شدد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: على أن التحلل من القيم والمبادئ والأخلاق، هو هدف استراتيجي للدول الغربية، وخاصة للولايات المتحدة الامريكية التي تسعى إلى فرض قيمها ومبادئها ونمط حياتها على الشعوب من خلال الغزو الثقافي والحرب الناعمة.
وقال: لا بد للأسر والأفراد, والآباء والأمهات من المساهمة في مقاومة هذا الغزو، ووقف أو الحد من آثار هذه الحرب الشرسة ،معتبراً: أن من أهم أسلحة المواجهة ضرورة تحكم الأسرة في فترات استعمال أجهزة الأنترنت والوآتساب والفايس بوك وغيرها من قبل الأبناء، وتحديد المواد الصالحة من غيرها لهم، وعدم السماح لهم بالاطلاع أو مشاهدة المواد المعروضة السيئة دونما ضابط أو رقيب.
ورأى: أن حجب “المنار” عن الفضاء لن يخرج السعودية من هزيمتها المحققة في اليمن, ولن يعوض عن فشلها في سوريا,ولن يرمم الصورة المهشمة للنظام السعودي.. وفي المقابل لن يغير من مواقف حزب الله والمقاومة ولن ينال من عزيمتها وإرادتها.
نص الخطبة
يقول الله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. هناك تحديات معاصرة كثيرة تواجه مجتمعنا، منها ما هو معيشي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو سياسي وأمني, لكن أهمها التحدي الاخلاقي القيمي والسلوكي.
فسلوك الناس ومدى التزامهم بالقيم والأخلاق وأصول التعامل أصبح يشكل تحديًّا كبيرًا أمام المجتمع، فقد بدأنا نشهد أشخاصاً ومجموعات من أبنائنا وشبابنا ورجالنا ونساءنا يتجاوزون في سلوكهم وتصرفاتهم وطريقة حياتهم القيم والأخلاق والضوابط والآداب والحدود الشرعية, الأمر الذي بات يهدد أمن المجتمع وحياة الناس واستقرارهم ويهدد الانتظام العام لحياة الناس, بحيث أصبحنا نعيش فوضى عارمة في بعض المجالات, وهناك أمور أخلاقية وسلوكية تحصل في مجتمعنا لو تأملناها ودققنا النظر فيها لاتضح لنا مدى القلق الذي يجب أن نعيشه من واقعنا الاجتماعي.
من هذه الامور كثرة الخلافات والنزاعات العائلية والتجارية, وبين الجيران وبين الزملاء في العمل الواحد, وهذه الخلافات غالباً تؤدي إلى تبادل السباب والشتائم والاتهامات, ويسودها الغضب والإنفعال, ويخرج فيها الانسان عن طوره وأخلاقه, وتؤدي في بعض الاحيان الى استخدام العنف والعراك والضرب وسحب السلاح واطلاق النار والقتل وارتكاب الجرائم أحياناً، وهناك العديد ممن يدخلون السجون إنما دخلوها بسبب ممارسة العنف والقتل والتعدي على أرواح الناس وحياتهم، لقد أصبح شائعًا بين الناس استعمال العنف والسلاح، واستعمال الآلات الحادة، بالأخص بين الشباب لأدنى خلاف او مشكلة يمكن ان تحصل هنا أوهناك، وهذا أمر لا يجوز أن يحصل في المجتمعات المحافظة وبين الأشخاص المحسوبين على خط التدين وبين الملتزمين.
فالاسلام يربي الانسان على الامساك بلسانه والامتناع عن اُسلوب السب والشتم, سواء للأحياء او للأموات بل وحتى لسائر المخلوقات ولسائر الأشياء, لأن الإسلام يرفض هذا الاسلوب وهذه الثقافة. يقول تعالى:( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما, إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا)149النساء. في القرآن والأحاديث: القتل واخافة الناس وتهديدهم بالقتل وإشهار السلاح بهدف التخويف او التهديد حرام وخطأ كبير.
يقول تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (93) سورة النساء. عن النبي(ص): (مَنْ أَخَافَ مُؤْمِنًا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُؤَمِّنَهُ مِنْ أَفْزَاعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ( .
وفي حديث آخر عنه (ص):) من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه ، حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه). وعنه (ص) : ( لَزَوَالُ الدُّنْيَا جَمِيعًا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ دَمٍ يُسْفَكُ بِغَيْرِ حق).
العنف الأسري الذي يحصل داخل الاسرة ضد الزوجة او الأولاد أو ضد الزوج أحياناً من قبل الزوجة أو الأولاد, ونحن نسمع عن الكثير من الوقائع على هذا الصعيد, والصحف ووسائل الإعلام تنشر العديد من الحوادث في هذا المجال، هذا ضرب زوجته بطريقة متوحشة, وذاك ضرب أو عذّب إبنه أو إبنته بشكل مقزز وهكذا.. وهناك العديد من حالات الطلاق وتفكك الاُسر ناتج عن مثل هذه الممارسات العنفية داخل الاسرة.
الإسلام يرفض التعامل بهذا الأسلوب, يرفض استعمال القوة والعنف والقسوة مع الزوجة والأولاد, وعلى العكس من ذلك فإن الاسلام يؤكد على الإنسان أن يحسن التعامل مع أهله وأولاده, وأن يكون ودوداً ورحيماً وعطوفاً وطيباً وخيراً ومحسناً معهم, وقد ورد ذلك في الكثير من الأحاديث والروياات. فعن رسول الله (ص): (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
وعن الإمام الصادق (ع): (من حسن بره بأهله زاد الله في عمره). لأن حسن البر للأهل يوجب الاستقرار والارتياح النفسي, وهذا له أثر كبير على صحة الإنسان مما يجعل عمر الإنسان طويلاً. ويقول الإمام علي (ع): (لا يكن أهلك أشقى الناس بك). فلا تتعامل مع أسرتك وكأنك وحش كاسر. انتشار حالات السرقة، سواء سرقة البيوت أو المحلات، أو حتى حقائب النساء وهواتفهن وهن يسرن في الشارع، أو في الأسواق.
والأخطر من ذلك انتشار المخدرات، وسريانها بين الشباب وحتى بين الفتيات والنساء, وأنتم تعلمون أن إدمان المخدرات هو بوابة لمختلف الجرائم ، فإن من يدمن على المخدرات مستعد لبيع شرفه وعرضه فضلًا عن دينه، ولا يردعه عن ذلك رادع, ونحن نشاهد ونسمع عبر سائل الإعلام والأفلام الوثائقية كيف أن بعض المدمنين يبيعون كل شيء ليحصلوا على حقنة من المخدرات.
الخيانات الزوجية من كلا الطرفين، حتى أصبحت وكأنها من القضايا المألوفة التي قد تحصل في المجتمع، أما العلاقات غير المشروعة بين الشباب والفتيات فحدث عنها ولا حرج، وأصبحت أيضاً وكأنها أمر طبيعي, وهذا ناجم عن التربية التي يأخذها البعض من الافلام والمسلسلات التي تروج لعلاقات من هذا النوع وتعتبرها أمراً عادياً وبسيطاً.
ومما يسهل هذه الخيانات أيضاً التواصل عبر وسائل التواصل الحديثة (الوتساب والفايس بوك وغيره) المنتشرة بين أيدي الجميع وفي كل بيت والتي باتت تسهّل عملية التواصل والتعارف بين الناس , هذه الوسائل التي باتت اكبر تحدي نظراً لانتشارها وسهولة استخدامها والتي باتت تتسبب بمشاكل كثيرة إجتماعية واُسرية وأخلاقية.. لا يجوز التمادي في الحديث عبر هذه الوسائل مع غير المحارم.. كيف تجيز المرأة المتزوجة أن تتحدث مع رجل غريب وتتمادى في الحديث معه؟ كيف يجوز للشاب او الرجل أن يتمادى في الحديث مع امرأة متزوجة؟ هذا لا يجوز لأنه يؤدي الى قيام علاقات غير شرعية والى تخريب البيوت وتدمير الاًسر.
أذية الجيران, وعدم مراعاة حقوق الجيرة وحالات الازعاج التي تحصل في الشوارع, سواء من قبل الشلل في الأحياء, أو الإزعاج الحاصل من تشفيط السيارات أو رفع صوت المذياع فيها أو من الفوضى العارمة في قيادة الدراجات أو من خلال ركن السيارات في الشوارع وعلى الارصفة بطريقة تعيق حركة مرور الناس وتتسبب بزحمة السير أو المرور بعكس السير او عدم مراعاة اشارات السير او القيادة بسرعة زائدة مما يتسبب بحوادث سير مميتة وهكذا.. هذه بعض مظاهر الانحلال السلوكي والقيمي في المجتمع، ويوجد غيرها الكثير، فالمشاكل والحوادث الكثيرة التي نسمعها مؤلمة وتدمي القلوب، وهي تكشف عن أن التحدي الأخلاقي والسلوكي هو من التحديات الكبيرة التي يواجهها مجتمعنا.
صحيح أن لدينا مظاهر كثيرة للتدين في مجتمعنا وهناك متدينون وأجيال متدينة وملتزمة بقيم وأخلاق الدين ولدينا شباب مؤمن مجاهد مقاوم يتحملون مسؤولياتهم, والكثير من أهلنا وشبابنا يتفاعلون مع المناسبات الدينية والأنشطة الإسلامية ويرتادون المساجد ويصلون الصوات في أول وقتها .. هذا كله موجود بحمد الله في مجتمعنا ، لكن يجب ألا نغفل عن الجوانب السلبية في واقعنا، فهناك أشياء أخرى كالانحلال والانحراف يجب أن نتوجه له ونحاول إصلاحه، ليكون مجتمعنا بكل شرائحه متديناً وملتزماً بالقيم والأخلاق.
التحلل من القيم والمبادئ والأخلاق، هو هدف استراتيجي للدول الغربية، وخاصة للولايات المتحدة الامريكية التي تسعى إلى فرض قيمها ومبادئها ونمط حياتها على الشعوب الفقيرة والمستضعفة من خلال الغزو الثقافي والحرب الناعمة التي تمارسها عبر وسائل الإعلام والأنترنت وآلاف الأفلام والمسلسلات وعبر وسائل التواصل الحديثة وغيرها.
وليس بمقدور الدول ولا الشعوب منع تسرب هذه المواد الاعلامية وغيرها الى بلداننا ومجتمعاتنا, لأن مئات الأقمار الصناعية المبثوثة في الفضاء جعلت من المستحيل على أي دولة الحؤول دون وصول هذا الغزو وهذه الحرب, لكن مع ذلك نحن نستطيع أن نحد من تأثيراتها على العقول والقلوب والأفكار والسلوك .
الدولة والأجهزة الأمنية ومؤسسات المجتمع المدني وحتى القوى والأحزاب والجمعيات والمساجد والعلماء يستطيعون أن يساهموا في مكافحة بعض السلوكيات السيئة والمضرة والمخلة بالآداب وأن يحدوا منها ومن انتشارها في المجتمع, وأن يدفعوا باتجاه أن يكون هناك تعاون بين أبناء المجتمع لتسيير شؤون الحياة بأقل قدر من الفوضى والتسيب والفلتان وانعدام المسؤولية
لا بد للأسر والأفراد, الآباء والأمهات من المساهمة في مقاومة هذا الغزو، ووقف أو الحد من آثار هذه الحرب الشرسة ، ومن أهم أسلحة المواجهة ضرورة تحكم الأسرة في فترات استعمال أجهزة الأنترنت والوآتس والفايس وغيرها من قبل الأبناء، وتحديد المواد الصالحة من غيرها لهم، وعدم السماح لهم بالاطلاع أو مشاهدة المواد المعروضة السيئة دونما ضابط أو رقيب. لا بد من توعية الأبناء والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع خصوصاً عندما تنتشر المنكرات ولا يجوز التراخي في القيام بهذه الفريضة.
لا بد من القيام بحملات توعية باستمرار لترسيخ القيم والاخلاق في المجتمع, وبيان خطورة الحرب الناعمة، وضرورة مساهمة الأسرة والمؤسسات الأهلية في مقاومتها. أمريكا وحلفاؤها يعملون بكل قوتهم لفرض نموذجهم وثقافتهم على أبنائنا وشبابنا وأجيالنا.. ونحن لا بد من أن نعمل في المقابل بكل قوة لمنع هيمنة هذا النموذج على واقعنا ولفرض نموذجنا الإسلامي الإنساني الأصيل الذي يستند الى القيم والأخلاق والعفة والفضيلة.
امريكا وحلفاؤها يعملون لاسكات كل صوت معارض ينطق بالحق ويدعو للتحلي بالقيم والأخلاق والفضيلة. سياسة كم الأفواه وإسكات كل صوت للحق والمقاومة هي السياسة المعتمدة من قبل امريكا وحلفائها من أجل تمرير جرائمهم ومنع وصول صوت المظلومين وقضاياهم المحقة الى العالم . وفي هذا السياق يأتي قرار النيل سات وقف بث قناة “المنار” هذا القرار هو قرار سعودي ومطلب أمريكي وإسرائيلي.
قرار حجب المنار يأتي في سياق الحرب التي تقودها السعودية ومن خلفها العدو الصهيوني ضد المقاومة في لبنان، وهو ترجمة عملية للتناغم والتنسيق القائم بين السعودية وإسرائيل لمواجهة المقاومة في لبنان. حجب “المنار” عن الفضاء لن يخرج السعودية من هزيمتها المحققة في اليمن, ولن يعوض عن فشلها في سوريا ولن يرمم الصورة المهشمة للنظام السعودي بعد المجازر التي يرتكبها في اليمن.. وفي المقابل لن يغير هذا الإجراء من مواقف حزب الله والمقاومة ولن ينال من عزيمتها وإرادتها, وهو تحدي جديد ستنتصر فيه المقاومة, وستبقى المقاومة رغم الضغوطات السياسية والعسكرية والامنية والاعلامية في الموقع الاول والمتقدم لنصرة فلسطين وحماية لبنان من الخطرين الإسرائيلي والتكفيري. والمنار التي عجز العدو الصهيوني في حرب تموز عن إسكاتها، ستبقى صوت المقاومة التي تكشف جرائم الاحتلال الاسرائيلي وتفضح وتواجه الفكر الإرهابي التكفيري الذي ترعاه وتدعمه الوهابية السعودية.
المصدر: خاص