تنص المادة 61 من الدستور اللبناني أنه “في حال خلو سدة الرئاسة لأيّ علة كانت، تناط صلاحیات رئیس الجمهوریة وكالةً بمجلس الوزراء”، وبالتالي ففي حال حصول أي شغور في سدة الرئاسة الأولى في لبنان، فصلاحيات رئيس الجمهورية تنتقل إلى مجلس الوزراء مجتمعا، ولم ينص الدستور في هذه الحالة على أي صلاحيات خاصة لرئيس الحكومة أو لأي من الوزراء، بل أناط صلاحيات الرئيس بالحكومة مجتمعة، ما فتح الجدال عن مدى دستورية وقانونية الجلسات الحكومية والمراسيم التي تصدر عنها.
ولا شك ان موضوع الجلسات الحكومية اليوم في لبنان في ظل حكومة تصريف الاعمال التي يترأسها الرئيس نجيب ميقاتي، هو محل جدل بدأ منذ فترة وعاد اليوم ليتجدد بين مختلف القوى السياسية، ففي ظل “الفوضى” الدستورية، كل فريق يطلق “الاجتهادات” التي تتوافق مع تطلعاته وما يقتنع به، ففي حين يرفض البعض رفضا قاطعا إمكانية عقد الجلسات الحكومية، يذهب فريق آخر الى اعتبار ذلك ممكنا انطلاقا من مدى أهمية المواضيع التي ستبحثها في الجلسة ومدى صفة الاستعجال والضرورة التي تتصف بها، والتفرقة بين المسائل الضرورية وغير الضرورية سيختلف لو نظرنا لها من منظار سياسي أم ناحية دستورية وقانونية موضوعية للامور.
وهنا بيت القصيد، حيث أن صفة الضرورة قد تحمل تأويلات وتفسيرات عدة:
-فلو كانت النظرة سياسية فقط للأمور، سيذهب(انطلاقا من حساباته السياسية) من يرفض عقد الجلسات الحكومية الى نفي صفة الضرورة عن بعض المواضيع، بينما سيضفي عليها ذلك من يريد للجلسات الحكومية ان تنعقد.
-أما لو كانت النظرة قانونية دستورية موضوعية للأمور بعيدا عن الحسابات السياسية فالمسألة ستختلف، حيث ستكون(او هكذا يفترض) النوايا حسنة وتجتمع الإرادات على بديهيات ستعتبر ضرورية ومستعجلة بدون إدخال العامل السياسي والمصلحي والمذهبي من هنا او هناك لإبداء الآراء أو عرقلة الأمور، وبالتالي ستكون المسائل الملحة سواء تعلقت بالصحة او النفايات او الكهرباء او غيرها محل إجماع او توافق بين الغالبية الساحقة من القوى السياسية والكتل النيابية على انها ضرورية بعيدا عن التجاذبات والنكد والشخصانية، اللهم إلا اذا فعلا وجدت مسائل دقيقة قد تختلط بها الأمور بين القوى الوطنية، مع مراعاة ان لا يصبح غياب رئيس الجمهورية هو الحالة الطبيعية وإنما على الجميع التنبه ان كل ما يجري اليوم هو حالة استثنائية ولا يجوز مع الوقت تحويل الاستثناء الى قاعدة واساس.
وبنفس السياق، يمكن البت بالمعيار الذي سيعتمد لتحديد مدى وجوب عقد الجلسة الحكومية بغياب رئيس الجمهورية انطلاقا من المادة 61 من الدستور التي نقلت صلاحيات الرئيس لمجلس الوزراء مجتمعا، فالنظرة الموضوعية الدستورية قد تساعد بفرز القضايا بين تلك التي تحتاج فعلا لجلسة حكومية من عدمه، وبين القضايا التي بالإمكان حلها عبر ما يسمى “المراسيم الجوالة” التي يتم توقيعها بين رئيس الحكومة والوزراء، علما ان مثل هذه المراسيم هناك أيضا اختلافات وآراء متعارضة حول مدى قانونيتها ودستورية.
بكل الأحوال فإن الواقع الدستوري اللبناني يشهد غياب أي جهة دستورية مستقلة تختص بتفسير الدستور لإعطاء الرأي المناسب في ظل عدم وضوح النص وفي الحالات التي تصل بها الأمور الى حائط مسدود كما هو الحال حاليا في لبنان، وبالتالي يجب ان يكون لدينا -كما في كل الدول الديمقراطية الحديثة- جهة قضائية دستورية مستقلة تُعنى بتفسير الدستور بعيدا عن الآراء السياسية، وبعد ذلك بالتأكيد ستكون الأمور أسهل بالنسبة للعاملين في الشأنين الدستوري والسياسي وأيضا بالنسبة لعامة الناس.
ويبقى ان الأمور في لبنان لا تحتاج لكل هذا التمترس خلف الآراء المتصلبة والتي تبحث في تفاصيل التفاصيل، بل تحتاج الى الذهاب فورا لحل المسائل الاساسية العالقة والخروج من الفوضى الدستورية القائمة، والبدء بانتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم تشكيل حكومة أصيلة تقوم بواجباتها الدستورية لوضع البلد على سكة الخروج من أزماته.
المصدر: موقع المنار