نص الخطبة
يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا).
قبل ايام مرت علينا ذكرى شهادة الإمام الحسن المجتبى(ع) وذكرى ولادة الإمام موسى الكاظم (ع) في السابع من شهر صفر.
ما يجمع بين هذين الإمامين(ع) هو قيم الإيمان والتقوى والعصمة والصدق وكل الصفات والقيم الإلهية والإنسانية وفي مقدمة ذلك صفة الأمانة.
والأمانة هي من الصفات الأخلاقية والإجتماعية التي يجب أن يتحلى بها المؤمن ويجعلها جزءا من سلوكه وطريقة تعامله مع الآخرين.
وبالعود الى النصوص والأحاديث نجد تركيزاً كبيراً على هذه الصفة بحيث اعتبرت الأمانة من أهم منظومة القيم الأخلاقية في الإسلام، وأنها عنوان الإنسان المسلم والمؤمن الحقيقي، بل جعلت في بعض الأحاديث معياراً للإيمان والتدين والإلتزام، كما في الحديث عن الامام الصادق (عليه السلام:( لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده فإنّ ذلك شئ اعتاده فلو تركه استوحش لذلك, ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته.
وعن النبي(ص) قَالَ: لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ .
والأمانة تشمل كل ما يتحمل الإنسان مسؤوليته سواء كان أمراً دينياً أودنيوياً، إلا أنها تطلق في الغالب على الأمانة المالية والمادية, فعند الحديث عن الأمانة فإنّ أغلب النّاس يتبادر إلى أذهانهم الأمانة في الأمور الماليّة او اشياءالتي لها قيمة مادية ، إلّا أنّ الأمانة بمفهومها الواسع تستوعب جميع المواهب والنعم الإلهيّة التي أنعم الله بها على الإنسان والتي يتحمل الإنسان مسؤوليتها في الحياة.
جميع النعم المادّيّة والمواهب المعنويّة التي انعم الله بها على الإنسان هي في الحقيقة أمانات إلهيّة بيد الإنسان، فالإسلام أمانة ، والأعضاء والجوارح أمانة، والأموال والثروات المادّيّة أمانة والمواقع والمناصب والمسؤوليات الاجتماعيّة والسياسيّة والعسكرية وغيرها هي أمانة يجب مراعاتها وحفظها بالقيام بها وادائها بشكل صحيح.
الأولاد أمانة أيضاً بيد الوالدين، والطلّاب أمانة بيد المعلِّمين، الموارد والثروات الطبيعيّة أمانة لا ينبغي التفريط فيها، كل هذه الأمور هي أمانات يجب الحفاظ عليها والتعامل معها بشكل سليم.. إلا أن ابرز أنواع ومصاديق الأمانات هي:
1- الأمانة الماليّة والأمانة في الودائع:فحفظ الأمانات المالية والمادية والودائع وأداؤها لأصحابها واجب عندما يطلبونها كما هي, ولا يحق للإنسان ان يتصرف بها، أو يتهاون في حفظها وصونها, سواء كانت مالاً او عقاراً أو ملكاً أو أي شيء آخر حتى الخيط والمخيط. تماماً كما فعل رسول (ص(مع المشركين عندما هاجر الى المدينة ، فقد كانوا يتركون ودائعهم عند النبي (ص)ليحفظها لهم,وهو الذي كان معروفاً عندهم بالصادق الأمين, فلما هاجر أمر علياً(ع) بأن يؤدي الأمانات الى أهلها, وقد يكون فيهم من عادى النبي(ص) ووقف في وجهه ووجه دعوته ورسالته.
فالأمانة المالية والودائع التي نؤتمن عليها يجب أن نؤديها الى أهلها: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾
وورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: “أُقسم لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لي قبل وفاته بساعة مراراً ثلاثاً:يا أبا الحسن أدِّ الأمانة إلى البرّ والفاجر في ما قلّ وجلَّ حتّى في الخيط والمخيطِ”.
البعض قد يظن أن له أن يتهاون في حفظ أمانة الفاجر طالما هو فاجر, وأن له أن يخون أمانته وأن يسلبها ولا يؤديها اليه, خصوصاً اذا كان الفاجر من غير ملته وعلى غير دينه.. فيستحل ماله وأمانته! وهذا غير صحيح, لأن ذلك خيانة كخيانة المؤمن , فكون المؤتَمِن فاجراً أو كافراً أو فاسقاً لا يبرر لك أن تستبيح ماله وأمانته.
الإمام زين العابدين عليه السلام: “عليكم بأداء الأمانة فوالّذي بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحقّ نبيّاً لو أنّ قاتل أبي الحسين بن عليّ (عليه السلام) ائتمنني على السيف الّذي قتله به لأدّيته إليه”.
2- الأمانة في العمل: فالعمل الذي يؤتمن عليه الإنسان هو أمانة في عنقه يتحمل مسؤوليته وعليه أن يقوم به على أكمل وجه.
فالمسؤول عن العمل والعامل والموظف عليه أن يتقن عمله ويؤديه بجودة وجد واجتهاد وأمانة،, أن يراعي دوامات العمل فيواظب على الحضور والخروج في الوقت المحدد, وأن يحفظ أموال العمل الموضوعة بين يديه ولا يتصرف بها خارج الإطار المجاز به, ويراعي تجهيزات العمل وممتلكاته ويحافظ عليها لأنها أمانة بين يديه, فليس له أن يتصرف بها كما يحلو له أو يعرضها للتسيب أو التلف.
فقد ورد عَنْ النَّبِيَّ (صَ): إِنَّ الله يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً للأشعث بن قيس: “وإنّ عملك ليس لك بطعمة ولكنّه في عنقك أمانة. يعني عملك ليس ملك خاص لك تتصرف به كما تريد ، وإنما هو أمانة يلزمك الحفاظ عليه.
3- الأمانة في البيع والشراء والمعاملات : أن يكون المؤمن أميناً عندما يبيع أو يشتري أو يجري أي معاملة مالية وتجارية, وذلك بأن لا يغِشُّ أحدًا، ولا يحتال على أحد, ولا يغدر بأحد ولا يخون أحداً، ولا يكذب ولا يراوغ ولا يخالف التزاماته ووعوده..
في الحديث؛ أَنَّ النَّبِيَّ (ص) مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَأَعْجَبَهُ ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ ، فَإِذَا هُوَ طَعَامٌ مَبْلُولٌ( يعني فاسد) ، فَقَالَ النَّبِيُّ (ص): لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا.
4- أمانة الأسرار:الأسرار أياً كان نوعها سواء كانت شخصية أو متعلقة بالعمل أو كانت اسرارا أمنية أو عسكرية أو سياسية أو غير ذلك هي أمانة عند من يطلع عليها , بعض الأحيان يطلع الإنسان بحكم القرابة أو بحكم الجيرة على بعض الأسرار الشخصية الداخلية لهذه العائلة أو لتلك ولهذا البيت أو لذاك, كأن يطلع على أخطاء الزوج أو الزوجة أو الأولاد وسلبياتهم وزلاتهم, أو في بعض الأحيان الزوج يفضي لزوجته أو لأولاده بسر أو الزوجة (تفضفض) لزوجها بأسرار معينة, افشاء هذه الاسرار والتحدث بها ونشرها ونقلها خيانة خاصة اذا كانت عيوب وسلبيات ومشكلات داخل البيت او العائلة فن نشر ذلك يعد من افشاء العيوب. عن النبي(ص): إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ (أي خيانة الأمانة) عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا.
أحياناً الشخص بحكم موقعه ومسؤوليته يطلع على بعض الأسرار السياسية أو العسكرية, أحياناً الإنسان يكون في مجلس أو في محفل أو في سهرة أو في مقهى فيسمع بعض المعلومات والأسرار, كل ذلك أمانة بيد الإنسان ويجب عليه حفظها وعدم خيانتها وإفشائها والبوح بها في أي ظرف من الظرف, فالمؤمن يجب أن يحفظ سر أخيه ولا يخونه ولا يفشي أسراره الشخصية، ويجب أن يحفظ أسرار العمل, ويحفظ الأسرار العسكريةَ والسياسية وغيرها حتى ولو سمعها في أماكن عامة أو كان يتم التداول بها في المجالس او على وسائل التواصل الاجتماعي..
فقد ورد عن النبي(ص)أنّ: “المجالس بالأمانات” لأنّ في المجالس أسراراً وخصوصيّات لا ينبغي إفشاؤها.
5- وأخيرا الثروات والموارد الطبيعية والممتلكات العام والأقسام المشتركة وكل ما يتصل بشؤون الناس العامة ويعتبر أمرا عاما يشترك فيه الجميع، مثل النفط الغاز الاحراش الحدائق الطرقات الأرصفة الحدائق المشاعات الأقسام المشتركة في المباني مضخات المياه محطات الكهرباء مواقف السيارات الخ كل هذه الأمور هي أمانات لا يجوز التفريط فيها بل يجب الحفاظ عليها وحمايتها وعدم التعدي على الاملاك العامة والاقسام المشتركة وعدم استعمالها بما يلحق الضرر بالآخرين .
اليوم الأزمات المعيشية والحياتية تتفاقم ، والدولار في حالة ارتفاع دائمة، و الأزمات تشتد أكثر فأكثر نتيجة الحصار والحرب الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية ضد الشعب اللبناني، وهذا يتطلب الاسراع في تشكيل حكومة كاملة الأوصاف تعمل سريعًا على منع الانهيار الكامل وتأمين المستلزمات الحياتية والمعيشية.
وحزب الله يشجع المساعي والجهود المبذولة لتشكيل الحكومة ويساعد على انجاحها ويدعو كل الاطراف المعنية الى تقديم التنازلات والتسهيلات التي تساعد على تفاهم سريع حول الحكومة لتقوم بمسؤولياتها على مختلف الصعد في هذه الظروف الحساسة والحرجة التي يمر بها البلد.. والى حين تشكيل حكومة جديدة فان على حكومة تصريف الاعمال المبادرة الى ايجاد حلول سريعة لانقاذ العام الدراسي والجامعي وتامين اكلاف تشغيل المرافق الحيوية كالكهرباء والمياه والاتصالات والاستشفاء وغيرها من الامور الحياتية فان هذه الامور لا تحتمل التأجيل او التراخي ولا يصح ربطها بالاستحقاق الرئاسي او غيره من الاستحقاقات .
المصدر: بريد الموقع