من تحديد مصير غزّة ورسم خارطة جيوسياسية للمنطقة بأكملها..
في متابعة للصحف والمواقع الأمريكية تجد أن هذا السؤال يتصدر عنوان بعض المقالات، وبات الشغل الشاغل لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وهو: “من يحكم غزة بعد انتهاء الحرب؟”. وأفادت الصحافة الأمريكية بأن إدارة البيت الأبيض بدأت في التخطيط لـ”المرحلة التالية” لانتهاء الحرب، والإجابة على أسئلة إشكالية مثل: من يدير القطاع بمجرد أن تصمت المدافع، وكيف يتسنى إعادة بنائه، وربما كيف يصبح جزءا من دولة فلسطينية مستقلة في نهاية المطاف؟ يواجه أصحاب المصلحة مجموعة من الخيارات “غير الجذابة”.
السيناريو المطروح، إبقاء السيطرة الأمنية للصهاينة على القطاع، وتشكيل مجموعة للإشراف على ما سمي “فترة انتقالية” تشمل دولا عربية، بالرغم من أن ذلك لا يعني أن هناك موافقة عربية، لكن واشنطن تضغط في هذا الاتجاه، في محاولة لتأمين غطاء عربي لعمل قوات الإحتلال في مخيمات القطاع من شنّ الاعتقالات وفرض الهجرة على البعض، والاغتيالات. والملفت أن “المجلس الانتقالي”، كما تتحدّث مراكز أبحاث صهيونية في أمريكا قريبة من الإدارة الأمريكية، مثل معهد واشنطن، لا يشمل السلطة الفلسطينية في عضويته، لأن القيادة السياسية الصهيونية تعتبر أن أداء السلطة في الضفة الغربية خلال السنوات الثلاث الماضية كان غير مرضٍ ولم تستطع كبح عمل الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة. فضلا عن أداء سفراء فلسطين، خاصة في أوروبا والأمم المتحدة، الذين رفضوا إدانة “حماس” وذهبوا أكثر في مواقفهم وتحدثوا بنفس تحرّري عبر وسائل الإعلام الغربية منها خصوصا، ولكنها ستتسلّم الدور “الإداري” الرئيسي بعد انتهاء المرحلة الانتقالية في غزّة تحت شروط صهيونية جديدة.
هذا السيناريو رفضته السلطة، على هزالته، فتصريحات مسؤوليها بالموافقة على إدارة غزّة تشترط “أن يكون ذلك ضمن حل شامل لوضع غزّة والضفة الغربية بما فيها القدس” المرفوض أمريكيا. وكذلك فإن هذا السيناريو لم يلق أي ترحيب من القاهرة وعمان، ما صعب المهمة على الإدارة الأمريكية في إيجاد جواب لسؤال ما بعد الحرب..
وبحسب الصحف الأمريكية، فإن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن سعى جاهدا خلال زيارته الأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط لدفع تلك النقاشات إلى الأمام، لكن لم تكن هناك أجوبة واضحة يعول عليها.
ونُقل عن بلينكن قوله للصحفيين “لا تراودنا أي أوهام بأن الحل سيكون سهلا. سنعاني بلا شك من خلافات على طول الطريق”، مضيفا أن “البديل وهو كثير من العنف وزيادة من معاناة الأبرياء، وهذا أمر غير مقبول”. هذا التصريح يؤكد أن المسؤولين الأمريكيين يعرفون جيدا بأن الرد الصهيوني الوحشي على ما جرى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أدى إلى تأجيج الغضب الفلسطيني، وعرقلة التقدم نحو “سلام” أكثر استدامة في المنطقة، كما أوفق مراحل التفاوض على تطبيع العلاقات بين دول عربية والكيان الغاصب.
وبعد 59 يوما من القصف على القطاع، أشارت تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى أنه تم تدمير نحو 235 ألف منزل، أو ما يعادل 62 بالمئة من البنى السكنية، وأن 80 بالمئة من السكان قد شُردوا. وقالت صحيفة “واشنطن بوست” إذا افترضنا أن “حماس” لم تعد في وضع يسمح لها بإدارة قطاع غزة، وفي غياب الجهود المنسقة لإعادة ترسيخ الحد الأدنى من الحكم هناك، فإن كل شيء يشير إلى أن “اليوم التالي” سوف يتسم بأزمة إنسانية وأمنية غير مسبوقة”.
وتفيد الصحيفة أن إدارة بايدن تعارض “بشدة” أي قيود تتعلق بالطريقة التي يمكن لسكان غزة استخدام أراضيهم، وتتطلع إلى تسليم القوات الصهيونية المسؤولية، ربما إلى القوات الدولية أو العربية، من أجل أمن القطاع.
غير أن المراقبين يرون أن وضع خطط للمستقبل ستشمله الكثير من التعقيدات جراء ما يحدث في ظل استمرار الصراع. ويصف خبراء نقلت عنهم الصحيفة، أن مسألة من سيحافظ على القانون والنظام بعد الصراع “معقدة للغاية”.
كل ما تقدم لايزال كلاما دون أي مفاعيل جدية على أرض الواقع لان المقاومة هي صاحبة الكلمة الأخيرة، وصمود أهل غزة هو من سيحدد جواب ما بعد الطوفان، ولن يستطيع أحد فرض شروطه كما يتوهم الأمريكي ومن خلفه الصهاينة وبعض الأنظمة العربية الشريكة.
المصدر: موقع المنار