ما يقارب نصف قرن على حرب تشرين التحريرية عام 1973 (49 عاماً)، يومها انتقل العرب من مرحلة ملؤها النكبات (1948 وما تلاها من أحداث) والإنتكاسات (1967)، نحو مرحلة جديدة عنوانها الأمل والثقة بالنفس، بالإضافة إلى التحرير والإنتصار.
لم يكن يومها خط بارليف (من أصعب الموانع المائية في العالم) المنيع في سيناء الذي سقط في الجبهة المصرية، ولا خط آلون في القنيطرة على الجبهة السورية، إنما جدار الخوف لدى العرب، وشعرت الأمة بالتوحد من المحيط إلى الخليج لأول مرة في التاريخ الحديث، في سابقة يبدو أنها لم تتكرر، حتى الآن، على أقها على المستوى الرسمي.
ولعل الموقف الرسمي العربي وقتها، لعب دوراً مهماً في الأحداث.. فبالإضافة إلى بسالة الجيشين المصري والسوري، والقوات العربية التي قاتلت على الجبهة السورية وأبرزها العراقية والأردنية، كان للموقف العربي باستخدام سلاح النفط ضد الدول الغربية، احدى النتائج المهمة في تلك الحرب، حيث صدمت لندن وواشنطن بهذا القرار، بحسب وثائق مسربة حديثاً.
ففي مؤتمر الكويت عام 1973، قرر وزراء الطاقة العرب خفض الإنتاج النفطي، إلى أن يتحقق الإنسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة، ما دفع بالدول الأوروبية إلى الإعتراف بالحقوق العربية، وإدانة الممارسات الإحتلالية لكيان العدو الإسرائيلي. كما استخدم العرب والمسلمين مقاييس جديدة في علاقاتهم الدولية، ما أدى إلى أن تقطع غالبية الدول الأفريقية علاقتها بكيان الإحتلال.
ومن النتائج الأساسية لتلك الحرب، بروز المقاومة الفلسطينية كقوة مقاتلة، وأيضاً عودة قضية فلسطين إلى اجتماعات الأمم المتحدة، كقضية سياسية، وليس كقضية لاجئين، كما أرادتها الدول الداعمة للإحتلال وعلى رأسها الولايات المتحدة.
سريعاً، حاولت الولايات المتحدة الإلتفاف على النتائج الهامة لتلك الحرب، ونشط وزير خارجيتها هنري كيسنجر على خط جميع الأطراف، وطرحت التسويات الأميركية القائمة على ما يسمى “السلام العادل والشامل”، وتصاعدت أصوات عربية، تنادي بالصداقة مع واشنطن، وتصور أن الحل بيدها، ووصل بها الأمر إلى محاولات وضع الإتحاد السوفياتي بمستوى أميركا بالنسبة إلى العلاقات مع الدول العربية.
وهنا، بدأت مرحلة سياسية جديدة في المنطقة، وطرحت مسألة التسويات، وكان سقف هذا الملف، القرار الدولي رقم 242 الصادر عام 1967، والقرارين 338 و 339 الصادرين عام 1973.
وبعد أن تحقق لكيسنجر ما أراد، بفصل المسارات العربية، توجت نشاطاته بتوقيع أول مذكرة تفاهم بين أمريكا والكيان الإسرائيلي، تعهدت فيها واشنطن بتلبية حاجات الكيان العسكرية والإقتصادية والطاقوية.
واكمل الرئيس الأميركي جيمي كارتر السياسة الأميركية الداعمة للكيان، وخرجت مصر من معادلة الصراع بعد توقيعها “اتفاقية كامب دايفد للسلام” مع العدو الإسرائيلي عام 1978. وبعد مصر، وقع الاردن اتفاقية مماثلة عام 1994 (اتفاقية وادي عربة).
ومؤخراً إنضمت الإمارات (2020 – اتفاق ابراهام)، السودان (2020)، المغرب (2020)، البحرين (2021 – اتفاق ابراهام)، إلى اتفاقيات التطبيع مع العدو الإسرائيلي، في حين تقيم العديد من الدول العربية الأخرى علاقات سرية وعلنية مع الإحتلال، وأبرزها السعودية. وتخطت اتفاقيات التطبيع العلاقات السياسية، إلى التطبيع الثقافي والإقتصادي وحتى الديني.
في خضم حفلة التطبيع تلك، على دماء شعب فلسطين، بقيت سوريا ولبنان والعراق وحدهم في الصراع العربي الإسرائيلي، ويضاف إليهم الجزائر، وبعض الدول الأخرى، حيث تمكنت الولايات المتحدة بالتعاون مع حكومات عربية مرتهنة، من تحويل التحرير والحل العربي بالتوحد، إلى تطبيع وتقسيم للمنطقة.
على مستوى الشعوب العربية، ورغم ما تقوم به وسائل إعلامية حكومية وخاصة تابعة لشخصيات نافذة، من محاولة محو الهوية العربية المتصلة تاريخيا وثقافيا وحضارياً بفلسطين -القضية المركزية-، فإنها على موقفها العدائي مع دولة الإحتلال، ومع مقاومة الشعب الفلسطيني، في سعيه إلى التحرر، واستعادة المقدسات، حتى لو كلفه الأمر، القتال والشهادة.
المصدر: موقع المنار