الامام الخميني(قده) الشخصية الرسالية
نص الخطبة
في هذه الايام نلتقي بمناسبتين: المناسبة الأولى: هي ولادة السيدة فاطمة المعصومة(ع) ابنة الامام موسى الكاظم واخت الامام علي الرضا عليهما السلام, والمناسبة الثانية: هي ذكرى رحيل الامام الخميني(قده).
وأمام هاتين المناسبتين لا بد من كلمتين: كلمة في السيدة المعصومة(ع), وكلمة في الامام الخميني أما الكلمة في السيدة فاطمة المعصومة(ع),فقد ولدت هذه السيدة الجليلة في المدينة المنوّرة في أول شهر ذي القعدة سنة 171 للهجرة وتربت في حجر أبيها الامام موسى الكاظم(ع)، وفتحت عينيها على الدنيا في أيام محنته ومظلوميته حيث كان يعاني(ع) من مرارة الحبس في سجون العباسيين, فقد قضى في السجن ما مجموعه سبعة عشر سنة.
فقد كان عمرها لا يتجاوز الست سنوات عندما قُبض على أبيها, فارتسمت حياتها بالحزن والأسى والألم.
وقد نوه الأئمة(ع) حتى قبل ولادتها بمكانتها وموقعها ومقامها وفضل زيارتها, كما عن جدها الإمام الصادق (ع), فقد روى جماعة من أهل الري: أنهم دخلوا على الامام الصادق(ع) فقالوا: نحن من أهل الري, فقال (ع): مرحباً بأخواننا من أهل قم, فقالوا: نحن من أهل الري, فأعاد الكلام.. وقالوا مراراً وأجابهم بنفس الجواب الأول.
ثم قال (ع): إن لله حرماً وهو مكة, وإن لرسول الله (ص) حرماً وهو المدينة, وإن لأمير المؤمنين (ع) حرماً وهو الكوفة, وإن لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة, فمن زارها وجبت له الجنة..
وقد استشهد أبوها وهي لا تزال صغيرة السن, حيث كان عمرها أقل من عشر سنوات , فعاشت في كفالة أخيها الإمام الرضا (ع).
ونشأت في رعاية الامام الرضا(ع) تتلقى منه العلم والمعرفة والحكمة والفضائل والأخلاق السامية, في بيت من بيوت العصمة والطهارة, فأصبحت عالمة عارفة محدثة مفسرة, بل من رواة العلم والحديث .
بعد أن أجبر المأمون العباسي الإمام الرضا (ع) على السفر إلى مرو وخراسان, سافر الإمام الرضا(ع) وترك عائلة الإمام الكاظم(ع) في المدينة بمن فيهم فاطمة المعصومة, لكن فاطمة لم تستطع أن تصبر على فراق أخيها , فقررت بعد سنة من سفر الإمام قررت(ع) ومعها بعض أخوة الإمام وأبناء أخوته اللحاق به والسفر اليه (ع).
فسافرت فاطمة ووصلت القافلة إلى مدينة ساوة, وهي على مقربة من قم, وهناك مرضت السيدة المعصومة مرضاً شديداً, فقررت الذهاب إلى بلدة قم, وعندما عرف القميون بوجودها دعوها للإقامة في قم, وفي العاشر من ربيع الثاني سنة 201 هـ توفيت دون أن ترى أخاها الإمام الرضا (ع) ودفنت هناك حيث مقامها شامخاً اليوم في قم المشرفة, يقصده المسلمون من كل أنحاء العالم الاسلامي لزيارتها.
ويقول الإمام الرضا (ع): من زار المعصومة بقم كمن زارني.
وقد عرفت هذه السيدة بألقاب كثيرة منها: المعصومة والمحدثة والعابدة وكريمة أهل البيت (ع)، لكن اشتهرت بلقب المعصومة حتى باتت تعرف بهذا اللقب . وقد ورد أن أخاها الإمام الرضا (ع) هو من لقبها بهذا اللقب كما ورد أن جدها الصادق(ع) هو الذي لقبها بكريمة أهل البيت.
انما سميت (بالمعصومة) لطهارتها وقداستها وتقواها وعصمتها عن الذنوب والمحرمات,لأن العصمة على قسمين: عصمة واجبة كالتي ثبتت للأئمة المعصومين (ع) , وعصمة جائزة تثبت لكبار الأولياء الذين يتورعون عن الذنوب ويجاهدون أنفسهم الأمارة ويتقيدون بالأوامر والأحكام الإلهية ويتمتعون بصفات إيمانية وعبادية وأخلاقية تجعلهم في مقامات عالية.
هذه المرأة الجليلة كجدتها الزهراء(ع) أصبحت عنواناً للطهر والتقوى والعبادة والعفاف والقداسة، ونموذجا للاقتداء والتأسي به من قبل النساء والفتيات ومن قبل الرجال والشباب ايضا..
من هذه السلالة الطاهرة سلالة الامام موسى الكاظم(ع)خرج الامام الخميني رضوان الله عليه الامام روح الله الموسوي الخميني(قده).
هذا الامام العظيم الذي قاد الثورة الاسلامية في ايران واسس الجمهورية الاسلامية فيها وقدم نموذجا فريدا للحكم ولادارة السلطة وفق معايير الاسلام ومفاهيمه واحكامه.
الكثيرون ربما تحدثوا عن الشخصية القيادية للامام الخميني وقدموا الامام بوصفه قائدا وزعيما وسياسيا كبيرا ورجلا شجاعا تحدى الطغاة والمستكبرين لكن قلة هم الذين تحدثوا عن الشخصية الايمانية والتقوائية والاخلاقية والسلوكية للامام الخميني يعني عن تقواه وعن صدقه واخلاصه وتواضعه وزهده ونمط عيشه وسلوكه مع اسرته والمقربين وعن سلوكه الشخصي.
عندما نتحدث عن شخصية الإمام الخميني (قدس) من هذا الجانب فاننا نتحدث عن تدين قوي وشخصية نموذجية ورسالية جسدت كل القيم الايمانية والاخلاقية والانسانية.
فقد تحلى الامام الخميني بكل صفات الإنسان المثالي الذي بدأ حياته بالعلم والتقوى والإيمان والعمل الجاد والدؤوب، فكان عنوانا للانسان المستقيم وللشخصية الصالحة.
لقد تميزت حياة الإمام الخميني (رض) بالعديد من الخصائص والميزات نذكر بعضها باختصار:
اولا الايمان العميق والتقوى والورع فالامام كان رجلا ربانيا بكل معنى الكلمة وصورة مصغرة عن انبياء الله واولياءه فنور الايمان كان يشع من وجهه حتى إن الانسان عندما يراه يرى فيه صورة الانبياء والاولياء ويعرف عظمة الانبياء والأولياء ولا يتمالك نفسه الا ان يبكي لهيبته ووقاره وروحانيته ونورانية وجهه، وانا واحد من الناس لما رايته في حسينية جمران التي كانيستقبل الناس فيها لم اتمالك نفسي فصرت ابكي تلقائيا من شدة التأثر بهذه الشخصية العظيمة.
هذه النورانية يصنعها الايمان وتصنها التقوى والارتباط الوثيق بالله والعبادة الخالصة لله سبحانه وتعالى .
الامام كان يجتهد في الطاعة والعبادة لله يقول ” آية الله القديري “: عندما كان الإمام يأتي إلى مدرسة المرحوم آية الله البروجردي في النجف لإقامة صلاتي الظهر والعصر جماعة في شهر رمضان المبارك، كان يصلي أولاً ثماني ركعات نافلة الظهر، ثم يقيم فريضة الظهر مع تلاوة الأذان والإقامة وبصورة طويلة نسبياً. ثم يصلي بعد تعقيبات صلاة الظهر ثمان ركعات هن نافلة العصر، ثم يصلي فريضة العصر مع الأذان والإقامة مثل صلاة الظهر، ثم يؤدي تعقيباتها، ثم يخرج من المدرسة.
ولم يكن الالتزام بهذا البرنامج أمراً يسيراً لمن في عمره وخاصة في حال الصيام وفي الجو الحار للنجف، فحتى الشباب لم يكن يتيسر لهم التوفيق للقيام بذلك، ورغم ذلك كان الإمام يقوم بهذه العبادات بجد واجتهاد وإقبال قلبي كامل.
وكان الامام معروفا بتخصيص ايام في السنة لا سيما في شهر رمضان يتفرغ فيها للعبادة والطاعة وهذه هي سنة رسول الله(ص)لا سيما في العشر الاواخر من شهر رمضان.
ثانيا: التواضع يقول ” آية الله بني فاضل”: كان الامام متواضعاً حتى في تعامله مع تلامذته الذين كانوا في مراحل علمية واجتماعية عادية.. ويذكر انه كان في آذربيحان وكان الوقت صيفاً. فطلبه الامام ليحضر اليه في طهران لبحث موضوع هام يتعلق بالمدينة، وقبل أن يطرح عليه الموضوع قال له: (ارجو أن تعذرني لما تسببته لك من عناء عندما طلبت حضورك).. يقول اية الله بني فاضل تأثرت بهذا الكلام والتواضع لدرجة اني اشجهت بالبكاء.
ثالثا: من السمات الأخلاقية الفذة التي كان يتمتع بها الامام الخميني، هي ان معيار حبه وبغضه للاشخاص يكمن في التقوى وخدمة الاسلام.. حتى حبه لابنائه وافراد اسرته كان يتم بناء على هذا المعيار.
رابعا: بساطة العيش والزهد بالدنيا عندما ينظر المرء إلى الإمام الخميني يراه شخصًا زاهدًا عارفًا منقطعًا عن الدنيا؛ فالإمام لم يطمع بشيء لنفسه في هذه الدنيا، جلس في بيت متواضع جدا في الوقت التي كانت كل القصور في ايران في متناوله ، لم يشتر أثناء توليه السلطة دارًا لنجله الوحيد المرحوم السيد أحمد الذي كان يعيش في غرفتين أو ثلاث بالايجار.
كان الامام يوزع الهدايا التي كانت تأتيه على الفقراء ولا يحتفظ بها لنفسه، وفي بعض المرات كان يدفع من أمواله الخاصة، وينفق اموالا طائلة من أجل مساعدة الفقراء والمساكين والمستضعفين وبعضها من أجل الإعمار وإعانة المتضررين جراء السيول والزلازل التي كانت تحصل في بعض المناطق.
يقول “آية الله امامي كاشاني”: كانت حياة الامام الخميني بسيطة وشعبية للغاية.. على سبيل المثال، كنا نلحق به احياناً بعد الانتهاء من الدرس، (وهذا ايام ما كان في الحوزة) للاستفسار واستيضاح بعض الموضوعات. وفي الطريق كنا نشاهد سماحته يدخل المحال التجارية بكل بساطة ويقوم بشراء احتياجات المنزل بنفسه.. ان مثل هذه البساطة وعدم التكلف، التي اعتاد عليها الامام في حياته، تجسد المعنى الحقيقي للزهد.. فقد اعتاد على استهلاك القليل والانتفاع به الى اقصى حدّ ممكن.. وكان وجوده مدعاة خير وبركة بالنسبة للاخرين على الدوام.. ان بساطة العيش والزهد كانا ملازمين للامام حتى خلال فترة المرجعية.
خامسا: من ميزاته الصمت الذي يزينه الوقار يقول “حجة الاسلام الامام جماراني”: كان الإمام يتمتع بوقار واتزان وهيبة خاصة، في ذات الوقت الذي عرف بتواضعه الكبير، ففي معظم الأوقات كان يلتزم الصمت ولا يتكلم إلا قليلاً.. كان يحرص على أن يتكلم عند الضرورة. وكان كلامه مدروساً تماماً وموزوناً وموجزاً.. وفيما عدا الاجتماعات العامة التي كان يخطب فيها، قلما كان يتحدث الإمام، وفي معظم الأحيان كان منشغلاً بالتفكير، وكان يحرص على الإستفادة من أوقاته إلى أقصى حد ممكن.
الشيخ محمد جواد مغنية يقول ذهبت بعد اجتياح 78 لزيارة الامام في النجف وشرحت له اوضاع لبنان وما يعانيه الناس بسبب الاجتياح والارهاب والاطماع الاسرائيلية يقول تكلمت حوالى نصف ساعة والامام صامت وبعد ان فرغت من الكلام قال الامام جملة واحدة فقط (يجب ان يزول الشاه) وصمت، فانتظرت ان يضيف شيئا فلم يتكلم الا بهذه الجملة، يقول: فودعته وانصرفت وانا افكر في نفسي ما علاقة الشاه بما ذكرته عن الاجتياح الاسرائيلي للبنان؟ فلم افهم الجملة الى ان انتصرت الثورة الاسلامية في ايران عندها فهمت مغزى كلام الامام .
اليوم لا يزال الهم المعيشي يتقدم على سائر الهموم خصوصا بعد ارتفاع فاتورة الكهرباء والماء والدواء والمواد الغذائية بشكل فاحش وخارج عن القدرة والتحمل، مما يستوجب تحركا سريعا من حكومة تصريف الاعمال والوزارت المعنية للتخفيف من معاناة الناس وآلامهم .
ما ينتظره اللبنانيون بعد انجاز انتخاب رئيس المجلس ونائبه هو الاسراع في تشكيل حكومة جديدة قادرة على ايجاد حلول للأزمات الحياتية والمعيشية التي يعاني منها الناس .
والطروحات واللاءات التي يطلقها البعض على الصعيد الحكومي تكشف عن نوايا مسبقة للتعطيل واغراق البلد بالمزيد من الخلافات الانقسامات والازمات .
البلد لا يحتمل طروحات غير واقعية ولا يحكم بمنطق الأكثرية والاقلية ولا بمنطق الاستئثار والاقصاء والغلبة بل بمنطق الشراكة الوطنية والتعاون بين كل القوى السياسية الاساسية.
لقد جرب البعض في الماضي منطق الاستئثار والتفرد بالسلطة فكانت النتيجة زيادة الشرخ بين اللبنانيين وتعزيز حالة الانقسام في البلد وضياع فرص الانقاذ.
واليوم يحاول البعض ان يكرر التجارب الفاشلة ظنا منه انه يستطيع ان يصل الى ما يريد ويحقق اهدافه، لكنه مخطىء ومغامر ولن يصل الى نتيجة، (ويلي بيجرب المجرب بيكون عقلو مخرب ويمكن يخرب البلد).
اليوم انقاذ البلد وانتشاله من ازماته يحتاج الى ارادة وطنية جامعة والى توافق وتعاون الجميع، والتفرغ لمعالجة الهموم المعيشية والاقتصادية وإعطائها الاولوية المطلقة وبدون ذلك نحن ذاهبون نحو الاسوء والافق المسدود
من جهتنا : حزب الله متمسك بسياسة الانفتاح والحوار والتعاون مع الجميع،من موقع الحرص الوطني، للخروج من الازمات وانقاذ البلد، وهو واثق من ان اللبنانيين قادرون على معالجة ازماتهم اذا تحرروا من الارتهان للخارج وتحلوا بالمسؤولية الوطنية وتمسكوا بروحية التعاون والشراكة.
المصدر: موقع المنار