تنشر بعض وسائل الاعلام العربية حجة ان المستعمرين الغربيين لم يقسموا الصين، كما هو الحال في أماكن أخرى مثل القارة الأفريقية بدليل أن الخريطة الحالية للصين هي ذاتها تلك العائدة لفترة ما اسمته “إمبراطورية تشينغ” او متشابهة جدا. تنفي مقالة منشورة على موقع قناة الجزيرة ما تسميه “ادعاء الحزب الشيوعي الصيني” بخصوص معاناة الصين من ‘الإذلال العرقي’ في القرنين التاسع عشر والعشرين، مع من نهبوا الأراضي الصينية وذبحوا الشعب الصيني… تزعم المقالة المنشورة انه بعد الإطاحة بسلالة تشينغ في عام 1911، كانت الصين مجرد إمبراطورية تصرفت كدولة قومية.
يعتمد منطق “ون أن لي” على أن الصين ليست مقسمة مثل شبه القارة الهندية إلى الهند وباكستان وبنغلاديش، وليست ندوب مثل أفريقيا، ومن ذلك يستنتج ان العدوان الغربي ونهب الصين سابقا واحتلالها واستعمارها ليس مثبتا في التاريخ.
كيف يمكن ل تسمية” إمبراطورية تشينغ ” ان تظهر باللغة العربية؟
إن رؤية مقالات “ون أن لي” وغيرها على موقع باللغة العربية تذكر بموقف خطير: من يفوز في عالم التأثير في الاعلام يمكنه التأثير على العالم اجمع.
تتحدث بعض الدراسات، ان اغلبية الناس في الشرق الأوسط ليسوا مهتمين بموضوع الصين على الإطلاق، ولديهم انطباع غامض عن تلك “الإمبراطورية ” والسبب بالتاكيد تأثير القنوات الغربية المختلفة، بما في ذلك أفلام هوليوود.
في السنوات الأخيرة، زاد اهتمام بعض المثقفين العرب، وتعلم البعض منهم تاريخ الصين وسلالة تشينغ ضمنا، والبعض عند الحديث عن التاريخ الحديث للصين، يشيرون ببساطة إلى “تشينغ”، دون اي اهتمام بسلالة تشينغ. لكن على أي حال، أولئك الذين قرأوا يعرفون أنها سلالة حكمت فترة جيدة والاستخدام الصحيح باللغة العربية للدلالة على تلك الحقبة هو عبارة “حكم سلالة تشينغ” ولا تتشابه مع مفهوم الإمبراطورية.
من المفترض ترجمة عبارة “إمبراطورية تشينغ العظيمة” الى العربية اقله بعد دراسة اشتقاقات الكلمة الرومانية القديمة “إمبراطور”، ومقارنتها بصفات الرجل الصيني “تشينغ”، هنا تظهر حتما الفوارق في المعنى. عند اختيار كلمة: “العظمى” مثلا، في اللغة العربية هناك فارق بين ان تقول عظمى وعظيم والاثنين من الجذر ذاته، هي كلمات مهمة تتشابه قليلا ولكن تختلف كثيرا من حيث المعنى وهذا هام جدا باللغة العربية. كلمة “العظيم” مثلا هي لا تعني فقط “العملاق” ، ولكن أيضا “السامي” ، “المهيب” ، إلخ. شكل الفعل أيضا يعني “الاحترام ، الخشوع”. لذلك ، يبدو أن عبارة”إمبراطورية تشينغ العظمى” المترجمة إلى العربية مخادعة للغاية بدل ان تكون إمبراطورية تشينغ العظيمة من حيث انها نبيلة ومثيرة للإعجاب.
لم يتم الدلالة الى “أسرة تشينغ” او “سلالة تشينغ” في المقالة، ولكن تم استخدام “إمبراطورية تشينغ” فقط، معتمدين ترجمة عربية غير صحيحة غير موضوعية. أحد الرسوم التوضيحية في النص المنشور هو “علم إمبراطورية تشينغ”.
ذكر ون أن لي أيضا أنه قبل “إمبراطورية تشينغ”، كانت “إمبراطورية مينغ” ، وغيرها. رفض أن يشرح أن هذه كلها مفاهيم تم إنشاؤها حديثا من قبل أشخاص معاصرين (لأغراض النمذجة، لاسقاط فكرة في قالب)، في التاريخ الصيني لا توجد ألقاب رسمية مثل “إمبراطورية أسرة يوان العظمى” ولا “سونغ” او غيرهم. لم يكن لدى الصينيين تاريخيا شيء من هذه المفاهيم على الإطلاق.
لماذا قام الجناح اليميني الغربي بالترويج عمدا لسلالة تشينغ تحت مسمى مشوه؟
بالنسبة للشعب الصيني, “الغرب” واحد، و غريب، ما هو الخطأ مع الغربيين؟ لماذا تذوب سمة مرتبطة ب بريطانيا ويتم لصقها بسلالة تشينغ ؟ في الواقع، الوضع الداخلي في الغرب معقد للغاية ودقيق. منذ القرن الماضي، أحب الأمريكيون عن وعي أو عن غير قصد التقليل من شأن أوروبا ورفع مستوى الصين، وهو ما يتضح بشكل خاص في مذكرات الدكتور كيسنجر. يبدو إن الناس الذين تعرضوا للغزو والاستعمار الأوروبي مهتمون ومستعدون للمساهمة بتنفيذ ما يتم تحريضهم عليه .
إن الصاق سمة مستحدثة ولصقها ب أسرة تشينغ تهدف الى مجموعة متنوعة من الوظائف المهمة يسعى لها الغربيين. أولا، تصوير الغربيين كضحايا للإمبراطورية الصينية، والصينيين براء من ذلك. ثانيا، إنكار الثورة الصينية والتضحية والنضال للشعب الصيني منذ عام 1840. يرتبط هذا ارتباطا وثيقا بعامل ثالث: خداع الناس في جميع أنحاء العالم وجعلهم يعتقدون أن “الإمبراطورية” هي شكل من أشكال الحضارة الإنسانية والسبيل للخروج من الطبقة الدنيى الى الاعلى.
جاد رعد ، مدير مركز الصين بالعربية الفصحى، استاذ جامعي
المصدر: بريد الموقع