“بعد كامب دايفيد وبعد التحولات في العقود الماضية، لو لم يكن هناك دولة اسمها الجمهورية الإسلامية في إيران، أين كانت اليوم فلسطين؟ وأين كانت القدس، وأين كان شعب فلسطين؟ وأين كان لبنان وأين كانت “إسرائيل؟”
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في 01-10-2022
شكل التوقيع على معاهدة كامب ديفيد عام 1979، تتويجاً لمسار من التنازلات المصرية أمام العدو الإسرائيلي، بمباركة أمريكية. وكان الأبرز في هذا المسار، زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى الكيان الإسرائيلي في تشرين الثاني/نوفمبر 1977.
ومنذ نهاية حرب الـ 1973، ودخول مصر في فلك التسويات، تغيرت المعادلات العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط.. فبعد أن كان العرب يقاتلون في جبهة واحدة، خرجت أرض الكنانة من دائرة الصراع، ووقعت منفردة على تلك الإتفاقية. وأراد الكيان الصهيوني من هذه المعاهدة، إخضاع كل الدول العربية، وضمها إلى معاهدات فردية شبيهة، وترك شعب فلسطين يواجه قدره، وبالتالي الإستفراد به.
دخلت المنطقة العربية في حالة إحباط، وانهارت المعنويات التي رفعتها حرب 1973 على الجبهتين السورية والمصرية، وكان من أهم تداعيات كامب ديفيد، انهيار الأمن العربي المشترك، فتلك المعاهدة جعلت مبادئها تسمو على ما عداها من معاهدات أجرتها مصر، ومن ضمنها طبعاً ميثاق الدفاع العربي المشترك.
وبالنسبة إلى الكيان الإسرائيلي، فإن ضمان عدم مشاركة مصر في الصراع، يعد مقدمة للإستسلام العربي الكامل، حيث أن معنى كامب ديفد الفعلي لدى رئيس الكيان مناحيم بيغن في حينها، هو أن الدول العربية لا يمكنها أن تهاجم كيانه من دون مصر، في حين أنه مستمر في سياسته التوسعية، والتي بدأها سريعاً بإجتياح لبنان عام 1978 و1982 على التوالي، وضرب منظمات المقاومة الفلسطينية، وهذا من نتائج تلك المعاهدة المباشرة.
الأمل القادم من الشرق
في ظل تلك الأوضاع المأساوية، خرج من الشرق أمل جديد للأمة، قاده الإمام الخميني (قده)، حيث أنه وبعد 8 أيام بالتمام من انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وبالتحديد في 19 من شباط/فبراير من العام 1979، حُددت السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية، وتحولت سفارة الكيان الصهيوني في طهران، إلى سفارة دولة فلسطين، وتسلم الراحل ياسر عرفات مفاتيح السفارة.
هي أبعد من تحويل إسم السفارة، أو قطع علاقات مع المحتل، واستبدالها بأصحابها الشرعيين، بل هي مسار لسياسة إسلامية، حددت هدف الجمهورية بنصرة قضية الأمة وهي القدس، وطرد المحتلين منها، مهما بلغت التضحيات.
سارت ايران الاسلامية في دعمها لقضية فلسطين وفق محددات عدة، أبرزها رفض المؤامرات والمعاهدات والمخططات الخيانية، التي منحت الشرعية للإحتلال، والدفاع عن الاهداف الفلسطينية وحماية المقاومين. كما تجلت السياسة الإيرانية تجاه فلسطين، بعدم الاعتراف بالكيان الاسرائيلي واعتبار معارضته فريضة اسلامية كبيرة، وبالتالي رفض المساومات والتنازلات والتهاون بالقضية المركزية.
كما أكدت الجمهورية الإسلامية على ضرورة دعم الانتفاضة بشكل الدائم لتحقيق اهدافها بسحق الصهاينة، من خلال دعم المناضلين الفلسطينيين مادياً ومن الحقوق الشرعية، وأيضاً دعم الصمود والصرف لمعالجة اثار العدوان، ومن أبرز هذه المؤسسات، مؤسسة شهيد، والتي تعنى بتقديم المساعدات لأسر الشهداء في قطاع غزة.
كما تسعى السياسة الإيرانية، إلى دعم ثبات وصمود اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الشتات، من خلال السعي إلى تحسين أوضاعهم الإجتماعية، بشكل مباشر، أو غير مباشر، وتقديم المساعدات المادية والعينية، والصحية وغيرها.
القدس قضية المسلمين
وإذا كانت فلسطين جسد الأمة، فإن القدس هي روحها، ولأجلها تخاض الحروب وتذرف الدماء، فهذه المدينة المقدسة من وجهة نظر الجمهورية الإسلامية ليست مسألة تتعلق ببلد ما، بل هي قضية المسلمين وكل الأحرار في العالم.
من هذه المنطلقات، والتي يؤكد عليها شعب فلسطين، وقفت الجمهورية الإسلامية سداً بوجه محاولات إسقاط هذه القضية، بدءاً من رفض معاهدات التطبيع وأبرزها كامب ديفيد، وكان هذا الأمر سبباً في توتر العلاقات بين طهران والقاهرة، ابان حكم الرئيس السابق أنور السادات، ولم تمنع الحرب المفروضة على ايران من قبل النظام العراقي السابق الجمهورية الإسلامية، من تقديم كل الدعم لفلسطين، سياسياً وعسكرياً ومالياً.
ولعل النقلة النوعية التي حققتها الجمهورية الإسلامية، ليس الدعم المالي، بل إحياء قضية فلسطين، ودفعها بإتجاه مستويات عليا، بعد أن كادت تُخمد على طاولات المساومة العربية الصهيونية، وكانت الجمهورية الإسلامية رافعة لتأسيس وإنشاء الحركات الجهادية في فلسطين، والتي اتخذت من الإسلام طريقاً لتحرير المقدسات، فكانت حركة الجهاد الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وغيرها من الحركات الإسلامية.
فالإسلام الذي أعادت الجمهورية الإيرانية إحياء مبادئه، هو الإسلام المحمدي الأصيل، وأولى هذه المبادئ هو الجهاد في سبيل المقدسات، وأي مقدس أغلى من القدس، فهي محور الاشتباك في العالم. فعند الإمام الخميني (قده)، فإن فلسطين هي الفيصل بين الحق والباطل، وبين الاسلام والكفر، والالتزام والنفاق.
وشكل إعلان يوم القدس العالمي الذي دعا إليه الإمام الخميني (قده) محطة سنوية، للتأكيد على محورية القدس وفلسطين في الصراع بين الحق والباطل، وعلى وحدة المسلمين تجاه هذه القضية، خصوصاً وأن هذا اليوم حدد في آخر جمعة من شهر رمضان الكريم. فلقد جعل الإمام الخميني يوم القدس يوماً لإحياء الإسلام، ينبغي فيه على كل مسلم، أن يجهز نفسه لمواجهة الكيان الاسرائيلي.
محور المقاومة
خاضت المقاومة في المنطقة مع الجمهورية الإسلامية حروباً ومعارك عسكرية عدة، في لبنان وفلسطين، بدءاً من دعم تأسيس المقاومة الإسلامية في لبنان، ومدها بالسلاح والأموال لتحرير الأرض، وصولاً إلى تشكيل قوة لردع الإحتلال. وشكلت المقاومة في لبنان ظهراً وسنداً للشقيقتها في فلسطين، حيث تشابكت الخبرات وتضافرت الجهود، وباتت المقاومة في لبنان وفلسطين رقماً صعباً في المعادلات الإقليمية، العسكرية كانت أم النفطية.
وتجلى هذا التعاون في معركة سيف القدس عام 2021، حيث كانت غرفة عمليات المقاومة مشتركة، والتنسيق في أعلى مستوياته من طهران وصولاً إلى فلسطين مروراً بلبنان. وفي معركة وحدة الساحات عام 2022، كانت الساحات نفسها موحدة، ووجهت الضربات لكيان الإحتلال، ولمشروعه التطبيعي، الذي تأسس في كامب ديفيد.
لم يكن محور المقاومة وليد لحظات حماسية، بل نتاج نضال طويل، تخلله العديد من الإنتفاضات في الداخل الفلسطيني، وصمود في مخيمات الشتات، فساحة فلسطين لم تهدأ منذ عام 1918، لحظة دخول الجيش البريطاني إليها، وتهيئة الأرضية لحكم الصهاينة في فلسطين.
وتقود طهران هذا المحور، الذي انضوت تحته حركات المقاومة، وفق عنوان عريض، الوحدة لتحرير المقدسات، فالقدس لن تقاتل لوحدها، فهي قلب الأمة النابض، ومهما بلغت الأثمان، من عقوبات إقتصادية وسياسية وافتراءات إعلامية، فإيران مستمرة في نهجها.. سنصلي في القدس.
الشعب الإيراني والقدس
عبرت السياسة الإيرانية عن نبض الشارع الإيراني الداعم للقضية الفلسطينية، والذي يتحرك وفق رؤية الجمهورية الإسلامية بكل جوارحه نصرة للقضايا الإسلامية، وفي مقدمتها فلسطين، والصراع مع العدو الإسرائيلي. فالعداء مع الصهيونية ليست مجرد سياسة رسمية إيرانية، بل نهج شعبي، يقوم على رفض وجود هذا الكيان، وهذا ما يتجلى في التظاهرات التي تجري في طهران من وقت إلى آخر، دعما لفلسطين.
وتأكيد على هذا النهج، أفرد الموقع الرسمي للإمام الخامنئي على شبكة الإنترنت، مساحة كبيرة خاصة بفلسطين من البحر إلى النهر، فالثورة الإسلامية الإيرانية، لا تنظر إلى الشّعب الفلسطيني لترى إن كانوا من الشّيعة أو السنّة، وتدافع عن أيّ تجمّع يضمّ المسلمين الذين يتحرّكون ويعملون لأجل الإسلام. فالجمهورية الإسلامية بحسب مؤسسيها ومن يسير على نهجها ملكٌ للإسلام والأمّة، وليست لطائفة أو شعب معينين.
المصدر: موقع المنار