اصدر وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى بيانا في مناسبة “الاربعين ربيعا”، قال فيه: “من القواعد القانونية التي لا نقاش فيها أن الحقوق اللصيقة بشخص الإنسان لا تقبل التقادم ولا يمر عليها الزمن، كحق المرء في انتسابه لأبويه، فهذا الحق يستمر ويبقى لصاحبه ولئن أهمل الوالدان تسجيل قيده أو حتى أنكراه العمر كله. كذلك الشعوب والأمم لها حقوق لصيقة بهويتها لا تخضع لمرور الزمن، مهما طال عليها اعتداء المعتدين، كحق الشعب في سيادته على أرضه وثرواتها، وحقه في مقاومة الاحتلال الذي يتربص به قهرا، وحقه في الدفاع عن وطنه ضد أي اعتداء قائم أو مفترض. وما لا يمر عليه الزمن من حقوق يبقى من المنظورين القانوني والواقعي ربيعا غضا… ولو بلغ من العمر عتيا”.
أضاف المرتضى “بهذا المفهوم الحقوقي الإنساني نطل اليوم على الربيع الأربعين، فلا نرى إلا عزائم شابة تتشابك سواعدها وإراداتها في سبيل الله والوطن والحق. ولعل منظومة القيم الإيمانية والوطنية التي تقود خطى المقاومين على دروب التضحية، هي التي كانت السبب الأول للإنتصارات المتتالية التي سجلوها ضد الإرهابين الصهيوني والتكفيري، ذلك أن السلاح وحده، إن لم تكن القيم له سياجا ومحركا، أصبح أداة للقتل المجاني. إن الله برأ المقاومين من هذا، وفتح عليهم النصر في مواجهة الأعداء، لأنهم حاربوا بإيمانهم قبل سلاحهم”.
واليوم، في غرة الاحتفالات في هذه المناسبة، ينبغي لنا التأكيد على جملة من الأمور:
أولا: أن المقاومة بغض النظر عن أي موقف سياسي مؤيد أو معارض، هي حق كفلته الشرائع السماوية والمواثيق الدولية والقوانين الوطنية بلا استثناء، وعليه يصبح الحديث عن شرعيتها مردودا على قائليه لإنتفاء الموضوع كما نقول في الأحكام والقرارات القضائية.
ثانيا: أن المقاومة واجب أخلاقي مفروض على الشعوب الحية التي تأبى الظلم وترفض الإحتلال، وتريد أن تبقى حية في عالم تنهشه بأنيابها مصالح الدول القوية التي تعمل على قهر الشعوب وإحتلالها لإستلاب خيراتها كما حدث في العراق، أو لمنح أرضها جائزة ترضية لشذاذ الآفاق كحال فلسطين. ولقد أثبت لبنان منذ أربعين سنة وأكثر، منذ سلطان باشا الاطرش وملحم قاسم المصري وأدهم خنجر، أنه وطن حي لشعب حي، وأن أبناءه مستعدون دائما للمقاومة، ومهيأون دائما للإنتصار”.
ثالثا: أن المقاومة حاجة استراتيجية للبنانيين من أجل حماية حدود لبنان وثرواته وناسه. وليس أعجب من هؤلاء الذين يريدون بالمجان أن تلغي المقاومة وجودها ودورها، في الزمن الذي تمعن فيه إسرائيل قتلا للبشر وتدميرا للمنشآت والبيوت، وإغتصابا للأرض والكرامة الوطنية، واعتداء يوميا عبر الخروقات الجوية والبحرية والبرية. هؤلاء لم يقدموا وسيلة علمية واحدة تكفل حماية البلد وحقوقه ما خلا الشعارات، التي تبوخ كلما اشتدت الشمس فيصبغونها مساء بحبر جديد وتعابير جديدة، ويطلقونها في اليوم التالي شعارات مزركشة لا قيمة فعلية لها حتى في سوق الكلام.
رابعا: أن المقاومة بسبب البعد الإيماني الذي تتصف بها أفرادا وجماعة تستطيع دائما أن تكظم الغيظ وتغضي على الشجى، لأن السلم الأهلي والوحدة الوطنية من أهم الأهداف التي تسعى إلى تأمينها وحمايتها. ولقد مارست المقاومة فعلا لا قولا سياسة كظم الغيظ وغض الطرف، في كثير من الأحداث القاسية في حقها أو في حق جمهورها. فإذا كانت قد فعلت ذلك مرات ومرات، فليس في الأمر ضعف بل احتساب وحسن تدبير لتفويت الفرصة على الأعداء وتابعيهم الذين يريدون تفكيك عرى الوحدة الوطنية، وإيقاظ الفتنة بين المواطنين، وهذا ما لن يحصل.
خامسا: أن المقاومة ليست دولة ولا هي دويلة كما يتقولون، بل هي العين التي يراقب بها الوطن مصالحه العليا، وأذنه التي تفضح نيات العدوان، ويده التي تقطع اليد الممتدة باتجاه لبنان وكنوزه الاقتصادية وبناه التحتية. إنها ابنة الشعب وأخت الجيش، وستبقى بالمرصاد على خطوط المواجهة حتى يكتب الله تعالى لنا أن نتحرر من رجس الصهاينة وغدرهم وأطماعهم”.
وتابع المرتضى:”أن ربيع المقاومة يمثل نبض الأرض التي تأبى أن تصير مواتا، وبياض حرمون الذي يرفض أن يشيخ ولو سمي شيخا، وكبر البقاع الذي يأبى الا أن يحيا عزة، كما يمثل عرس وادي الحجير الذي أضرم النار في الدبابات الإسرائيلية إنتقاما لمجزرة قانا، وشط بحر صيدا وصور المتوضىء بماء الطهر والكرامة ورفض جبل الريحان وهضاب بنت جبيل أن يكونا للطغاة مستقرا ومقاما”.
وختم المرتضى:” بهذه المعاني نستقبل ربيع المقاومة الذي ينبت كل سنة في القلوب المؤمنة أرزا وعنفوانا وثباتا، وفيه نعلن إصرارنا على حفظ المقاومة لتستمر كما أراد إمامها صخرة تتحطم عليها مطامع شياطين الأرض أعداء الحق والإنسانية”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام