مع استمرار الشرق الليبي بلملمة مأساته، التي بات من المؤكد أن تداعياتها ستمتد إلى فترة لا بأس بها من الزمن، تتكشف حقيقة مفادها أنه كان بالإمكان التقليل من حجم الكارثة خصوصاً لجهة أعداد الضحايا (أعلن رئيس بلدية درنة، عبد المنعم الغيثي أن عدد القتلى الذي تجاوز 5 آلاف قد يصل إلى 20 ألفاً)، كان من الممكن ذلك لو تم تجنب انهيار سدي درنة. وفي هذا السياق، طالب رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، بفتح تحقيق في كارثة انهيارهما.
وأثار انهيار السدّين المحيطين بالمدينة الواقعة شمال البلاد، أسئلة عدة عن الأسباب التي أسفرت عن الكارثة غير المسبوقة في البلاد. وقال المتحدث باسم جهاز الإسعاف الليبي أسامة علي، إنّ “عدم صيانة السدّين في درنة كان له تأثير واضح في حدوث الفيضانات”. من جهته، خبير الجيولوجيا والسياسات المائية، رمضان حمزة، قال في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “ما حدث في درنة مأساوي، وذلك لأن كميات المياه والأمطار المتساقطة في يوم واحد كانت أكثر من موسم، وهي كميات غير متوقعة، ولذلك انهارت السدود”، موضحاً أن “السدود في مناطق النزاعات أو الحرب يتم إهمال صيانتها بشكل دوري، وقد تكون السدود في درنة تعرضت لهذا الإهمال منذ 2011 حتى الوقت الحالي”. واضاف الخبير أن “السدود كانت تحتجز بالأساس كميات كبيرة من المياه، ومع هطول الأمطار بهذا الشكل ضاعفت كميات المياه، وهو ما لم تحتمله السدود”.
ويقع السدّان وهما سدّ أبو منصور وسدّ البلاد جنوبي مدينة درنة، مع قرب الثاني من مداخل المدينة. وبلغ ارتفاعهما حوالي 40 متراً فقط قبل أن يتحولا إلى ركام.
أعداد الضحايا… ارتفاع مستمر
و أعلن وزير الداخلية في الحكومة الليبية المكلَّفة من البرلمان، عصام أبو زريبة، في تصريحات إعلامية اليوم، أن عدد ضحايا السيول الذين تمّ تسليمهم إلى ذويهم بلغ ألفين و694، متحدثاً عن وجود ألفين و410 مفقودين في درنة، بحسب الأرقام الأولية، بالإضافة إلى 103 مفقودين في مدن مجاورة. وفي درنة أيضاً، لا تزال هناك 973 جثة مجهولة الهوية.
وتابع أبو زريبة “قررنا وضع خطة لإجلاء السكان الذين يعيشون قرب المنطقة التي تعرضت للكارثة”، بعدما لم تعد الكثير من المناطق مؤهلة للعيش.
وصل عدد القتلى جراء السيول التي تسببت بها العاصفة دانيال التي ضربت غرب ليبيا إلى 5300 مع وجود نحو 10 آلاف شخص في عداد المفقودين، وفقا لمسؤول بالاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر.
وقالت المتحدثة باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في تصريحات للجزيرة، إن أعداد الضحايا المعلنة في ليبيا أولية، وأن المنظمة الدولية تواصل تقييم الكارثة. وأفاد جيل كاربونيه، نائب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمقتل 3 من عناصر الهلال الأحمر الليبي أثناء مساعدتهم المنكوبين.
في الأثناء، أعلن وكيل وزارة الصحة في حكومة الوحدة الوطنية، سعد الدين عبد الوكيل، أن فرق الإنقاذ المحلية والدولية تمكنت من إنقاذ 510 أشخاص من تحت الأنقاض بمدينة درنة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن عمليات الإنقاذ وانتشار الجثث لا تزال مستمرة، وتحتاج إلى بعض الوقت نظرا لوجود آلاف المفقودين.
ولفت سعد الدين، إلى أن هناك العديد من المناطق، بينها سوسة والمخيلي والوردية (شرق)، تحتاج لتدخل عاجل، لذا سيكون التركيز عليها في الساعات القادمة، بإرسال الأطقم الطبية والمساعدات وفرق الإنقاذ.
من ناحية أخرى، وصل وفد وزاري من حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة وزير الحكم المحلي ورئيس لجنة الطوارئ إلى شرق ليبيا، في طريقه إلى مدينة البيضاء ومنها إلى مدينة درنة.
ولا يمكن الوصول إلى مدينة درنة الآن إلا عبر مدخلين إلى الجنوب (من أصل سبعة)، وقد انقطع عنها التيار الكهربائي على نطاق واسع وتعطلت شبكة الاتصالات، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة.
وقد نزح 3000 شخص من البيضاء، وأكثر من 2000 من بنغازي ومدن أخرى تقع إلى الغرب.
وقال رئيس مصلحة الطرق والجسور الليبية حسين سويدان، إن السيول التي تسببت بها العاصفة دانيال جرفت كل المباني السكنية المجاورة لوادي درنة، وأن 3 ملايين متر مربع هي المساحة المتضررة بشكل بالغ في مدينة درنة. في حين أن المساحة التي جرفتها السيول، أو شهدت انهيارات بلغت نحو 900 ألف متر مربع. وأضاف حسين أن طول شبكة الطرق المنهارة في درنة 30 كيلومترا، مع انهيار 5 جسور تربط بين شرق المدينة وغربها.
وتُظهر صور أقمار صناعية حجم الدمار الذي لحق بالمناطق السكنية في درنة، ويبدو واضحا انهيار كامل لأحد سديّ المدينة مقارنة مع حالته قبل الطوفان.
وفي هذا الإطار، أعلنت السلطات المحلية بمنطقة برسس شرق بنغازي، البدء بعملية تفريغ جزئي لسد وادي جازة لتخفيف الضغط الناجم عن العاصفة دانيال.
من ناحية أخرى، حذّر منصور الحصادي، عضو المجلس الأعلى للدولة عن مدينة درنة، من أن هناك خطرا يتهدد باقي السكان بالمدينة بعد كارثة الفيضانات، وأنه لا بد من خطة لإجلائهم. وذكر الحصادي أن نذر كارثة صحية وبيئية بدأت تظهر ببعض المناطق المنكوبة. كما وجّه جهاز الإسعاف في ليبيا مناشدة لفرق الطوارئ للتوجه إلى مدينة سوسة شرق البلاد، لإنقاذ أكثر من 1000 عائلة عالقة.
من جهته، ناشد عضو مجلس النواب عن مدينة بنغازي خليفة الدغاري، مصر والجزائر إرسال فرق من الغواصين لانتشال الجثث المتناثرة على شواطئ المناطق المنكوبة، حسب قوله.
وشدد الدغاري على الحاجة الماسة لدعم المستشفيات في المناطق المنكوبة، مشيرا إلى نقص الأدوية بهذه المناطق.
تحقيق
على صعيد آخر، قال رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، إنه طلب من النائب العام فتح تحقيق شامل في وقائع الفيضانات التي اجتاحت درنة، ومحاسبة كل من أخطأ أو أهمل بالامتناع، أو بالقيام بأفعال نجم عنها انهيار سدي المدينة، حسب تعبيره.
وأكد المنفي -في منشور على منصة إكس- أن التحقيقات ستشمل كل من عطّل جهود الإغاثة الدولية، أو عرقل وصولها إلى المدن المنكوبة.
من جهته، قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية، إنه خاطب النائب العام لفتح تحقيق عاجل في ملابسات الواقعة، ووجّه الأجهزة المعنية بالتعاون الكامل في ذلك.
المساعدات مستمرة
على صعيد آخر، تتوالى المساعدات الدولية والعربية لمواجهة تداعيات المأساة الإنسانية بدرنة، حيث سيّر الأردن طائرات إغاثة عسكرية إلى ليبيا تحمل على متنها أطنانا من مواد الإغاثة والمستلزمات الإنسانية.
ومن مصر أقلعت 3 طائرات نقل عسكرية إلى ليبيا محملة بكميات كبيرة من الأدوية والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الخيام وطواقم للبحث والإنقاذ، ومجموعات عمل من الهلال الأحمر.
كما أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أن أولى المساعدات للمناطق المنكوبة بليبيا وصلت الثلاثاء الماضي، كما قال وزير الصحة فخر الدين قوجه، -أمس الأربعاء- إن أنقرة سترسل سفينة تحمل معدات لإقامة مستشفيين ميدانيين مع طاقم من 148 فردا.
وأعلنت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إرسال فريق استجابة للكوارث إلى ليبيا، وتقديم مساعدة إنسانية بقيمة مليون دولار للتعامل مع كارثة الفيضانات.
كما أعلنت الحكومة البريطانية عن حزمة مساعدات أولية بقيمة مليون جنيه إسترليني (1.25 مليون دولار)، لتلبية الاحتياجات الفورية للمتضررين من الفيضانات بمدينة درنة.
وقالت حكومة الوحدة الوطنية في بيان، إن 12 دولة أرسلت مساعدات عاجلة وفرق إغاثة لمواجهة الكارثة التي تشهدها ليبيا.
في الوقت نفسه، أعلن الدبيبة -عبر فيسبوك- أن باخرة تضم 700 غرفة في طريقها إلى ساحل درنة، للإسهام في توفير السكن للنازحين وفرق الإنقاذ.
من جهته، قال رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح إن الحكومة مطالبة بإعادة كل شيء إلى ما كان عليه وأحسن في البلاد، خلال مدة لا تزيد عن 6 أشهر. وحثّ صالح الحكومة على مزيد من العمل لحماية المواطنين وتوفير السكن والعلاج بأسرع وقت ممكن وتعويض المتضررين. مقدما شكره “للدول الصديقة والشقيقة على الدعم المقدم للشعب الليبي”.
وأكد صالح على أن مجلس النواب سيصدر ما يلزم من تشريعات وقرارات لدعم الحكومة وتوفير المال اللازم لمواجهة أضرار الكارثة، مشيرا إلى أن المجلس سيشكل لجانا لمتابعة العمل في كل منطقة متضررة، داعيا الحكومة لتزويد رئاسة المجلس بتقارير شهرية عما يتم إنجازه.
في غضون ذلك، أكدت مصلحة الموانئ والنقل البحري في ليبيا أكدت جاهزية ميناء درنة لاستقبال سفن الإغاثة، شرط أن لا يتجاوز غاطس السفن 6.5 مترا عند دخول حوض الميناء.
وتم فتح ممرات جانبية إلى مدينتي درنة وسوسة لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية لهما.
وفي سياق متصل، أوضح مسؤول من منظمة الإغاثة أن “المنظمة ارتأت أن تقتصر المعونات على التبرعات النقدية عبر كل التراب الفرنسي لتسهيل توصيل الاحتياجات الضرورية والتي يطلبها الليبيون وستفتح صناديق لذلك عبر كل هياكل المنظمة في فرنسا”.
المصدر: مواقع إخبارية