ركزت افتتاحيات الصحف المحلية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاربعاء 31 آب 2022، على الوضع في العراق وترسيم الحدود في لبنان…
البناء:
العراق يتجاوز قطوع الحرب الأهليّة: الصدر يسحب أنصاره… والكاظمي يلوّح بخلو المنصب
الامام الخامنئي: وقاحة واشنطن بأن تطالبنا بضمانات وكأننا نحن مَن انسحب من الاتفاق
الرئيس بري يرسم خريطة الطريق اليوم… والكابيتال كونترول سرّ حكومة تصريف أعمال
كتب المحرّر السياسيّ
نجا العراق من فخ الحرب الأهلية التي كانت شرارتها الأولى قد اندلعت في المنطقة الخضراء، ونجحت مساعي إطفائها بتجاوب السيد مقتدى الصدر مع المطالبات بدعوته لسحب انصاره الذين تحولوا من اعتصام مدنيّ الى ميليشيا مسلحة تطلق النار على الجيش والقوى الأمنية وتقصف بالهاون أماكن سكن المدنيين. وحقق بيان الصدر له مكانة في عيون العراقيين والجهات الخارجية بعدما كانت أفعال مناصريه قد حاصرته وجعلته في وضع شديد الصعوبة، لكن غياب الحلول السياسية التي تفتح الطريق لمسار ينتهي بتشكيل حكومة وانتخابات نيابية مبكرة كما جعل الأزمة تبقى كالجمر تحت الرماد، وفيما تتجه الأنظار لمرجعية السيد علي السيستاني بمساندة إيران، لتشكيل لجنة خبراء تقوم بصياغة مسودة لتفاهم سياسي وطني يعرض على الفرقاء، جاء كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي، التي يرفض الإطار التنسيقي توليها مهمة الإشراف على الانتخابات، يسرع بالضغوط طلباً للمبادرات السياسية، بعدما أعلن الكاظمي عزمه إعلان خلو منصب رئيس الحكومة في وقت مناسب، فيما بدا أنه نوع من الاستفتاء المبكر على بقائه في رئاسة الحكومة من جهة، وأداة ضغط على القوى السياسية وفي مقدّمتها الإطار التنسيقي للتراجع عن تحفظاته على بقائه في منصبه، من جهة موازية، وفقاً لما تراه مصادر عراقية على صلة بالملف الحكومي.
إيران التي كانت على صلة بمتابعة المشهد العراقي، تضغط على الجميع لتفادي الوقوع في الفتنة، أعلنت فور انتهاء المواجهات إعادة فتح حدودها وإتاحة السفر لزوار أربعينية الإمام الحسين بزيارة الأماكن المقدسة في العراق، فيما كانت مواقف لافتة تصدر عن مرشدها الإمام علي الخامنئي لجهة نقد شديد اللهجة للسياسات الأميركية تجاه إيران، خصوصاً ما وصفه بالوقاحة الأميركية في التعامل مع الملف النووي الإيراني ومطالبة إيران بالضمانات كأن إيران هي مَن انسحب من الاتفاق المبرم، مشيراً الى أن إدارة الرئيس جو بايدن تطرح العناوين والمواقف ذاتها التي كانت تمثل سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب، وتسعى لتحقيق الأهداف ذاتها التي كان يسعى ترامب لتحقيقها، ورأت مصادر متابعة للملف النووي الإيراني ان مواقف السيد الخامنئي لا تعني انسداد طريق التفاوض، بقدر ما تعني تحقيقاً للتوازن الذي تحرص عليه إيران في تظهير موقفها الثابت وصلابتها في مواجهة الخطاب الأميركي. ودعت المصادر الى التوقف أمام ما قاله وزير الخارجية الإيرانية أمير عبد اللهيان في توصيف زيارته لموسكو، بكونها ضمن مسعى بتشجيع من عدد من الدول الغربية لطرح مبادرة لحل الأزمة الأوكرانيّة.
لبنانياً، ينتظر اللبنانيون والمعنيون بالملف اللبناني كلمة رئيس مجلس النواب نبيه بري التي سيلقيها اليوم في ذكرى تغييب الإمام السيد موسى الصدر، والتي ينتظر أن تتضمن خريطة طريق يرسمها رئيس المجلس المعني الأول بالاستحقاق الرئاسي الذي يدخل مهلته الدستورية، والشريك في الملف الحكومي وإنقاذه من المسار المتعثر، بينما تعتقد مصادر سياسيّة متابعة للمسار الحكومي أن ما جرى ويجري في مناقشة قوانين الإصلاح المالي في اللجان النيابية، والتهرب الحكومي من وضع صيغة نهائية مكتوبة كأساس للنقاش، كما تفترض مسؤوليتها، سواء في الموازنة العامة للدولة ومن ضمنها الدولار الجمركي، أو في مناقشة خطة التعافي المالي، وصولاً لما شهده أمس المجلس في مناقشة مشروع الكابيتال كونترول، تشكل سر تمسك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بحكومة تصريف أعمال وتهرّبه من صيغ الحلول المطروحة للوضع الحكومي، بما فيها تعويم الحكومة الحالية، لأن حكومة كاملة الصلاحيات الدستورية لا تملك فرصة التذرّع بكونها حكومة تصريف أعمال لتقديم صيغ ناجزة للملفات العالقة بسبب تهرّب ميقاتي وفريقه من تقديم صيغ تغضب أحد فريقين لا يريدون إغضاب أحدهما، المصارف ومصرف لبنان من جهة، وصندوق النقد الدولي من جهة مقابلة.
وفيما يراوح ملف تأليف الحكومة مكانه من دون أن تُفضي المساعي الجارية إلى نتائج إيجابية وعملية، خطفت ساحة النجمة الأضواء والتي شهدت نقاشاً طويلاً ومستفيضاً لمشروع قانون «الكابيتال كونترول» في اللجان النيابية المشتركة، والذي سقط بعدما رفضت أغلب الكتل النيابية الصيغة التي طرح فيها. وقد انتهت الجلسة الى توافق في اللجان على الطلب من الحكومة إرسال خطة التعافي للبحث فيها مع مشروع «الكابيتال كونترول».
ووفق معلومات «البناء» فإن كتل التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة والقوات اللبنانية واللقاء الديمقراطي والتيار الوطني الحر وقوى التغيير، رفضت صيغة المشروع لتعارضها مع الأهداف المتوخاة من هذا القانون، وإذ استشعر النواب ممارسة الحكومة الضغوط لتمرير هذا المشروع من دون معايير واضحة وعلمية ويراعي مصالح المصارف دون مصالح المودعين، ويسمح بمزيد من التحويلات الاستنسابية لكبار النافذين وأصحاب رؤوس الأموال.
وعلمت «البناء» أن التحويلات المالية الى الخارج عبر المصارف لم تتوقف ولا زالت مستمرة حتى الساعة، كما علمت أن سجالاً حاداً حصل بين عدد من النواب ونائب رئيس الحكومة سعادة الشامي بعد رفضه الأخذ بملاحظات النواب على «الكابيتال كونترول»، وسأل بعض النواب الشامي عن القوانين الإصلاحيّة وخطة التعافي الاقتصادي والسبب الذي دفع برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لسحب خطة النهوض وتأخير القوانين الإصلاحية الضرورية التي يجب أن تقر بالتزامن والتوازي مع إقرار الكابيتال كونترول.
وتساءلت أوساط نيابية عبر «البناء» عن جدوى إقرار الكابيتال كونترول بعد تهريب وتحويل عشرات مليارات الدولارات الى الخارج قبل أحداث 17 تشرين 2019 وبعدها بتسهيل من المصارف ومصرف لبنان وقوى خارجية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، واضافت: ما الجدوى من إقرار هذا القانون اذا لم يقترن مع إقرار قانون استعادة الأموال المحولة والمنهوبة والمهربة الى الخارج؟
وأشارت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر لـ»البناء» إلى أن «مشروع قانون الكابيتال كونترول الحالي لا يصلح، ويُخفي أهدافاً مبيتة لا سيما حماية مصالح المصارف وقضم أموال المودعين وتحميلهم المزيد من الخسائر، ولا يضمن وقف التحويلات الى الخارج»، ودعت الى «إقرار بند وحيد هو وقف التحويلات الخارجية وحماية أموال المودعين».
وفي سياق ذلك، قال رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل: «مرة جديدة بعد ٣ سنوات، نفشل في تشريع ضبط التحويلات المالية للخارج، اضافة لعدم اقرار قانون استعادة الاموال المحوّلة للخارج. يبدو ان التمسك بإبقاء الاستنسابية بتحويل اموال بعض المودعين المحظيين، وبإبقاء النزيف المالي لا زال أقوى منا. لا إرادة سياسية للإصلاح، ولا أكثرية له في المجلس».
وأشار نائب رئيس مجلس النواب، الياس بو صعب، في تصريح بعد جلسة اللجان، الى أن «هناك وجهات نظر عديدة بشأن قانون الكابيتال كونترول، واقترحت تشكيل لجنة عمل من اختصاصيين لأخذ وجهة نظرهم بشأن القانون». ولفت الى «أنني مُتحيّز للمودعين ولست من حزب المصارف، وليس لديّ أي مصلحة مع أيّ مصرف وأعددنا مُلخصاً لقانون الكابيتال كونترول الذي اقتصر على مختلف الجوانب التقنيّة وليس صحيحاً أننا نقدم مشروعاً بديلاً للقانون».
وذكر أن «النواب أجمعوا على إيجاد حلّ يعطي الأولوية للحفاظ على أموال المودعين والحفاظ على المصارف». وأوضح «أننا لا نستطيع كمجلس نيابي الطلب من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حضور الجلسة، وصعبٌ ما يُعمل عليه اليوم في المجلس النيابي لأنّه لا يجوز السماح بتفليس المصارف وخطّة التعافي تتطلّب عدّة قوانين مترافقة معها».
وأشار عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي حسن خليل، الى أن «حقوق المودعين المنصوص عليها في الدستور والقانون لا يجب المساس بها، والثنائي الشيعي معني بضرورة تشكيل الحكومة سريعاً، ولن نسمح لأنفسنا بالتدخل بصلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة، ولن نقبل بأي شكل رمي الاتهامات».
ولفت خليل، الى أن «الحكومة اليوم وللأسف لم تتقدّم بأيّ فكرة ولم تدافع عن مشروع قانون الكابيتال كونترول ولم تقدّم أيّ أسباب موجبة حول ما يمكن أن يؤدّي إليه إقرار هذا القانون»، موضحاً «أننا نريد حكومة تدير قضايا الناس وشؤونها وليس لإدارة الفراغ الرئاسي«.
ولمس النواب وفق معلومات «البناء» تجاهلاً ولامبالاة من نائب رئيس الحكومة ووزير المالية، ما يظهر ارتياح الحكومة لكونها مستقيلة وتُفرض على المجلس النيابي الذي لا يستطيع مراقبة ومساءلة حكومة مستقيلة وطرح الثقة فيها، ما يعطل دور المجلس النيابي طيلة المرحلة الحالية، لذلك يجب تأليف حكومة جديدة.
ولم يسجل المشهد الحكومي أي جديد، وسط غموض يلف زيارة الرئيس المكلف الى بعبدا للقاء رئيس الجمهورية.
وشدد مصدر نيابي في التيار الوطني الحر لـ»البناء» الى أن «على الرئيس المكلف احترام تكليف مجلس النواب ويسارع الى تأليف حكومة، لا أن يضع التكليف في جيبه ويحجم عن تأليف الحكومة، ولا تحميل البلاد وزر ومخاطر الذهاب الى الفراغ الرئاسي بحكومة تصريف الاعمال، وتظهر الوقائع أن ميقاتي لا يريد تأليف الحكومة وعلى المجلس النيابي إعادة النظر بالتكليف، وبعد تكليفه رمى ميقاتي مسودة حكومية عند رئيس الجمهورية ولا يزال يتحدث بها حتى الساعة».
وأضاف المصدر: «صحيح أننا في نهاية العهد لكن لا زلنا الكتلة الاكبر في المجلس النيابي، ولسنا في عهد الرئيس ميشال سليمان، ولا يستطيع ميقاتي وضع التكليف في جيبه، بل مجبر على تأليف حكومة». وحذر المصدر من رسائل جديدة سوف تتوالى على ميقاتي، لتصحيح الاداء والادارة القائمة، معتبراً أن الحكومة ساقطة دستورياً بحكم انتخاب مجلس نيابي وغير حائزة على ثقة المجلس النيابي، فضلاً عن أن الحكومة المستقيلة لم تحرز أي إنجازات ولا قوانين إصلاحية ولا موازنة ولا خطة نهوض وتعافٍ اقتصادي».
وأوضح المصدر أنه «من المحتمل أن ينتفي موجب التكليف لميقاتي مع إعادة نظر بعض النواب بالتكليف ما يجعل من الصعوبة بقاء ميقاتي في منصة التكليف»، ودعا المصدر «الثنائيّ الشيعيّ الى سحب الثقة من ميقاتي لدفعه نحو تأليف الحكومة، لكون الثنائي أوصل ميقاتي الى سدة التكليف». وكشف المصدر أن سبب تردد ميقاتي بتأليف الحكومة هو خوفه من طرح رئيس الجمهورية قضايا أساسية من خارج جدول الاعمال على البحث وتحديداً إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولذلك يستأخر التأليف حتى انتهاء العهد وانتخاب رئيس للجمهورية.
وحذر تكتل لبنان القوي بعد اجتماعه الدوري «من أية محاولة لتجاوز الدستور والميثاق من خلال منح الحكومة المستقيلة صلاحيات القيام مقام رئيس الجمهورية والتمهيد لفترة من الحكم من دون رئيس للجمهورية»، ونبّه التكتل الى أن «مثل هذا الاتجاه سيودي بالبلاد الى فوضى دستورية وربما أكثر وهذا ما لن نسمح به»، مؤكداً أنه «معني بوصول رئيس للجمهورية يعكس بتوجهاته مرحلة جديدة ومختلفة لمواكبة مرحلة من التطوير الذي يحتاجه نظامنا السياسي والاقتصادي والإداري والذي لا بد من أن تتولاه السلطات التشريعية والتنفيذية».
من جهته، سجل ميقاتي سلسلة مواقف في دردشة إعلاميّة مشيراً الى أنه «لم يمانع ان يُسمّي الرئيس عون البديلين من وزيري الاقتصاد والمهجرين، باعتبارهما من حصته، لكنه لفت الى انه بحاجة للحصول على دعم نواب عكار السنّة ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لتنال الحكومة الثقة المطلوبة». وفيما أبدى تفاؤلاً في تشكيل الحكومة واستعداداً لبلوغ هذا الهدف، شدد ميقاتي على ان «الأهم انتخاب رئيس للجمهورية». وقال: «اولويتنا العمل على انقاذ البلد وتشكيل الحكومة، اما الجدال والسجال فله هواته وليقولوا ما يشاؤون فالحقائق واضحة والدستور واضح».
ووصف ميقاتي، علاقته مع رئيس الجمهورية، «بالجيدة». وكشف ميقاتي أنه «وفي زحمة الانتخابات النيابية في شهر أيار الماضي ولدى سؤال الرئيس عون له عن الحكومة المقبلة، سارع إلى الإجابة بصراحة قائلا انه لا يتوقع أن تكون هناك حكومة بعد الانتخابات لأن أحداً لن يرضى بتشكيل واحدة “على ذوقك” تكمل مسيرة العهد».
ونفى أن «ما يُشاع من قبل بعض المحيطين بعون عن عدم استعداده لتأليف حكومة»، مؤكداً أنه «لو لم يكن راغباً بذلك لما قدم تشكيلة فور الانتهاء من الاستشارات النيابيةغير الملزمة، وهذه التشكيلة، وخلافاً لما يزعم البعض، ليست منزلة بل قابلة للأخذ والرد بينه وبين رئيس الجمهورية».
وعن البيان الذي صدر عن المجلس الإسلامي الشرعي الاعلى كشف ميقاتي، أنه «اطلع عليه بعد صدوره وثمن مضمونه، وقال “ان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان عمل على ان يكون “هادئاً” موضوعيا فيما كانت أصوات عدد كبير من الأعضاء توده ”حاداً” ومباشراً في الرد على رئاسة الجمهورية».
وعن الفيول الإيراني المقدم كهبة لفت ميقاتي الى أنه «مرحّب به وهناك لجنة فنية تدرس مواصفاته فإذا ما وجدته مطابقاً سنقبل الهبة».
على صعيد آخر، أكد رئيس المجلس الدستوري طنوس مشلب، أن «وزارة الداخلية والبلديات لبّت كل طلبات المجلس بخصوص ما طلبته للتدقيق بالطعون».
ولفت في تصريح الى أن «هيئة الإشراف على الانتخابات تقوم بواجباتها والعمل يسير بشكل مقبول، وكل ما قيل من قبل سياسيين أو وسائل إعلام حول قبول طعون ورفض أخرى هو أمر غير مقبول ولا تزيد عن كونها تكهنات أو توقعات لا أساس لها من الصحة«.
وأردف: «لم نطلع بعد على التقارير، وما يُحكى عن نتائج الطعون هو تقديرات بغير محلها ولا أحد حتى الآن يعرف النتيجة».
الاخبار:
العراق ينجو (مؤقتاً) من الفتنة: الصدر يثبّت نفوذه
لم يكن للعراق من أمل كبير في العودة عن حافّة فتنة الاقتتال الشيعي – الشيعي، والتي بدت أمس فقط حتمية، إلا بالطريقة التي انتشله فيها مقتدى الصدر منها، مُقدِّماً نفسه كأب روحي للعراقيين يستطيع فعل ما لا يستطيعه الآخرون في اللحظات الحرجة، على رغم اتّهامه بأنه هو مَن أوصل الأوضاع إلى هذا التأزم في المقام الأول. وكان بدا بالفعل أن قوى “الإطار التنسيقي” التي سعت إلى تجنّب الاقتتال، لن يطول بها الأمر قبل أن تُدفع مرغمة إليه، وإن كانت سلسلة ظروف أخرى داخلية وخارجية قد أسهمت في عدم وصول الأمور إلى نقطة اللاعودة، بالتالي في النتيجة الطيبة التي انتهت إليها الأحداث، على رغم المأساة التي مثّلها سقوط هذا الكم من الضحايا. على أن ما ينتظر العراق في المرحلة المقبلة لن يكون أيسر من “القَطوعات” التي مرّت بها البلاد إلى الآن، حيث ستجد القوى السياسية نفسها أمام مأزق متجدّد، مع معطى إضافي متمثل في تمسك الصدر باعتزال السياسة، الأمر الذي يعني ضيق الخيارات أمام تلك القوى، في ظل اضطرارها الحتمي لمراعاته وجمهوره في الخطوات التي قد تُقدِم عليها
قلما شهدنا في الأزمات التي تدور في هذا البلد أو ذاك من بلدان العالم، شيئاً شبيهاً بما حدث في العراق خلال اليومَين الماضيَين. كيف لبلد أن يعود بهذه السرعة من حافة الفتنة، أو حتى من أتون الفتنة نفسه، إلى جادة البحث عن حلول سياسية لأزمته، بمعزل عن صعوبة هذه الحلول؟ لا تفسير لذلك إلا وجود رجل مِن مِثل مقتدى الصدر، لا يخلو من ما يبدو أنه «تقلب» سريع في المواقف، على رغم أن هذا التقلب يمكن أن يفرضه التعامل الطبيعي مع الأحداث، ولا سيما لناحية تطوراتها غير المتوقعة التي تفرض انعطافات حادة.
مما لا جدال فيه أن مقتدى يملك تأثير «السحر» على أنصاره، وهو «سحر» لا ينفك يزداد مع المواقف الجريئة التي يتخذها، والتي تعكس في نظر هؤلاء صدقاً واستقلالية في القرار، ما يجعلهم يطيعونه طاعة عمياء، بحيث يستطيع دفعهم إلى الانسحاب من وسط معركة سقط لهم رفقاء فيها قبل ساعات أو حتى دقائق قليلة، انسحاباً تاماً، في أقل من مهلة الستين دقيقة التي منحهم إياها لفعل ذلك. وعلى رغم أن الرجل يستند إلى تراث كبير يمثله ظل الشهيدَين الصدرَين، والده آية الله محمد محمد صادق، وعمه آية الله محمد باقر، إلا أنه هو نفسه يملك كاريزما ما عاد يمكن إنكارها، تستجيب لأكثر ما يفتقده العراقيون الغارقون في بؤس غير متناسب مع الثروات الهائلة للعراق، وإنما المنهوبة، من خلال الإصرار – بمعزل عن مدى صدقية هذا الطرح – على العمل لإنهاء الفساد، حيث نجح في إظهار نفسه بوصفه الأكثر استشعاراً للمظالم التي يعاني منها مواطنوه، من بين كل رجال السياسة الذين طاولت معظمهم لوثةُ الفساد، ما أساء إلى القضايا التي يطرحونها، حتى لو كانت مُحقة.
بهذا المعنى، ما قام به مقتدى سيزيد في رصيده الشعبي على الأرجح، ويجعله طرفاً لا يمكن القفز فوقه أو تجاوُزه في أي شيء يتعلق بمستقبل العراق، حتى لو كان معتزلاً السياسة، وفق ما أظهرت استجابة القوى السياسية العراقية للطريقة التي أخرجها الرجل بها من هذه الورطة الجماعية. وأكثر من ذلك، وربما هذا أكثر ما يطمح إليه الرجل، فإن ما حصل قد يضعه على طريق احتلال أحد مواقع المرجعية السياسية، التي لا يخفى تطلعه إلى أن يضيف إليها، يوماً ما، امتياز تمثيل مرجعية دينية، على رغم أنه لا يدعي امتلاك متطلباتها حتى الآن، وفق ما أظهره سجاله القصير مع المرجع المنسحب آية الله كاظم الحائري، قبل أن يعود ليؤكد الامتثال «لأمر مرجعِي السيد الحائري». هنا، لا يصب التقلب في مصلحة مقتدى، فالالتزامات الدينية لا تتغير بين ليلة وضحاها. وقد يكون الرجل خلُص فعلاً إلى أن التأثير في مسار الأحداث من خارج الصراع السياسي اليومي المباشر ممكن أكثر في بلد كالعراق، تسمع فيه الناس كلمة رجال الدين أكثر مما تسمع كلمة السياسيين.
ما قام به مقتدى سيزيد في رصيده الشعبي على الأرجح، ويجعله طرفاً لا يمكن تجاوزه
يبقى السؤال الأساسي، هو ما الذي سيحصل غداً؟ وهل ستُستأنف الحياة السياسية بغياب «التيار الصدري» وكأن شيئاً لم يكن؟ قد يدغدغ هذا مخيلة بعض القوى في «الإطار التنسيقي»، لكن الأطراف الرئيسة في الإطار تدرك أن ما جرى ستكون له آثار عميقة ليس على وضع «الصدري» فقط، وإنما على وضع «التنسيقي» أيضاً باعتبار أن ما سيكسبه مقتدى، سيخسره الإطار، والعكس صحيح؛ إذ ستظل العلاقة تنافُسية بين الطرفين ولو من دون عنف. وحتى إذا اعتزل الصدر السياسة، فإن جماهيره لن تختفي، وستظل لها حركتها التي من خلالها تتفاعل مع الأحداث. ومن هنا، يقتضي المنطق أن تُحول قوى «التنسيقي» ما جرى إلى فرصة، لا سيما وأنها أسهمت بشكل كبير في تجنب الانزلاق إلى فتنة، عندما لم تنجر فوراً إلى مواجهة مع أنصار الصدر، وتركت القوى الأمنية تقوم بواجبها من خلال فرض حظر التجوال ومشاغلة المتظاهرين الذين أسقطوا مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى. وتحقيق ذلك، يتطلب من الإطار تجديد خطابه لملامَسة هموم الناس.
أداء القوى الأمنية أيضاً كان مختلفاً هذه المرة، وهي التي كثيراً ما يقال إن الأميركيين الذين أعادوا بناءها منذ حل الجيش العراقي بعد الاحتلال في عام 2003، يملكون تأثيراً كبيراً فيها، بخاصة بوجود شخص مثل رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي في موقع القائد العام للقوات المسلحة – وهو نال، مع «الحشد الشعبي»، إشادة الصدر نفسه -. ففي المبدأ، وبالحساب البسيط، لا مصلحة للأميركيين حالياً في تأجيج النار في بلد ينتج أربعة ملايين برميل نفط يومياً، وهم يكادون يخسرون حرب أوكرانيا بسبب الارتفاع الذي تسببت به في أسعار النفط. وفي المقابل، عكَس الإعلام الخليجي، حتى الرسمي منه، مصلحة لبعض أنظمة الخليج، وبخاصة في السعودية والإمارات، في تأجيج نار الفتنة. بل يمكن الذهاب إلى السؤال عما إذا كانت تلك الأنظمة، وبالتفاهم مع إسرائيل، تريد هذه المرة تفجير العراق في وجه أميركا وإيران معاً، لا الأخيرة وحدها، في إطار الضغط الذي تمارسه على واشنطن، لعدم إحياء الاتفاق النووي مع طهران.
ما فعله مقتدى لن يؤدي إلى نهاية سريعة للأزمة العراقية المركبة، إلا أنه سيغير دينامية الصراع، ولن يكون ما بعده كما قبْله. ربما يسهل ذلك الذهاب إلى انتخابات جديدة، كانت الأطراف قد اتفقت على أنها تشكل الحل المناسب للأزمة، إلا أنها اختلفت على آلية إجرائها، بما يشمل قانون الانتخابات، والجهة التي ستشرف عليها. وفي هذه الحالة، يمكن للصدر أن يشارك بتياره بعد أن يعود عن الاعتزال السياسي، كما فعل في مرات سابقة، أو أن يشكل مظلة لمشاركة من نوع آخر بعيدة من الأطر التنظيمية وتستند إلى الولاء الديني، وحينها قد يجد ضالته في التأثير الذي سيمارسه على الحياة السياسية العراقية، من النجف التي قال إنها ستبقى في كل الأحوال المقر الأكبر للمرجعية.
هل يريد الصدر أن يصبح مرجعاً؟
خلْف الأحداث الدامية التي شهدها العراق في اليومين الماضيين قبل أن تهدأ الأوضاع، ربّما تقف كلمة مفتاحية، هي «المرجعية». فالأحداث بدأت ببيان بدا أن مقتدى الصدر استعجل إصداره، وانتقد فيه المرجع آية الله كاظم الحائري، الذي كان قد أعلن في اليوم نفسه تخلّيه عن ممارسة مهامّ المرجع، طالباً من مُقلّديه، والكثير منهم أعضاء في «التيار الصدري»، تقليد مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، آية الله علي الخامنئي. رأى مقتدى أن ما ساقه الحائري من انتقادات ضدّه في بيان التخلّي، لم يكتبه بمحض إرادته، موحياً بأن إيران هي من طلبت منه ذلك. وبعدما طلب الصدر من أنصاره الانسحاب من «المنطقة الخضراء» وإنهاء الاعتصام و»كلّ شيء»، عاد ليؤكّد «أنني ألتزم بمرجعي السيد الحائري».
وحملت مواقف الصدر بعد ما حقّقه من مكاسب في الانتخابات التي جرت في تشرين الأول الماضي، الكثير من المراقبين على الاعتقاد بأنه يطمح إلى أن يصبح أحد مراجع الشيعة في العراق والعالم، ليرث مكان والده الشهيد محمد محمد صادق الصدر، إنّما بعد أن يكمل علومه الدينية، حيث كان يقوم بالبحث الخارجي في إحدى حوزات قم، وهي مرحلة متقدّمة من التعليم الديني. في المبدأ، لا مشكلة أمام أيّ شخص في أن يستكمل علومه ويصبح مرجعاً مقلّداً إذا استوفى الشروط المطلوبة لذلك. لكن الصدر كان سيأتي إلى المرجعية من عالم السياسة، وفي هذه الحالة، سيظنّ كثيرون أن النية وراء ذلك هي أن يكون الجانب الديني في خدمة السياسي، أي أن يكون المقصود ممارسة حُكم العراق من موقع المرجعية.
وما زاد هذه الشكوك هو سلوك الصدر نفسه، وبعض مساعديه. ويمكن، في هذا الإطار، تسجيل قول أحد مساعديه الكبار، حازم الأعرجي، قبل أشهر، إن القرار يَصدر في الحنانة، ما اعتبره مقلّدو المرجع آية الله علي السيستاني هجوماً على المرجعية، فشنّوا حملة على الأخير، الأمر الذي اضطرّ الصدر يومها إلى الطلب من الأعرجي الاعتذار. وفي العلاقة مع إيران أيضاً، قيل كلام كثير عن أن انتقادات الصدر لهذه العلاقة تنطلق من رغبة في أن يشكّل في العراق مرجعية ندّية لمرجعية مرشد الجمهورية الإسلامية.
الوسيط الأميركي يفاوض «توتال»… وتأجيل الاستخراج قد لا يمنع المقاومة من «جرعة تذكيرية» | هوكشتين: لا اتفاق بعد
أبلغ الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية عاموس هوكشتين مسؤولين لبنانيين أنه سيستأنف اجتماعاته المتعلقة بالملف في الأيام القليلة المقبلة، ولن يكون قادراً على إعطاء جواب على المقترح اللبناني قبل نهاية هذا الأسبوع. فيما نُسب إلى مصادر ديبلوماسية أوروبية في بيروت تحذيرها من ارتفاع منسوب التوتر في الجنوب ما لم يصل الوسيط الأميركي بسرعة إلى نتيجة ترضي لبنان.
وعلمت «الأخبار» من مصادر رسمية أن هوكشتين التقى في الساعات الماضية مستشاراً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبحث في الدور الذي يفترض أن تلعبه شركة «توتال» في التنقيب والاستخراج من الحقول اللبنانية. وأضافت المصادر أن هوكشتين سيتواصل في الساعات المقبلة مع مسؤولين إسرائيليين للتوصل إلى نقاط أكثر تحديداً.
وحول ما ينشر في كيان العدو عن «اتفاق متبلور»، أكّد هوكشتين أن «هذا كلام إعلامي لا أساس من الصحة ولا تغطيه أي جهة رسمية في إسرائيل»، مشيراً إلى أنه «كما شهد لبنان مزايدات حول الخطوط في فترة سابقة، تشهد إسرائيل التي تقترب من انتخابات داخلية مزايدات بين الأفرقاء حول هذا الملف». ولفتت المصادر إلى أن الموفد الأميركي كان واضحاً، في إحدى زياراته سابقاً، بأن «مصلحة الأمن القومي لإسرائيل تمنع المزايدات، وأن هذا الأمر جزء من ملف الطاقة العالمي ولن تسمح أميركا وأوروبا لأحد، بمن في ذلك إسرائيل، بتعريضه للخطر نتيجة مزايدات سياسية».
في غضون ذلك تواصلت التسريبات الإسرائيلية الإعلامية بقرب التوصل إلى اتفاق. غير أن أبرز ما سُرّب في الأيام الماضية هو إرجاء موعد استخراج الغاز من حقل كاريش شهراً كاملاً. ومن شأن الخطوة – نظرياً – ردع الطرفين عن أفعال وردود عليها تؤدي إلى مواجهة عسكرية، وكي لا يتسبب استخراج الغاز في تفعيل حزب الله لتهديداته. لكن فترة الشهر تبقى محلاً للتقديرات والتأويلات، حول ما يمكن أن تكسبه تل أبيب من تأجيل كهذا، خصوصاً مع تعذّر تنازل الجانب اللبناني عن مطالبه أو تليينها، وفقاً لميزان القوى المستجد. وهو ما تقرّ به تقارير عبرية أشارت إلى أن حزب الله أجبر الولايات المتحدة وإسرائيل على أخذ مواقف لبنان على محمل الجد ووضع المفاوضات في إطار جدول زمني قصير لا يتعدى أسابيع قليلة، بما يتعذر معه على إسرائيل والولايات المتحدة تمديد الوقت والمماطلة، رغم تشديد الإسرائيليين على أن التأخير شهراً أسبابه تقنية ترتبط بالشركة المستخرجة للغاز (إنيرجيان)، ولا علاقة لتهديدات حزب الله بالأمر.
ولكن، هل حمت إسرائيل نفسها، عبر الإرجاء، من «الجرعة التذكيرية» لحزب الله؟ سؤال لا إجابات وافية له، ومقدار اللايقين في المدة الجديدة أكبر مما كان عليه في المدة السابقة.
وقد كان لافتاً ما أشار إليه المعلق الأمني في «يديعوت أحرونوت»، يوسي يهوشع، بأن الخطابات المتكررة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تقلق تل أبيب التي من مصلحتها استخراج الغاز. ونسب إلى وزير الحرب بيني غانتس أنه «يفضل التوصل إلى اتفاق من دون حرب»، مع أن ذلك «لم يمنع قيادة المنطقة الشمالية من الاستعداد لإمكانية اشتعال الجبهة». وأوضح أن المواجهة العسكرية في حال وقعت فإن «شدة النار التي ستستخدم مختلفة جوهرياً عن تلك التي تعوّد عليها الجمهور في الحملات ضد غزة في العقد الأخير، وسيكون من الصعب على إسرائيل أن تتحكم بمستوى الأحداث. وحتى لو بدأت النار بحدث موضعي، فإن من شأن ذلك أن يتدهور بسرعة شديدة إلى أيام قتالية، ومنها إلى حرب حقيقية».
الغاز في السجال الانتخابي
في هذا السياق، يشهد كيان الاحتلال سجالات على خلفية ملف الترسيم الذي دخل بازار الانتخابات، ما يكشف في السياق اتجاه إسرائيل إلى «التنازل» من جهة، وحجم التحدي الداخلي لدى أصحاب القرار ممن قرروا السير في هذا الاتجاه. السجال الأبرز هو على قانونية «تنازل» حكومة تصريف أعمال للبنان عن منطقة سيادية خالصة، في وقت يحتاج الأمر إلى استفتاء شعبي وإلى مصادقة ثلثي أعضاء الكنيست. فيما يرى أصحاب وجهة النظر الأخرى أن إجراءات كهذه لا تسري على الحد الاقتصادي، بل على الحد السيادي، حيث الفروق كبيرة جداً بين الاتجاهين.
وزير الطاقة الإسرائيلي السابق، يوفال شتاينتس، الذي يعد نفسه عراب الحقول الغازية والمفاوضات غير المباشرة مع الجانب اللبناني، أكد أن هناك عملية «ابتزاز» من اليمين ومزايدات على خلفية الموقف السياسي من الحكومة تقف خلف المطالبة بالاستفتاء. وأكد أن «المياه الاقتصادية ليست مياه ذات سيادة، لأن الدول الأخرى، بما في ذلك الدول المعادية، يُسمح لها بالإبحار في المياه الاقتصادية أو التحليق فوقها. والادعاء بأن هذا تنازل عن السيادة لا أساس له وفقاً للقانون الدولي».
وفي وقت تشير السجالات الإسرائيلية إلى وجهة «التنازل» الإسرائيلية، إلا أنها تؤكد أيضاً وجود تهديدات مقابل الفرص، ما يعني أن مهلة الشهر الجديدة التي أعطتها إسرائيل لنفسها، عبر تأجيل استخراج الغاز إلى الأول من تشرين الأول، ستكون حساسة جداً، ويتخللها الكثير من الاحتقان، في وقت تشير السجالات والمناكفات السياسية على خلفية قرب الانتخابات في الكيان، إلى إمكان تأجيل الاستحقاق والاتفاق البحري مع لبنان، عبر تأجيل استخراج الغاز لفترات جديدة، وعلى خلفية ادعاءات جديدة، فهل يدفع ذلك إلى تأزم وتصعيد لن يكون في إمكان حتى طرفيه، منعه؟
تفاؤل إسرائيلي مشبوه يستبطن إقراراً بتغير قواعد اللعبة
أهم ما يُميِّز الخطاب الإسرائيلي إزاء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية هو التزام المستوى الرسمي الصمت حول طرحه للتسوية مع لبنان، في ظل استمرار المنظومة الأمنية في التسريب الإعلامي لأجواء تفاؤلية ولملامح صيغة اتفاق تدرك أنها تتعارض مع مطالب لبنان. ووفقًا لآخر التقارير، «سيتم ترسيم الحدود البحرية، بحيث تبنى منصّتا غاز، إحداهما في لبنان والأخرى في إسرائيل»، مع الإشارة إلى أن «جزءًا من حقل الغاز اللبناني سيكون موجودًا داخل مياه إسرائيل التي سيتم تعويضها ماليًا نتيجة لذلك».
بالتأكيد، الغموض الرسمي ليس سببه عدم تبلور موقف. ولكنه خلاصة قرارات القيادتين السياسية والأمنية في كيان العدو، بعد تقدير للوضع حول المخاطر والفرص والخيارات والرهانات، انتهى إلى ضبط الأداء العلني، وهو أمر ستتّضح خلفياته كلها عندما ينقل المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين الموقف الإسرائيلي الى لبنان.
أما أداء وسائل الإعلام المضبوط فيعود الى حقيقة أن الإعلاميين الإسرائيليين هم صهاينة قبل أن يكونوا مهنيين. وفي القضايا التي تواجه فيها إسرائيل تحديات تتصل بأمنها القومي، يتحول هؤلاء الى جنود في المعركة، وتتغلّب اعتبارات الأمن القومي على هامش حرية المعلومات وحق الجمهور (الإسرائيلي) بالمعرفة. ولا يتعارض هذا المفهوم مع وجود هامش واسع نسبيًّا من حرية الإعلام، لكنه يضيق ويتسع بحسب الظروف والقضايا ورؤية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
لذلك، يفرض هذا المفهوم التعامل بحذر مع كثير من هذه التسريبات، خصوصًا أن العدو يروِّج لمسألتين متعارضتين: رفع مستوى التفاؤل بالتوازي مع الترويج لصيغة اتفاق يتعارض مع الموقف اللبناني الرسمي. ويصبح هذا الحذر أكثر إلحاحًا باقتران هذا الأداء مع تأجيل متعمّد يتكامل في خلفياته وأهدافه مع سياسة الغموض والتسريب المدروس.
بغضّ النظر عمّا سيؤول إليه الوضع المفتوح على عدة سيناريوات، يعمد العدو الى محاولة رمي كرة المسؤولية على الطرف اللبناني، بشقّيه الرسمي والمقاوم. ويمهَّد لذلك بأجواء تفاؤلية عن استعداد إسرائيلي للتسوية، والإيحاء كما لو أن الأمور تتجه حكماً نحو اتفاق. لكن عندما يقترن ذلك بحديث عن صيغة لا تلبّي المطالب اللبنانية في حدها الأدنى، فإنه يعني أن العدو يريد وضع لبنان بين خيارين: إما القبول بالصيغة التي تقتطع المزيد من الحقوق اللبنانية لمصلحة العدو، أو تحميل لبنان مسؤولية تعثّر المفاوضات. وفي حال السيناريو الأخير، سيجري الترويج لمقولة أن المقاومة تضغط على الحكومة اللبنانية لحسابات إقليمية وأخرى داخلية وغيرها من العناوين المكررة. ويهدف ذلك الى التعمية على حقيقة أن لبنان تنازل كثيراً عن حقوقه، ولم يعد مقبولًا مواصلة المسار الانحداري، والى الالتفاف على المقاومة كي لا ترفع مستوى ضغوطها الميدانية لتطويع الموقف الإسرائيلي.
لا يهدف تسليط الأضواء على أهداف الأداء السياسي والإعلامي لكيان العدو الى القول إن المفاوضات آيلة الى الفشل، وإن تطور الأحداث سيؤول بالضرورة الى مواجهة عسكرية. وإنما للإشارة إلى أن امتناع العدو عن الإقرار الرسمي بحقوق لبنان واتّباع سياسة التسريبات التي لا تُلزم إسرائيل بأيّ موقف، يشي بأن هذا التحدي لا يزال يخضع للتجاذبات ومفتوحًا على مروحة من الاحتمالات. وعلى ذلك، ينبغي إبداء الحذر الشديد من تكتيكات هذا العدو المتربص بلبنان وثرواته. وتكفي تجربة أكثر من 12 عامًا من المفاوضات ارتكزت على الرهان على ما قد يحصل عليه الأميركي لمصلحة لبنان لاستخلاص العبر والتشدد في الحذر والبقاء في حالة توثب.
في المقابل، تنبغي ملاحظة أن دخول المقاومة على خط هذا الملف فرض وقائع جديدة ظهرت في بعض المواقف والتسريبات الإسرائيلية التي تتحدث عن مصلحة إسرائيل في أن يكون للبنان منصة في مقابل المنصة الإسرائيلية لإنتاج توازن ردع مع المقاومة، وحتى يكون للبنان ما يخسره في المقابل، من أجل أن لا تبادر المقاومة الى استهداف المنصات الإسرائيلية في أي محطة لاحقة.
التسريبات التي لا تُلزم إسرائيل بأيّ موقف تشي بأن الأمور لا تزال مفتوحة
هذا الموقف يستبطن إقرارًا صريحًا بأن جيش العدو غير قادر على ردع المقاومة عن هذا الخيار، وبأن قدراته الدفاعية والاعتراضية غير قادرة على الحؤول دون هذا الاستهداف من الناحية الميدانية. وهو يختصر الكثير من تحوّلات الصراع، وصولًا الى التحوّل الذي أحدثته المقاومة عندما دخلت بقوة على خطّ المفاوضات. فتحوّل تشخيص القيادتين السياسية والأمنية لمصلحة إسرائيل من حرمان لبنان من استخراج ثرواته الغازية الذي استمر أكثر من عقد، الى أن تكون مصلحتها في امتلاك لبنان منصة لاستخراج هذه الثروات!
يؤشر ذلك أيضًا الى أن العدوّ سلَّم ضمنًا بحقيقة أن لبنان سيحصل على (قدر من) حقوقه، لكنه لا يزال يراهن على تحقيق بعض الإنجازات هنا وهناك. وإلى هذا الأساس المتين، يستند تفاؤل أنصار المقاومة التي حسمت خيارها بانتزاع حقوق لبنان التي تحددها الدولة اللبنانية، مهما كانت أثمانه الإقليمية، وتداعياته على أمن الطاقة العالمي. ولا يقتصر هذا الموقف على من يثقون بخيار المقاومة، وإنما له حضوره القوي أيضًا في الساحة الإسرائيلية. إذ يوجد إقرار صريح بأن رسائل حزب الله التي تُوِّجت برسالة المسيّرات الثلاث نحو كاريش «أجبرت الولايات المتحدة وإسرائيل على أخذ مواقف لبنان على محمل الجدّ ووضع المفاوضات في إطار جدول زمني قصير لأسابيع قليلة يمنع إسرائيل والولايات المتحدة من تمديد الوقت والمماطلة» (مركز يروشالمي للشؤون العامة/ يوني بن مناحم)، إضافة الى أن «ميزان القوى في مفاوضات الحدود البحرية تحوّل الآن لمصلحة لبنان» بعدما نجح حزب الله في إرساء «قواعد جديدة للعبة ضد إسرائيل» أدت الى «تغيير جدول الأعمال والضغط على إدارة بايدن والدول الأوروبية وإسرائيل والشركات الدولية المعنيّة بإنتاج الغاز الطبيعي». ولعلّ الأكثر لفتًا هو أن البعض في إسرائيل عبّر بشكل صريح عمّا يدور في الوجدان الإسرائيلي العام، وبما يجد بعض اللبنانيين صعوبة في الاعتراف به، وهو أن القواعد التي أرساها حزب الله في مواجهة إسرائيل «يمكن أن تكون الضوء في نهاية النفق الذي يمكن أن يخرج لبنان من مأزقه الاقتصادي!…».
مؤشرات تململ مسيحي و«نزعات تقسيمية» بعد الانتخابات
يمكن أن يكون الكلام عن نزعات تقسيمية يطاول بعض الشرائح المسيحية، لكن أسباب هذه النزعات لا تقع عليها بحسب مؤشرات خلصت إليها قراءة في استطلاع للرأي أجرى أخيراً
في موازاة انشغال القوى السياسية، بتواطؤ جماعي، بمشروع الـ«كابيتال كونترول»، والتفتيش عن اجتهادات لمرحلة الفراغ الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال، تتفاعل مؤشرات خطرة في المجتمعات اللبنانية المتنافرة. وهو ما تحاول القوى السياسية تجاهله عن قصد بهدف التعمية على اتجاهات ونزعات «تقسيمية» متزايدة.
بعد ثلاثة أشهر من الانتخابات النيابية، برزت معالم مقلقة وخطرة في الوسط المسيحي، وفق قراءة في استطلاع للرأي أجري في مناطق ذات غالبية مسيحية وشمل فئات عمرية شابة ومتوسطة تتحضر للعودة إلى الجامعات والمدارس، عكس ارتفاع نقمة هذا الوسط و«يأسه» من مجريات الأحداث الداخلية ومستقبل علاقة المكوّنات اللبنانية مع بعضها بعضاً.
فالانتخابات النيابية في الشارع المسيحي سجّلت تحولاً في التصويت لصالح القوات اللبنانية كما للقوى التغييرية. وكان من الطبيعي أن تأخذ القوات، كصوت اعتراضي، مرتبة متقدمة لدى الشريحة التي انتخبت (وهي، للمناسبة، لا تنتمي جميعها إلى القوات)، اعتراضاً على مسار سياسي حافل بالأخطاء والارتكابات. إلا أن هذه الشريحة من المقترعين بدأت تعبر عن تململها، لأنها ترى أن كل الجهد ذهب هباء، وأن هذا الفوز انتهى مبكراً. إذ لم يؤخذ بمفاعيل الانتخابات، وكأن هناك نزاعاً بين تعذر ترجمة النتائج والقيام بخطوات متقدمة، وتصلب قوى السلطة في منع انعكاس الانتخابات وتحويل ما أفرزته أمراً واقعاً. إضافة إلى شعور بأن أخطاء ارتكبت في التصويت لصالح القوى التغييرية بعد انكشاف مستوى أداء نوابها في أكثر من محطة سياسية.
في موازاة ذلك، تعيد هذه القاعدة حساباتها في خطوة تراجعية، ليس ارتداداً على القوات التي صوّتت لها، إنما في إعادة قراءة الواقع الذي وصل إليه الوضع بعد أسابيع على النتائج. فالفوز في الانتخابات كان كبيراً، لكن من دون قدرة على استثماره نتيجة توازنات القوى ونفوذ حزب الله في إدارة اللعبة الداخلية. والسؤال المتداول: لماذا حصل الاقتراع ولأي هدف ما دام النجاح، على أهميته ودلالاته، لن يؤدي إلى أي مكان، وطالما أن الجهود التي بذلت لا يمكن صرفها في انتخابات الرئاسة وتشكيل الحكومة، وفرض إيقاع تغييري في الواقع الاقتصادي والمالي؟ ما يؤدي إلى سؤال آخر عن النظرة إلى العلاقة مع المكونات الأخرى نتيجة أدائها.
شريحة المقترعين المسيحيين بدأت تعبر عن تململ من انتهاء مفاعيل الفوز مبكراً
وإذا كان واضحاً أن هذه الشريحة تنطلق من مقاربة هذا الواقع نتيجة التدهور المتزايد الذي يترجم أعباء إضافية على أبواب الفصل الدراسي والشتاء، إلا أن ما يعكسه رد الفعل على الانتخابات الأخيرة أنها كانت آخر تجربة ومثال على «التمسك بهذا الشكل من الدولة». وفقاً لذلك، فإن الخطوة المتقدمة تختصر بالقول إن لا قابلية كبيرة للتعامل مع «هذه الدولة» كما كان يجري سابقاً، أو لإعادة اللحمة بين المكوّنات اللبنانية نتيجة أشهر من السجالات ومن أداء قوى السلطة تجاه القوى الأخرى. وهناك انطباع بأن رد فعل قوى السلطة، ولا سيما حزب الله، تجاه القوى السياسية المعارضة هو رد فعل عادي على أي خصم سياسي. لكن ما حصل في الأسابيع الأخيرة نمّ عن«عدائية» تجاه بعض القوى من قوات وشخصيات معارضة تحديداً، وهذا مؤشر على أن هناك انقساماً أفقياً ليس من السهل إعادة لملمته، ما يفتح النقاش مجدداً حول تبلور مشاريع سياسية جديدة تخفت حيناً وتعلو أحياناً أخرى. لكنها تعود حالياً بحدّة، نتيجة الشعور بأن الخلل يكبر يوماَ بعد آخر، وأن الأمور غير صالحة للاستمرار على هذا الشكل من أشكال الدولة والنظام.
واستطراداً، ثمة منحى يشكّل خطوة سياسية متقدمة، يعكس تضامناً مع القوى السنية، انطلاقاً من وضعها الحالي قبل الانتخابات وبعدها، على قاعدة أن وضعها في هذه المرحلة يشبه وضع المسيحيين في علاقتهم مع حزب الله وبعض حلفائه. وهؤلاء يعتبرون أن من الواجب التضامن سوياً في رؤية للبنان، لا تتوافق مع ما يجري حالياً من الإمساك بالقرارات وإحكام الطوق على مفاصل السلطة. خصوصاً بعد الخطوة التي قام بها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وإعادة تواصله مع الحزب. ما يفترض، في المقابل، وضع استراتيجية موازية مع السنّة لدرس كيفية مقاربة ما يجري من خطوات تفرض إيقاعها على القوى الأخرى حتى لو كانت من الصف الأول.
هذه المؤشرات قد لا تكون جديدة في نظر بعض قوى السلطة أو خصوم القوى المعارضة على اختلافهم، وقد توضع في خانة تسييسها. وهي ليست كذلك، لأنها تتبلور أكثر عند مفاصل أساسية كما هو الواقع اليوم، وتتفاعل في أوساط جديدة وحديثة العهد، وليست نتاج تجارب وحروب سابقة. وهذا يلقي مسؤولية على القوى التي تتهم بأنها وراء تفاقم هذه النزعة، في وقت تزداد علامات التدهور الاقتصادي والاجتماعي. ما يضاعف من تبعات النظر من زاوية ارتدادية على كل ما أنتجته هذه السلطة ومكوّناتها والسؤال عن مغزى استمرار التماهي مع كل ما يمثله الشكل الحالي للدولة بكل معانيها.
الملف الحكومي: بري مستاء من ميقاتي
تدخُل البلاد غداً، مع حلول المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، مرحلة الاستحقاقات الحساسة التي تطبعها أكثر من محطة في السياسة والأمن والاقتصاد، بينما تعجَز القوى السياسية عن استيلاد حكومة تواكب الفراغ الرئاسي الذي أصبحَ أكثر الخيارات تقدّماً بالنسبة للجميع.
في الملف الحكومي، لم يسجّل في اليومين الماضييْن أي تقدّم رغمَ الحركة السياسية، باستثناء الكلام الجديد لرئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد عن الدعوة إلى تعويم الحكومة الحالية
.
فيما لم تنجح اللقاءات التي جمعت رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي برئيس مجلس النواب نبيه بري في تذليل أي عقبة. وفي هذا الإطار، كشفت مصادر مطلعة أن «بري لم يعُد يخفي استياءه من الطريقة التي يتعامل بها ميقاتي والتي تؤشر إلى عدم رغبته في تأليف حكومة»، مشيرة إلى أن «تطورات الأيام الأخيرة، لا سيما لجوء ميقاتي إلى دار الفتوى لحماية نفسه واستنهاض السنة معه، عمّق الخلاف مع رئيس الجمهورية وفريقه».
واعتبرت مصادر بارزة أن «أخطر ما في هذا الملف أن عدم تشكيل حكومة جديدة تستلم عهد الفراغ الرئاسي سينتج منه تكتّل مسيحي للدفاع عن صلاحيات رئيس الجمهورية، إذ لن يقبَل أي طرف سياسي مسيحي بأن تتسلم حكومة تصريف الأعمال دور رئيس الجمهورية، وهذا ما يُفسر عدم دفاع القوات مثلاً عن ميقاتي في المعركة بينه وبين الرئيس ميشال عون.
اللواء:
تجدّد محاولات التفاهم على حكومة لتجنب «التهوُّر العوني»!
مزايدات تُعلِّق مناقشة «الكابيتال كونترول»… وشباب لبنان بين البطالة والتسرُّب المدرسي
انقسمت «الحكومة المستقيلة» على مستوى مشاغل وزرائها، فالبعض ذهب يصرّف الاعمال في الاطار الضيق من الجنوب، تحت شعار «كلنا للجنوب» في اطار ترويجي سياحي، وآثر البعض الاخر المشاركة في جلسة اللجان النيابية المشتركة، التي بعد التجربة وجدت التبرير لعجزها عن اقرار مشروع قانون «الكابيتال كونترول» المعروف بقانون وضع ضوابط مؤقتة واستثنائية لكل التحاويل والسحوبات المصرفية، وهو العجز الثاني بعدما لم تتمكن من اقراره لا في ايام حكومة حسان دياب، ولا في ايام حكومة «معاً للانقاذ» التي يرأسها الرئيس المكلف بتأليف حكومة جديدة نجيب ميقاتي، الذي لم يخفِ تفاؤله امس، بإمكان تشكيل حكومة تجنب البلد الفراغ، وتحول دون الوصول الى الفوضى التي تهدّد ما تبقى من مقومات بعد المشاهد الدامية التي شهدتها بغداد ليل امس الاول، وتغلبت لغة العقل، لدى عدد من قياداتها للخروج من الشارع، تجنباً لما هو أخطر..
ومن هذه الوجهة، يشدد مصدر مطلع ان المهم الآن، بعد تعليق مشاريع معالجة الازمة المتمادية، الالتفات بقوة الى موضوع تأليف حكومة جديدة، تحظى بثقة مجلس النواب.
وفي معلومات «اللواء» ان اللقاءات التي عقدها الرئيس نبيه بري مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط، تطرقت بقوة الى الملف الحكومي، وضرورة منح اي تشكيلة جديدة الثقة.
وفي الخلفية ان حجم الازمة التي يمكن ان يتسبب بها «التهور العوني» في حال بقيت حكومة تصريف الاعمال وحدها في الواجهة لملء الفراغ الرئاسي، حيث يتصرف كثيرون وكأنه من قبيل تحصيل الحاصل.
ووفقاً للمعلومات، فإنه بعد كلمة الرئيس بري في مهرجان الامام الصدر في صور، ستتوضح الية التحرك، على الرغم من بدء سريان المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
إلا أن مصادر متابعة لعملية تشكيل الحكومة الجديدة، أشارت إلى ان الوساطات والاتصالات، لاعادة تحريك مسار تشكيل الحكومةالجديدة إلى الأمام، لم تؤدِ إلى نتائج ايجابية،بل على العكس، عادت إلى الوراء، بعد حملات التهويل والتصعيد المتتالية لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ،ضد رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، ومن ورائه الثنائي الشيعي، ما ينعكس سلبا على عملية التشكيل، وقد يطيح بالعملية كلها، اذا بقيت الامور على حالها، وقالت: «ان باسيل فضح نفسه عندما هدد بافتعال مشكل كبير»، كما سماه، اذا لم تسير الامور على هواه وحسب مصلحته الخاصة، ولم يتم تشكيل حكومة جديدة ،استنادا الى مطالبه وشروطه الخاصة.
ولاحظت المصادر ان باسيل يتجاهل الدستور وكأنه غير موجود أو يريد تطويعه لمصلحته، ويعتقد أنه بانتهاج التهويل، يحصل على مايريد، كما جرى سابقا، ولكن قد يكون أخطأ هذه المرة، لانه من الصعب، ان لم يكن من المستحيل الاستجابة لشروطه ومطالبه.
واعتبرت المصادر ان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي كان يوجه حملته باتجاه ميقاتي ظاهريا،الا أنه كان يستهدف من خلاله الثنائي الشيعي، باعتباره دعم تسمية الرئيس ميقاتي لرئاسة الحكومة، ولا يزال يدعمه، في مواجهة باسيل،بينما المطلوب من حليفه حزب الله، ممارسة ضغوط قوية على ميقاتي ،لحمله على الاستجابة لمطالب باسيل بالحصول على يطمح اليه بالحقائب والمواقع الوزارية، وتسهيل تنفيذ مطالبه بالتعيينات والاقالات بالوظائف القيادية، ورفع الغطاء السياسي عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تمهيدا لاقالته.
واضافت المصادر ان ما يزعج رئيس التيار الوطني الحر، هو الصمت المطبق لحليفه حزب الله بخصوص الاستحقاق الرئاسي، وعدم مفاتحته حتى اليوم بكيفية التعاطي مع هذا الاستحقاق، والاسس التي سيخوض معركة انتخاب رئيس الجمهورية استنادا اليها، ما يزيد بالشكوك لديه بأن الحزب قد اختار الشخصية التي سيدعمها، بمعزل عن التشاور أو الاتفاق المسبق معه.
واعتبرت المصادر ان حملات التصعيد المتواصلة بشكل شبه يومي من قبل باسيل اصبحت مكشوفة لتحقيق اكثرمن هدف،اولها الحصول على حصة وزارية وازنة بالتشكيلة الوزارية المرتقبة، وثانيا، ان يكون شريكا اساسيا بتسمية الرئيس المقبل للجمهورية وثالثا، حجز مساحة بارزة للتيار العوني بالتركيبة السلطوية المقبلة، مع إعطاء ضمانات بعدم تعرض العهد الجديد للرموز البارزة بالتيار او فتح ملف اي منهم .
ولاحظت المصادر انه بالرغم من محاولات حزب الله، تقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، لتاليف الحكومة، الا انها تعتبر تزامن التصويب على الحزب وحليفه الرئيس نبيه بري باستمرار، مؤشرا غير محمود لتحميله مسؤولية مباشرة لفشل عهد ميشال عون، وهذا مرفوض، وترتب عليه فتور بالعلاقات، وبرودة لافتة في دعم مطالب وشروط باسيل بتشكيل الحكومة.
نيابياً، كان يوم امس يوم مشروع قانون الكابيتال كونترول، داخل مجلس النواب حيث تعثر إقراره كما كان متوقعاً نتيجة رفض معظم الكتل النيابية إن لم يكن كلها له بالصيغة الراهنة لأنه لا يحمي المودعين بل المصارف. وخارج المجلس بإعتصام المودعين، وجرى توافق في اللجان النيابية على الطلب من الحكومة إرسال خطة التعافي للبحث فيها مع مشروع الكابيتال كونترول.
وطالب بعض النواب بإلزام حاكم المصرف المركزي رياض سلامة حضور الجلسات المدعو إليها، فأجاب نائب رئيس المجلس الياس بو صعب: سنرى ما هي الآلية. فعلّق النائب جبران باسيل: «ما عم تقدروا تجيبوه على القضاء بدّكم تجيبوه على المجلس؟».
الوضع الحكومي
وعلى الصعيد الحكومي توقع عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب قاسم هاشم «عقد لقاء قريب بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والمكلف نجيب ميقاتي»، مشيراً إلى أن «هناك جهودا كثيرة ومتواصلة لإنجاز المهمة الحكومية، إذ ان تمهيد الطريق أمام هذا الاستحقاق يمكن أن يسهل الوصول إلى انتخابات رئاسية، والرئيس بري متفائل دائما بإمكان التوصل إلى نتائج إيجابية.
اما الرئيس ميقاتي فأكد ان علاقته برئيس الجمهورية جيدة. وشرح ميقاتي في دردشة سريعة مع موقع «الانتشار»، المراحل والمحطات التي مرت بها عملية تشكيل الحكومة منذ تكليفه، مشيراً إلى أنه وفي زحمة الانتخابات النيابية في شهر أيار الماضي، ولدى سؤال الرئيس عون له عن الحكومة المقبلة، سارع إلى الاجابة بصراحة قائلا انه لا يتوقع أن تكون هناك حكومة بعد الانتخابات لأن أحداً لن يرضى بتشكيل «واحدة على ذوقك تكمل مسيرة العهد».
ونفى ميقاتي ما يشاع عن عدم استعداده لتأليف حكومة، مؤكداً أنه لو لم يكن راغباً بذلك لما قدم تشكيلة فور الانتهاء من الاستشارات النيابية غير الملزمة، وهذه التشكيلة، وخلافا لما يزعم البعض، ليست منزلة بل قابلة للأخذ والرد بينه وبين رئيس الجمهورية.
وعن البيان الذي صدر عن المجلس الإسلامي الشرعي الاعلى، كشف ميقاتي انه “اطلع عليه بعد صدوره وثمن مضمونه. وقال: ان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان عمل على ان يكون البيان هادئاً موضوعيا، فيما كانت أصوات عدد كبير من الأعضاء توده حاداً ومباشرا في الرد على رئاسة الجمهورية.
وعن الفيول الإيراني المقدم كهبة، قال ميقاتي: انه مرحب به وهناك لجنة فنية تدرس مواصفاته فإذا ما وجدته مطابقا سنقبل الهبة.
وفي موضوع الترسيم، يقول ميقاتي انه سيحصل علماً ان موضوع الاخذ والرد طبيعي في مثل هذه الحالات.
وختم قائلاً: اولويتنا العمل على انقاذ البلد وتشكيل الحكومة، اما الجدال والسجال فله هواته وليقولوا ما يشاؤون فالحقائق واضحة والدستور واضح.
جلسة اللجان
وقبل بدء جلسة اللجان، قطع مودعون محتجون الطريق أمام مدخل مجلس النواب .وقد انضم إليهم كل من النواب: نجاة عون، حليمة قعقور، ابراهيم منيمنة، مارك ضو، وسينتيا زرازير قبل دخولهم إلى المجلس لحضور الجلسة.
ثم عُقدَ اجتماع لنواب التغيير في مجلس النواب، قال بعده النائب ابراهيم منيمنة : ان مشروع قانون الكابيتال كونترول يأتي بمقاربة وصيغة خطرة تنبىء بما لا تحمد عقباه. ان هذا التطور يدفعنا إلى دق ناقوس الخطر، ودعوة الرأي العام للتأهب ازاءه، والذي تتجاوز تداعياته الوضعية القانونية لأموال المودعين، على أهميتها الشديدة ، لتطال احتمالات نجاح مسار التعافي الاقتصادي وإمكان الشروع بتصحيح مالي جدي، بهذا المعنى، بات من الاكيد اننا لم نعد نتوجس فقط من تطبيع عملية السطو على اموال المودعين عبر هذه القانون فحسب،بل بتنا على ثقة ان هذا القانون سيسهل ابقاء البلاد في وضعية الانهيار اللامتناهي.
وطالب النائب الصادق برد قانون الكابيتال كونترول إلى الحكومة وإعطائها مهلة للعمل على خطة إقتصادية متكاملة.
اما بعد الجلسة فقال نائب رئيس المجلس الياس بو صعب: النواب أجمعوا اليوم على إيجاد حلّ يعطي الاولوية للحفاظ على أموال المودعين والحفاظ على المصارف وأحيّي جميع النواب الذين تعاطوا بمسؤولية مع الملف والأساس بالنسبة لهم مصلحة المودعين.
اضاف: استمعنا للآراء العامة بالنسبة للكابيتال كونترول وهناك توافق على الآلية التقنية لتطبيقه.
وتابع: أنا منحاز للمودعين ولستُ من حزب المصارف، ولكن في التقرير لا يُمكن أن أضع وجهة نظري وإنما ملاحظات الخبراء. وهناك مصارف لا تزال تحوّل أموالا الى الخارج بطريقة استنسابية.
ورأى ان «ما يُعمل عليه اليوم في المجلس النيابي صعب، لأنّه لا يجوز السماح بتفليس المصارف، وخطّة التعافي تتطلّب عدّة قوانين مترافقة معها كقانون اعادة هيكلة المصارف.
واكد وجود إتفاق على إيجاد حلّ يحفظ حقوق المودعين ويحافظ بالحدّ الأدنى على وجود المصارف.
ورداً على سؤال عن عدم حضور حاكم المصرف المركزي للجلسة قال: لا نستطيع كمجلس نيابي الطلب من حاكم مصرف لبنان حضور الجلسة
وقال عضوكتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض: ناقشنا الموضوع في السابق ونناقشه حالياً من زاويتين: زاوية حماية اموال المودعين، وزاوية وقف الاستنسابية التي تمارسها البنوك في عملية التحويل من الداخل الى الخارج. في ما يتعلق بالسحوبات لتحصيل المودعين على ودائعهم من البنوك، الحكومة مطالبة بأن تحول في اسرع وقت ممكن خطة التعافي بنسختها الاخيرة، وتحول ايضا ما تبقى من تشريعات وتحديدا التشريع الرابع المتعلق بإعادة هيكلة المصارف حتى ننتقل الى مناقشة الكابيتال كونترول.
وسجل امين سر كتلة اللقاء الديموقراطي النائب هادي أبو الحسن الملاحظات التالية: صحيح اننا نؤكد حرصنا على ما تبقى من النظام المصرفي الذي يعتبر ركيزة أساسية في نظامنا المالي والإقتصادي إلى انه من غير المقبول تقديم مسألة حماية المصارف من المقاضاة على ما عداها من حقوق للمودعين في ضمان ودائعهم والسحوبات.
وقال: إن أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي يفترض:
أ – إقرار الموازنة وهذا يتطلب توحيد سعر الصرف وحسم مسألة ما يسمى بالدولار الجمركي.
ب – إقرار خطة التعافي الإقتصادي
ج – قانون السرية المصرفية المطلوب توقيعه من رئيس الجمهورية.
إن تحديد سقف السحوبات بمبلغ ١٠٠٠ دولار شهرياً او ما يعادله بالليرة اللبنانية هو أمر غير مقبول وغير واقعي على الإطلاق ومرفوض.
وعلق النائب مروان حمادة من المجلس على الجلسة بالقول: ان البلد لم يعد بحاجة الى قوانين، فالقوانين مكدسة في ملف الرئيس بري.
وكتب النائب جبران باسيل عبر حسابه على «تويتر: «مرة جديدة بعد ٣ سنين، نفشل في تشريع ضبط التحويلات المالية للخارج، اضافة لعدم اقرار قانون استعادة الاموال المحوّلة للخارج. يبدو ان التمسك بابقاء الاستنسابية بتحويل اموال بعض المودعين المحظيين، وبابقاء النزيف المالي لا زال اقوى منا. لا ارادة سياسية للاصلاح، ولا أكثرية له في المجلس.
وغرّد نائب رئيس الحكومة السابق عضو تكتل الجمهورية القوية النائب غسان حاصباني عبر «تويتر» كاتباً: قانون الكابيتال كونترول بشكله ومضمونه وتوقيته هو بمثابة تأميم لأموال المودعين، ونحن نرفضه في غياب خطة تعاف متكاملة، تعالج تحديد الخسائر وتوزيعها وجدولة اعادة حقوق المودعين لدى المصارف.
وقبيل انطلاق الجلسة، قال عضو كتلة «الكتائب» النائب نديم الجميل: لدينا ملاحظات أساسية على كيفيّة طرح موضوع الكابيتال كونترول فالحكومة لا تأتينا بخطّة واضحة وشاملة ولا يمكن أخذ الاقتراحات والقوانين «بالمفرّق. لا توجد خطّة شاملة لإعادة تعافي الاقتصاد الوطني وهذه المشكلة الأساسية.
مولوي استقبل بخاري
على صعيد سياسي آخر، استقبل وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي في مكتبه في الوزارة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، وقال مولوي بعد اللقاء: أن الخير من السعودية والدول العربيّة ليس محسوباً بطائفة معيّنة، إنما هو لكلّ أمور الخير والتنمية والشؤون الوطنيّة.
واضاف مولوي: على لبنان أن يُترجم السياسات كافة التي التزم بها تجاه المجموعة العربية وعلى رأسها السعودية بالأفعال ونحن ملتزمون بمنع أيّ أذى من أيّ نوع كان يلحق بأشقائنا العرب.
واكد الحرص على أمن وأمان الدول العربية في إطار رؤية موحّدة لأمنٍ عربيّ مشترك.
بدوره، أكد البخاري أنّ الجهود الدبلوماسية السعودية المبذولة تهدف إلى تأمين شبكة أمان دولية مستدامة في مواجعة التحديات التي تهدد أمن واستقرار لبنان ووحدته.
واهاب بالأجهزة الأمنية اللبنانية المختصة استكمال الإجراءات القانونية والأمنية اللازمة حيال ما نشره المدعو علي هاشم من تهديدات إرهابية وتوقيفه وتسليمه للسلطات الأمنية في السعودية كونه مطلوباً أمنيًّا لديها. واشار الى «خطورة وتداعيات السياسات العدائية والتحريضية التي تنطلق من لبنان تجاه دول مجلس التعاون الخليج العربي والتي تتنافى كلياً مع القيم والمبادئ الأخلاقية والقوانين والأعراف الدولية».
ودعوة دريان للقاهرة
واستقبل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى، سفير جمهورية مصر العربية في لبنان ياسر علوي الذي قال: سلمت سماحته دعوة لزيارة القاهرة الشهر القادم، للمشاركة في المؤتمر السنوي الكبير الذي تقيمه دار الإفتاء في جمهورية مصر العربية، وتكون فرصة لسماحته في زيارة القاهرة والالتقاء بأشقائه.
وسئل: كيف تنظرون إلى الأوضاع اللبنانية، وهل أنتم متفائلون؟
أجاب: نحن محكومون بالتفاؤل، نحن في أزمة لا مخرج منها إلا بالتكاتف والالتزام بالدستور واتفاق الطائف وبتنفيذ الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها، أي حديث غير ذلك لا يعوَّل عليه، ولا مخرج غير هذا، المخرج معروف وكلنا ثقة بأن الكل سيتحمل مسؤوليته وسيتم إنجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها.
وخارج مجلس النواب، نظم اعتصام من جمعية المودعين وبمشاركة نقابات المهن الحرة، رفضاً للصيغة المقترحة للمشروع، بمشاركة عدد من النواب التغييريين: حليمة قعقور، ابراهيم منيمنة، نجاة عون، وملحم خلف وفراس حمدان، وحضر مارك جعارة ممثلا النائب بولا يعقوبيان.
وتم خلال الاجتماع، بحسب بيان عن رابطة المودعين، «مناقشة مشروع قانون الكابيتال كونترول المشوه، وما يتضمنه من عفو عام للمصارف والمصرفيين وتأييد لحجز الودائع. وتم البحث في خطة المواجهة خلال الايام المقبلة، إعلاميا وشعبيا ومن داخل مجلس النواب».
وأكدت الرابطة «رفضها المطلق لقانون الكابيتال كونترول المطروح الذي يأتي خارج إطار خطة متكاملة للتعافي، ويتضمن الألغام الآتية: ضرب استقلالية القضاء، منع المودعين من حق التقاضي المكفول بكافة مواثيق حقوق الإنسان، إعطاء عفو عام للمصارف، ضرب مبدأ فصل السلطات، حماية المصرفيين على حساب الدولة والناس والمودعين، قانون لا يتناسب مع متطلبات حلحلة الازمة وصندوق النقد الدولي».
ولفت البيان إلى أن «الرابطة كانت شاركت ورقة ملاحظاتها على مشروع القانون مع الجهات المعنية كافة. الملاحظات المقدمة من رابطة المودعين على مشروع قانون معجل يرمي الى وضع ضوابط استثنائية وموقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية».
وفي اطار آخر، بدا أن الاخطر ما توقفت عنده نائبة الممثلة الخاصة لليونيسيف في لبنان أيتي هيغنز من ان 70٪ من شباب لبنان بات عاطلاً عن العمل، وأن 55٪ منهم تركوا المدارس.
536 اصابة
صحياً، سجلت وزارة الصحة العامة 536 اصابة جديدة بفايروس كورونا، وحالتي وفاة، ليرتفع العدد التراكمي الى 1208925 اصابة مثبتة مخبرياً منذ 21 شباط 2020.
المصدر: صحف