رأى وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى أن “أطراف الجسد اللبناني المنهكة ما كانت لتبقى على حرمانها لو التقت الإرادات الفاعلة بين سلطة مركزية وقوى محلية حية على مشاريع تنموية مدروسة في مختلف الميادين والقطاعات. فلدينا في لبنان إمكانيات هائلة من موروث تاريخي ضارب في عمق الأزمنة ينبغي الاستفادة منه، ومن طيبة عنصر بشري مؤمن بوطنه ومضح لأجله، فمتى اجتمع هذان العاملان، أصبحت التنمية واقعا ملموسا من صنع الوعي العام وحسن الإدارة”.
كلام المرتضى جاء خلال رعايته مهرجان بعلبك الرياضي الأول، على ملعب مدينة بعلبك الرياضية، لمناسبة انطلاقة “نادي سباب بعلبك الرياضي”، بالتعاون والتنسيق مع محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر وبلدية بعلبك، وفي حضور وزير العمل مصطفى بيرم ورؤساء بلديات واتحادات بلدية وفاعليات.
وأشار الوزير المرتضى “عندما تشكلت هذه الحكومة سئلت كثيرا إذا كنت من بعلبك.. وأجبت وقتها، وهنا في بعلبك أجيب مجدداً محمد المرتضى سجل نفوسه ليس في بعلبك، ولكن نفَسنا نستمده من بعلبك”.
ورأى ان “الفن ليس للفن، الثقافة ليست للثقافة، والرياضة ليست هدفا بحد ذاتها، مثلها مثل الثقافة والفن، كلها لتجعلنا نرتقي وتجعل منا أشخاصا أفضل، نسعى لبناء مجتمع أفضل، وهذه كلها لتبث فينا الوعي”.
وأضاف: “أتمنى أن نقف لثواني ونلتفت باتجاه الشرق (السلسلة الشرقية)، ونتخيل لولا صمودكم يا أهل منطقة بعلبك الهرمل، ولولا تضحياتكم الكبيرة من جيش ومقاومين، على الأرجح لم نكن هنا نقيم هذه الفعالية وبهذا الجو الذي هو أكثر من رائع”.
وقال: “منذ مدة ليست ببعيدة زارتني في مكتبي بوزارة الثقافة سفيرة إحدى الدول الأوروبية إلى لبنان؛ وخلال الحديث قالت لي بصراحة مؤلمة: “لو كانت لنا في بلدنا قلعة بعلبك، لكان مردودها على اقتصادنا الوطني ما لا يقل عن مليار دولار سنويا”. لم أجبها بشيء، فقد تدفقت عليَّ من وراء كلماتها مشاعر الأسى من شدة الإهمال والحرمان اللذين تعاني منهما بعلبكّ وغيرها من المدن والقرى المنثورة على مدى الجغرافيا اللبنانية البعيدة، حيث تعاضد نسيان الدولة مع ضيق أحوال المواطنين، على إعطاء صورة عن هذه المناطق غير صحيحة بالمطلق، بل منافية لمكتنزات شعبِها الإيمانية والاجتماعية والوطنية، وصورة أخرى عن كسل الدولة المزمن، في استثمار كنوزها الثقافية والسياحية استثمارا علميا حديثا يحرك عجلة الاقتصاد، وبخاصة في الأماكن النائية”.
وتابع: “أقول قولي هذا، وأنا من موقعي شريك في المسؤولية وإن بمقدار. فإن أطراف الجسد اللبناني المنهكة ما كانت لتبقى على حرمانها لو التقت الإرادات الفاعلة بين سلطة مركزية وقوى محلية حية على مشاريع تنموية مدروسة في مختلف الميادين والقطاعات. فلدينا في لبنان إمكانيات هائلة من موروث تاريخي ضارب في عمق الأزمنة ينبغي الاستفادة منه، ومن طيبة عنصر بشري مؤمن بوطنه ومضح لأجله، فمتى اجتمع هذان العاملان، أصبحت التنمية واقعا ملموسا من صنع الوعي العام وحسن الإدارة. هذا قلته بالأمس في طرابلس خلال جولة ثقافية في بعض أسواقها المملوكية، بين الناس البسطاء الممتلئين صدقا وتواضعا وعزة نفس على الرغم من فقرهم. وهذا نفسه ينطبق على الكثير من المناطق اللبنانية المنسية المحرومة”.
وأردف: “اليوم في مناسبة هذا النشاط الرياضي الذي أردتموه برعاية وزير الثقافة، ها أنتم تعلنون إيمانكم بأن الثقافة هي الوعاء الجامع لكل تلاوين العمل الوطني؛ وهي حقا كذلك لأنها خلاصة ما يبقى من مسيرة الشعوب والأمم على درب الحضارة الإنسانية. الرياضة ثقافة؟ نعم، والسياحة أيضا والاقتصاد والسياسة والدفاع عن الحق ومقاومة المفاسد والعيش المشترك وقبول الآخر والكرامة والتضحية والشهامة وسواها من القيم العشائرية والوطنية… كلها معا ثقافة ووعي ومسار حياة”.
وقال: “لأن بعلبك تختزنها جميعا فقد باتت بحكم الضرورة الواقعية والطبيعية خزان المقاومة، فلم يتأخر شبابها عن خوض معارك النصر من الجنوب إلى الجرود، حفاظا على لبنان الوطن والصيغة والرسالة والوجود”.
وختم: “يا أهلنا الأُباة في مدينة الشمس، كيفما تقلب قرص الشمس لم يظهر منه سوى نور. هكذا ينبغي أن تكون بعلبك مضيئة على الدوام، كيفما تقلبت بها الحال من اهتمام أو نسيان، تماما كالشمس التي سميت باسمها. إنَّ الصورة التي تظهر عنها في بعض الإعلام كمدينة خارجة على القانون ليست من سجية حارات المدينة ولا ناسها، ولا قلعتها التي جعلت أبناءها على سجيتها صامدين هازئين بالعوادي والأعادي. دورنا جميعا أن نجلو الصورة … أن ننفض الغبار عن الحقيقة التي تمثلونها أنتم، حين تتبارون في الملاعبِ بأخلاقكم الإيمانية والوطنية والرياضية، هكذا تُبرزون للعالم كلِّه الوجه البهي الساطع لبعلبك وللبنان”.
بيرم
وبدوره قال الوزير بيرم : “يشرفنا أن نكون في مدينة بعلبك، ولقد أصرينا ان نحضر شخصيا لنؤكد على ثقافة الحياة الحقيقية، ثقافة النور، ثقافة المقاومة والتضحية والإباء، ثقافة الوطن، ثقافة الاتصال والتواصل مع الأصالة والتاريخ والحضارة، وأن نصنع حاضرنا ونكون جديرين به”.
وتابع: “نأتي إلى هنا إلى مدينة بعلبك لنزيل كل الشبهات، لنزيل الرأي المسبق الذي يطبع هذه المدينة وهذه المنطقة، ويحملها وزر قلة قليلة لا تمثل أهلها على تنوعهم ولا تاريخها. جئنا لنقول ان بعلبك التضحية والمقاومة والحياة والثقافة والفن والآثار والسياحة، السياحة بمفهومها المعتاد والسياحة الدينية، والتعددية والتنوع، بعلبك صورة مصغرة عن لبنان، بعلبك الأصالة والصمود بقلعتها الشامخة التي تجمع بين التاريخ والمستقبل، بعلبك التي نظرت الى جرودها وأبت إلا أن تكون جرودها طاهرة مطهرة من كل تكفير وإرهاب، لتقول ان لبنان صيغة التعددية وصيغة الإنسان ودولة الانسان”.
وأردف: “نأتي إلى هنا من الرياضة لنحرك العقل والقلب والجسد والروح، لنطلق شعلة الأمل وشعلة الحياة، وإرادة التحدي. بالمباراة تختصر حياتنا بين ربح وخسارة وبين تعادل تارة بانتظار مباراة أخرى، ولكن الذكاء أن نلعب المباراة حتى اللحظة الاخيرة لنفوز بالضربات الترجيحية لنستحق الفوز، كما كنا دائما أهل الانتصارات، أهل الحرية، أهل الثقافة، أهل الإنسانية، أهل الحياة الحقيقية”.
وختم: “لبنان الاقتدار الذي نريده على صورة شعبنا المضحي، ودولة عزيزة عادلة تنظر إلى هذه المنطقة كما غيرها تستثمر في مواردها وفي إنسانها. تلك هي رسالتنا من أرض الشمس من مدينة النور الذي لا يعرف الظلام، نعلنها هنا بعلبك مدينة الحياة والحرية والثقافة”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام