نص الخطبة
قال الله تعالى:(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ).
هذه الآية هي من الآيات القرآنية الكثيرة التي تتحدث عن عاقبة المجرمين السيئة ومصيرهم الأسود.
القرآن الكريم يركز على عواقب الأمور ونتائجها وتداعياتها على حياة الانسان ومستقبله ومصيره، فيؤكد دائما أن العاقبة قد تكون حسنة ان اتقى الانسان ربه وعمل صالحا ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ . وقد تكون عاقبة الانسان سيئة نتيجة انحرافه وظلمه وجرائمه، فالظالمون والمجرمون والطغاة والمستكبرون والمحتلون سيواجهون مصيرا اسودا عاجلا ام اجلا ولن يفلتوا من العقاب والعذاب مهما طال بهم الزمن،﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾.
المشكلة التي يقع فيها الكثيرون هي أنهم يستعجلون النتائج والعواقب ويريدون أن يروا العقاب والعذاب ينزل بالمجرمين سريعا، وييأسوا اذا تأخرت النتائج او تأخر العقاب، بينما القرآن ينصح هؤلاء المستعجلين بأن ينظروا إلى سنن الله كيف تحققت في الذين خلوا من قبل ، ان يتأملوا وينظروا كيف فعل الله بالطغاة والظالمين والمجرمين من امثال فرعون وغيره الذين ارتكبوا اعمالا وحشية بحق الابرياء وبحق الانسانية وكيف خسف الله بهم الارض وسلط عليهم انواع العذاب، وهذه السنة الالهية التي تقضي بان يواجه الظالمون والمجرمون عاقبة اعمالهم ونتائج اجرامهم تجري في كل زمان ومكان، ولن تتخلف ولن تخطئ ولن تتخطى الظالمين والمجرمين والمحتلين المعاصرين، هؤلاء ايضا من امثال الصهاينة وغيرهم ممن يمارس الارهاب والقتل وارتكاب المجازر بحق الاطفال والنساء والشيوخ والابرياء لن يفلتوا من الحساب والعقاب وهم الى زوال كما زال غيرهم من القتلة والمجرمين.
في قضية كربلاء شاهد صدق على سنة الله في الظالمين والمجرمين والقتلة .
انظروا إلى تاريخ الذين شاركوا في قتل الحسين(ع) واهل بيته واصحابه ، ماذا كان مصيرهم في الدنيا قبل الاخرة؟ لم يمر عقد من الزمان حتى رأوا نتائج أعمالهم واجرامهم وواجهوا ذلك المصير الاسود الذي كان ينتظرهم، وهلكوا جميعهم، بعضهم كانت نهايته في ظروف غامضة ولم يعرف له أثر ، وبعضهم الآخر كان مصيره القتل على يدي الثائرين الذين خرجوا بعد عاشوراء للثأر من قتلة الحسين(ع) واهل بيته وأصحابه .
الكثير من الأشخاص الذين شاركوا في قتل الحسين(ع) ومن معه، إنما ارتكبوا تلك الجرائم اما حرصا وطمعا في الحصول على دنيا، على موقع او سلطة او مال او جاه، واما رغبة في البقاء على قيد الحياة، لانهم كانوا يخافون ان لم يشاركوا في قتال الحسين(ع) من ان يقتلهم عبيد الله بن زياد ، لكن هؤلاء لا الدنيا والمناصب التي خرجوا لأجلها حصلوا عليها، ولا البقاء في الدنيا أتيح لهم ، لانه كما قلنا لم يمر عقد من الزمان على ارتكابهم لتلك الجريمة البشعة بحق الحسين(ع) واهل بيتهحتى قتلوا شر قتلة، وفصلت رؤسهم عن اجسادهم، ولو انهم لم يرتكبوا تلك الجرائم لربما كانوا حصلوا على كثير من متاع الدنيا ومواقعها ومصالحها، ولبقوا على قيد الحياة وعاشوا أكثر واطول مما عاشوه فعلا في الدنيا .
يزيد بن معاوية: المسؤول الأول عن قتل الإمام الحسين عليه السلام والذي اراد من قتل الامام ان تخلو له السلطة، إنتهت حياته بعد ثلاث سنوات من عاشوراء ولم يبقى على قيد الحياة، وكان لا يزال في بدايات عمره حيث هلك ولم يتجاوز عمره ( 38 سنة ) وكان هلاكه بطريقة شنيعة، فبحسب بعض الروايات : أنه خرج للصيد فلاح له غزال من بعيد، فانطلق بفرسه مسرعا تاركا حرسه وجعل يطارد الغزال من واد إلى واد حتى وصل الى وسط واد مخيف، فصار يفتش عن الغزال فلم ير له أثراً، فأصابه العطش من شدة الجري والتعب فلم يجد هناك ماء..
وإذا هو برجل معه جرة ماء، فقال: يا هذا أسقني قليلاً من الماء. فسقاه، فلما سقاه، قال: لو عرفت من أنا لازددت في اكرامي وضيافتي.
فقال له: ومن تكون؟
قال: أنا خليفة المسلمين يزيد بن معاوية.
فقال الرجل: أنت والله قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، يا عدو الله .. ثم هجم عليه ليقتله، فهرب الفرس ووقع يزيد على الارض وتعلق بالركاب الذي وراء الفرس، فصار الفرس كلما رآه خلفه يسرع اكثر وهو يسحب يزيد وراءه على الاحجار والصخور إلى أن تمزق جسده وهلك . ولم يعرف له قبر.
وبعد خمس خمس سنوات تقريبا على واقعة كربلاء خرج المختار الثقفي بثورته المعروفة، للثأر من قتلة الحسين(ع) وقرر ملاحقة الرموز الكبار وقتل كل من شارك في جريمة كربلاء وإرسال رأسه إلى أهل البيت عليهم السلام في المدينة.
فبدأ بعمر بن سعد الذي كان خائفاً مذعوراً، فأرسل لقتله كيسان التمار فقتله وجاء برأسه اليه، والمعروف ان عمر بن سعد كان قد وعده ابن زياد، بان يجعله حاكمًا على ولاية الريّ يعني طهران اليوم؛ ان ذهب لحرب الحسين (ع)، وقد حاول الإمام (ع) نصحه مرّات عدّة لكي يتراجع عن القتال، ولكنّه لم يأبه؛ لأنّه كان طامعا بان يحكم هذه المنطقة. فقال له الإمام (ع): “ما لك، ذبحك الله على فراشك سريعًا، ولا غفر لك يوم حشرك ونشرك، فوالله إنّي لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلّا يسيرًا”. وبالفعل فانه وبالرغم من انه نفذ كل ما طلبه ابن زياد لم يحصل من ابن زياد على ما كان يطمح اليه من مناصب الدنيا .. وكان كلّما مرّ على ملأ من الناس أعرضوا عنه، أو شتموه، وإذا دخل المسجد خرج الناس منه الى ان تمت ملاحقته وقتله.
ثمّ جاء دور محمد بن الأشعث، الذي كان قد خاطب الحسين (ع) يوم عاشوراء بكل وقاحة: يا ابن فاطمة أية حرمة لك من رسول الله ؟!
فتلا الحسين (ع) هذه الآية: (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذُرِّيَّةًۢ بَعْضُهَا مِنۢ بَعْضٍۢ)
ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم أر محمد بن الأشعث ذلاً في هذا اليوم لا تعزّه بعد هذا اليوم أبداً.
هذا الرجل أرسل المختار رجالا لملاحقته ففرّ لاجئاً إلى مصعب بن الزبير، فقام المختار وهدم داره وبنى فيها دار حجر بن عدي الكندي، وذلك بعد أن هدمها زياد بن أبيه عندما كان والياً على الكوفة، لكنّ المختار عاد وقتله في واقعة عرفت بواقعة “حروراء” عام 67 هجري.
واما حرملة بن كاهل الأسدي : صاحب السهم المثلث والذي رمى به كبد الحسين عليه السلام ، والسهم الآخر الذي رمى به الطفل الرضيع ، تقول الرواية التاريخية أنه جيء بحرملة الى المختار الثقفي فقطع يديه ورجليه، وأحرقه بالنار .
ثم جاء دور خُوَلّي بن يزيد الأصبحي الذي شارك الشمر في حزّ رأس الإمام الحسين عليه السلام فتمت تصفيته وإحراقه بالنار ، وكذا كان حال مُرّة بن منقذ قاتل علي الأكبر، فبقي الشمر بن ذي الجوشن وعبيد اللَّه بن زياد، فالأول لجأ بعد هزيمة الأشراف إلى قرية قرب البصرة، فأرسل المختار بفرقة فقتلته وألقيت جثته للكلاب فأكلتها، ثم أمر برأسه فنصب في ساحة، فمثل به الصبيان برمي الحجارة والقذارة عليه، ثم جيء برأسه الى المختار، وأما الثاني الذي ارتبط اسمه واسم أبيه بما اصاب العراق من ويلات وفتن ومنحن بدءاً من محنة حجر بن عدي وصحبه مروراً بمأساة كربلاء وما رافقها من قتل وسبي، وصولاً إلى ملحمة التوابين، حيث كان لهذا البيت دور الريادة في هذا المسلسل الإجرامي كله، فقد كانت نهايته على يدي إبراهيم بن مالك الأشتر عام 67هـ الذي لاقاه بجيشه على ضفاف نهر الخزر بين الموصل وأربيل، وكان شعار ابراهيم في هذه المواجهة “يا لثارات الحسين”، حيث لم ينجل غبار المعركة حتى قتل ابن زياد وكبار مساعديه، وأما جنوده فمن لم يقتل بالسيف قتل غرقاً في النهر.
وهكذا كان مصير كل الذين شاركوا في جريمة كربلاء لم يفلت منهم احد قتلوا جميعا وواجهوا ذلك المصير السيء في الدنيا قبل الاخرة.
وهذه هي عاقبة الظالمين والطغاة والمستكبرين والقتلة والمجرمين هؤلاء الى زوال، من كان يعتقد ان اسرائيل واميركا وحلفائهما من قتلة الاطفال والنساء في فلسطين واليمن والعراق وافغانستان وغيرها سيفلتون من العقاب فهو واهم هؤولاء لا مستقبل لهم وهم وكل ورعاة الارهاب الى زوال ولو بعد حين. وهذه سنن التاريخ امامنا
فقد اهلك الله الأمم الظالمة، قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِينَ ﴾ [يونس: 13]، وقال سبحانه: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]، وقال جل شأنه: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴾ [الأنبياء: 11
واهلك الكيانات والانظمة الظالمة ولم يبقى احد منهم فالله يتحدث عن فرعون الذي كان في قمة الطغيان والاستكبار .
وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ.
اميركا الى افول وتراجع في المنطقة وعلى مستوى العالم ولن تبقى اميركا القوة التي تهيمن وتتفرد وتتحكم بمصير العالم الى الابد.
اميركا في لبنان فشلت وعجزت عن اضعاف المقاومة بالرغم من كل الحملات والضغوط التي مارستها ولا تزال ضد حزب الله وضد الشعب اللبناني وذلك بفعل الوعي والثبات والصمود والصبر والاصرار على مواصلة طريق المقاومة وفشل الاعداء والخصوم في اقناع شعبنا بالتراجع والتخلي عن هذا الخيار الذي نقل لبنان من موقع الضعف الى موقع القوة.
واليوم المقاومة هي عنصر القوة الاساسي الذي يعتمد عليه لبنان لفرض مطالبه وشروطه وانتزاع حقوقه النفطية . فمعادلة المقاومة نقلت عملية التفاوض الى مرحلة جدية وحاسمة ولم يعد هناك متسع من الوقت امام الصهاينة للتسويف والمماطلة.
نحن نريد هذا البلد بلدا قويا ومقتدرا يستطيع ان يحافظ على سيادته وثرواته، وحزب الله من موقع الحريص على البلد ومستقبله يعمل مع كل المخلصين من أجل بناء دولة مقتدرة وعادلة ومستقلة وغير مرتهنة للخارج، دولة مؤسسات تستطيع ان تحمي شعبها وتخدم شعبها وتحافظ على مستقبل أبنائها .
ونحن قادرون على بناء دولة قويّة وعزيزة من هذا النوع بالاعتماد على امكاناتنا وقدراتنا وعقولنا وتجاربنا وخبراتنا، ولا ينقصنا شيء من ذلك، لانه عندما تتوافر الارادة الصادقة والنوايا المخلصة، عندما لا ننتظر الخارج لكي يساعدنا ويحل لنا مشاكلنا، عندما نعتمد على انفسنا ونثق بقدراتنا، نستطيع ان نبني وطنا حقيقيا ومؤسسات حقيقية، لان بناء الاوطان كما يحتاج الى العقول والتخطيط والنظم والادراة الصحيحة، يحتاج ايضا الى الايمان والاخلاص والصدق والعزم والارادة والثقة العالية بالنفس.
اذا بقي اللبنانيون ينتظرون مساعدة الخارج ويعتقدون بانهم لا يستطيعون بناء دولة مؤسسات إلّا بالإعتماد على الخارج فلن يتمكنوا من بناء دولة حقيقية لان الخارج لن يساعدنا ان لم نساعد نحن انفسنا .