يوافق اليوم الثاني عشر من سبتمبر/ايلول الذكرى الثامنة عشرة على دحر المقاومة الفلسطينية للعدو الاسرائيلي عن أرض غزة بعد احتلال دام 38 عاما، لتعيش غزة في عزة وكرامة منقطعة النظير.
وشكل اندحار الاحتلال الصهيوني عن قطاع غزة عام 2005، نقطة تحول مهمة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، ونقلة نوعية على صعيد تطور قدرات المقاومة الفلسطينية وتعاظمها.
وبالسياق، برر رئيس حكومة العدو آنذاك أرئيل شارون اندحاره عن غزة بأنه خطوة “أحادية الجانب” في إطار خطة لتحسين الواقع في غزة، وتحسين نسيج الحياة الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني، لكن اندحاره لم يكن لولا ضراوة المقاومة الفلسطينية وبسالتها، والتي حوّلت المستوطنات الصهيونية الجاثمة على أرض قطاع غزة إلى جحيم لا يُطاق، اضطر خلالها الاحتلال للهروب يجُر أذيال الخيبة والهزيمة.
وقد مثّلت 25 مستوطنة صهيونية نحو 35% من مساحة قطاع غزة، كانت بمثابة نقاط سيطرة استراتيجية للاحتلال، كما شكلت كنزًا حقيقيًّا نهب من خلالها الاحتلال الموارد الطبيعية للقطاع، وليس أدل على ذلك من سرقته المياه الجوفية العذبة، والكثبان الرملية التي نقلها إلى داخل الأرض المحتلة.
وأصبحت 25 مغتصبة جاثمة على أرض القطاع أثرا بعد عين عقب الاندحار عنها بفعل ضربات المقاومة، ولطالما كانت كالغدد السرطانية تجزئ محافظات القطاع ومناطقه وتشل تحركات أهله وتنقلاتهم.
ومنذ اليوم الأول لانتفاضة الأقصى، شهدت الساحة الفلسطينية عامة وفي قطاع غزة خاصة، حالة مقاومة متصاعدة، وشهدت تطورا في أدوات المقاومة الفلسطينية مقارنة بالانتفاضة الأولى، التي كان أبرز أدواتها “الحجارة” و”الزجاجات الحارقة”.
وشهدت كل نقاط التماس مع الاحتلال في قطاع غزة مواجهات يومية، سرعان ما تطورت إلى عمليات اقتحام للمستوطنات الصهيونية وعمليات إطلاق النار على الجنود، ولقد فرضت طبيعة المواجهة العسكريّة المتصاعدة بين المقاومة والاحتلال خلال الانتفاضة ضرورة توفير وسائل قتاليّة محليّة الصنع قادرة على تلبية الاحتياج الميدانيّ المتزايد، فطورت المقاومة من منظومة التصنيع لديها، وصنّعت العديد من الأسلحة كالقذائف الصاروخية، ومضادات الدروع، والقنابل اليدوية، والأحزمة الناسفة.
هذا التطور المتسارع للقدرات العسكرية للمقاومة خلال الانتفاضة رفع فاتورة حماية المستوطنين في غزة، الأمر الذي جعل من غزة كابوسًا يحلم شارون في التخلص منه.
وخلال السنوات الخمسة التي استمرت الانتفاضة فيها بقطاع غزة؛ امتشقت المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها “كتائب القسام” كل الأدوات والخيارات في مواجهة الاحتلال الصهيوني، فابتكرت كتائب القسام أسلوبًا جديدًا في مقاومة الاحتلال، تمثل في حفر الأنفاق واستهداف المواقع العسكرية الصهيونية.
ونفذت القسام عبر سلاح الأنفاق الاستراتيجي العديد من العمليات التي قلبت معادلة الصراع مع الاحتلال، ودفعته للهروب من غزة، أبرزها عملية موقع ترميد في سبتمبر/ايلول عام 2001، وعملية موقع حردون في ديسمبر عام 2003، وعملية محفوظة في يونيو/حزيران 2004، وعملية براكين الغضب في ديسمبر/كانون الاول 2004.
وكبدت المقاومة الفلسطينية الاحتلال الصهيوني خسائر بشرية ومادية كبيرة، فخلال سنوات انتفاضة الأقصى، نفذت المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام 68 عملية ما بين إطلاق نار وتفجير آليات واقتحام للمغتصبات، أدت إلى مقتل 135 صهيونيًا، بينهم 106 من الجنود والضباط، و29 مستوطنًا، بينما أصيب العشرات منهم بجراح.
وقد شهد عام 2004، وهو العام الذي سبق الاندحار عن غزة، أعلى نسبة لعدد القتلى في صفوف جنود الاحتلال، إذ قُتل فيه 46 جنديًا، ما جعل وجود الاحتلال في غزة وقربه مكانيًا من المقاومة الفلسطينية أمرًا مستحيلًا.
ورغم استهداف الاحتلال لحركة حماس وقادتها منذ نشأتها، إلا أنها قادت المقاومة نحو الطريق الصحيح، وباتت حامية لها، وشكلت سدًا منيعًا أمام كل محاولات سحب سلاحها واستئصالها التي كانت تمارسها السلطة الفلسطينية وأعوانها، ومكّن الاندحار الصهيوني عن قطاع غزة، المقاومة الفلسطينية من حرية العمل وتطوير قدراتها المختلفة وتصاعدها، إذ عملت المقاومة على إعداد تكتيكات جديدة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
هذا التطور مكّن المقاومة من الصمود في مواجهة عدوان الاحتلال الصهيوني المتواصل على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، كما مكّنها من إفشال أهداف الاحتلال في القضاء على المقاومة الفلسطينية، والتي غدت اليوم كابوسًا يؤرق قادة الاحتلال، وبات الاندحار عن غزة نقطة تحول كبير في تطور أداء المقاومة وسلاحها، واتساع معركتها مع العدو، حتى أضحت تبدع في معركة تلو الأخرى، وظل الشعب ظهرًا حاميًا وداعمًا لها رغم الجوع والحصار.
وانعكس تطور المقاومة على أدائها ميدانيًا خلال معركة العصف المأكول 2014، إذ نفذت المقاومة العديد من العمليات العسكرية النوعية، وعمليات الإنزال خلف خطوط العدو، وصولًا إلى معركة سيف القدس، إذ اتسع نطاق صواريخ المقاومة ليصل إلى داخل العمق الصهيوني في الأراضي المحتلة.
وتمكّنت غزة رغم مؤامرة الحصار والعدوان من أن تصمد وتؤسس لمرحلة تكون فيها رقمًا صعبًا في المعادلة الفلسطينية والعربية والدولية.
وبعد مرور 18 عامًا على اندحار الاحتلال عن غزة، والذي عدته حركة “حماس” إنجازًا وطنيًا ومقدمة لتحرير باقي الأرض، ستبقى المقاومة على امتداد خارطة الوطن من غزة إلى القدس إلى نابلس والخليل وجنين القسام، وبلدة بيتا، مشرعة وبكل الأدوات والأشكال كافة، تراكم وتعاظم من قوتها، وصولًا إلى معركة التحرير ودحر الاحتلال عن كل فلسطين.
المصدر: العلاقات الاعلامية في حركة حماس