بسم الله الرحمن الرحيم
13/5/2022
11/شوال/1443
نص الخطبة
الحياد عن الحق خطيئة
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ).
وفي آية اخرى: (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ).
تحقيق النصر في اي صراع او معركة سواء كانت معركة عسكرية او معركة سياسية شرطه الأساسي هو الثبات على الحق واجتماع المؤمنين عليه والتمسك به وعدم الحياد عنه ، لأن الحياد عن الحق والانحراف عنه او التردد فيه او التراخي او الانكفاء عن نصرته او تشتت ابناء الحق وعدم اجتماعهم عليه، يؤدي الى الانكسار والهزيمة امام قوى الباطل وتمكينهم من السيطرة والهيمنة .
اهل الحق يجب ان يجتمعوا على حقهم وان يلتفوا حوله، وان لا يدعوا اهل الباطل يجتمعوا على باطلهم ويحققوا مشاريعهم واهدافهم .
تفرق أهل الحق عن حقهم وتخليهم عنه، يعدُّ هجراً لهذا الحق وبالتالي أخذاً بأسباب الهزيمة وانتصار الباطل.
والثبات على الحق والاجتماع حوله يحتاج للكثير من العزم والإرادة والتصميم والإخلاص والوعي والمعرفة والحكمة، وعدم الاصغاء والتأثر بحملات التضليل والتشويه والضغوط والحصار والعقوبات وسياسة التجويع التي يلجا اليها اهل الباطل ليحرفوا اهل الحق عن الحق.
عندما يحتدم الصراع بين الحق والباطل، لا يصح الوقوف على الحياد او التردد في مساندة الحق وتأييده والوقوف الى جانبه، لا يجوز الوقوف موقف المتفرج او كمن يقف على التل لانه اسلم، كما قال البعض عندما تخلف عن الالتحاق بعلي(ع) في مواجهة معاوية : الطعام عند معاوية أدسم، والصّلاة وراء عليّ أقوم، والجلوس على التلّ أسلم .
نعم يقف الانسان على الحياد عندما يكون الصراع بين كفرين وباطلين وشرين وطرفين ظالمين او مستكبرين او كافرين فيتركهما يتصارعان فيما بينهما ويضعفا بعضهما، اما عندما يكون الصّراع بين حقّ وباطل، بين كفر وإيمان، بين خير وشرّ، بين عدل وظلم فلا بد من اتخاذ موقف الى جانب الحق ولا معنى للحياد.
البعض ممن يعرف الحق ويعرف اهل الحق ويميز تماما بينهم وبين اهل الباطل، نجده يقف موقف الحياد فلا يشارك برأيه ولا ينتصر للحق واهله، ويقول: انا لا اريد ان اؤيد احدا! ولا ان انتصر لاحد ! ولا اريد ان اشارك في اي شيء لمصلحة احد الطرفين، اما نتيجة شبهة او ضغوط نفسية واجتماعية او ضغوط سياسية او مالية واقتصادية ومعيشية، فالبض عندما يعيش ازمات وضغوط من هذا النوع قد يشمئز من كل الاطراف بسبب الاوضاع الصعبة التي يمر بها، ويتخذ موقفا حادا وحاسما نحو الحياد ، او انه يتردد في تأييد الحق او لا يبالي ولا يهتم ويتساهل في نصرة الحق، او يقول ماذا فعل لي اهل الحق حتى اقف الى جانبهم؟! ماذا قدموا؟ ماذا عملوا ؟ ماذا وماذا؟
هذا النموذج من الاشخاص الذين يلتزمون خيار الحياد او يترددون ويتقاعسون ولا يبالون بنصرة الحق واهله بالرغم من معرفتهم به وتشخيصهم له موجودون في كل مرحلة وفي كل عصر وزمان .
الاسلام يرفض هذا المنطق من الانسان المسلم، ويرفض هذا السلوك ويعتبره يتنافى مع الايمان والاسلام، لان الاسلام والايمان ليس ان تصلي وتصوم وتحجّ وتخمِّس وتزكّي فقطّ، الإسلام هو موقف مع الحقّ ضدّ الباطل ، هو مقاومة الاستكبار وادواته، هو مواجهة الظالمين والطغاة وازلامهم الذين يريدون اسقاط الحق والغاء الحق وانكسار تحالف الحق امام تحالف الباطل .
إذا كنتَ مسلماً ، فلا بدَّ لك أن تكون إنساناً ملتزماً قضايا الحق مهما كانت الظروف والاوضاع والتحديات والضغوط، أن لا تكون حياديّاً، وأن لا تنعزل عن ساحة الصّراع، ان لا تتردد او تحتار او تتهاون او تتساهل في تاييد الحق والانتصار له، لان الضغوط والاوضاع الصعبة لا تبرر لك التخاذل والانكفاء عن تأييد الحق واهله.
المؤمن لا يمكن ان يكون حياديا في معركة الحق والباطل وفي معركة المظلوم والظالم وفي صراع الخير والشر ، سواء كانت المعركة بينهما معركة عسكرية او امنية او سياسية او انتخابية او اقتصادية او اجتماعية او ثقافية او في اي جانب من الجوانب لانه:
أولا: الحياد او التردد او اللامبالاة بنصرة الحق يعني خذلان الحق والتخلي عنه وهو يتنافي مع الاسلام والايمان لان الاسلام يفرض عليك التزام الحق والتمسك به والتحرك في خطّه والانتصار له.
يقول تعالى: (وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ) المائدة 84.
وفي آية اخرى: (الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) البقرة 147.
وفية ثالثة: (َلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ).
الحياد والتردد والحيرة والشك في صوابية خيارت اهل الحق والتخاذل عن نصرتهم هو من صفات المنافقين ايضا، فالمنافقون هم الذين يقفون على الحياد ويترددون في تأييد الحق عندما يحتدم الصراع بينه وبين الباطل، وقد تحدث الله عنهم فقال: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء…}[النساء: 143]، هؤلاء المنافقون هم كبعض الناس الذين يقولون الطعام عند معاوية أدسم، والصّلاة وراء عليّ أقوم، والجلوس على التلّ أسلم .
ثانيا: الحياد والتردد والتخلي عن نصرة الحق يعني تمكين الباطل، تمكينه من تحقيق مشروعه واهدافه وكسر الحق واهل الحق.
الحياد هو انتصار للباطل لأنَّ الباطل يقوى بطريقتين:
الطريقة الأولى: هي أن يملك قوّة أكثر ممّا يملكها الحقّ.
والطريقة الثانية: هي أن ينسحب اهل الحقّ من ساحة المعركة ويقفوا على الحياد ولا ينتصروا للحقّ. هنا، لا يوجد فرق بين أن تذهب وتحارب مع الباطل ومع الظلم ضدّ الحقّ، وبين أن تكون حيادياً بين الحقّ والباطل وتنسحب من ساحة الصراع.
يقول الامام علي(ع) لبعض الصحابة الذين وقفوا على الحياد في معركة الجمل ولم يشاركوا في القتال وحاولوا إيجاد التبريرات فراراً من المعركة وخذلاناً للحقّ. قال (عليه السلام) عنهم: «خذلوا الحقّ ولم ينصروا الباطل» مثل عبدالله بن عمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص،ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وأنس بن مالك، وغيرهم.
خذلوا الحق لانهم لم يقفوا الى جانبه، ولم ينصروا الباطل مباشرة لكنهم نصروه بطريق غير مباشر عندما خذلوا الحق وتخلوا عن نصرته والمشاركة في معركته.
ايضا مسلم بن عقيل، كان معه 18 ألف رجل، وابن زياد ليس معه أحد، حتّى إِنَّه يقال انه عندما جاء ابن زياد إلى الكوفة، أغلق عليه باب القصر، لأنّه لم يكن معه احد من اهل الكوفة وخاف ان يهجم عليه جماعة مسلم بن عقيل وهو لا يملك جماعة تدافع عنه، ولكنّهم قاموا بحملة اعلامية ونفسية ودسّوا العيون والجواسيس ورجال المخابرات التي كانت مهمّتهم التحريض على مسلم واطلاق الاتهامات والاكاذيب بحقه من اجل تشويه صورته لدى الرأي العام وابعاد الناس عنه وخذلان الحق، واستخدموا العنصر النسائي، فكانت المرأة تأتي إلى ابنها أو زوجها أو أخيها وتبكي أمامه وتقول له: يكفيك بقيّة الناس، يكفيك كلّ هؤلاء، هم ثمانية عشر ألفاً، إذا نقصوا واحداً فما المشكلة؟ وهكذا وصلت الحال بمسلم إلى أن يمشي داخل المسجد ومعه ثلاثون، وصلَّى المغرب ومعه عشرة، وصلَّى العشاء وليس معه أحد.
لهذا، لا يصح ولا يجوز أن يكون لك موقف متردد او موقف تابع للاخرين، لا يصح ان تقول: أنا لستُ مع هذه الجهة، ولا مع تلك الجهة انا مع يقوله الناس ويقرره الناس او انا الناس مع موقف فلان وعلان او الجهة الفلانية او الجماعة الفلانية، لا يصح تقول انا مع العائلة فما يختارونه انا معهم !!؟ ما يريد ابي او مايختاره اخي او ما يؤيده فلان انا معه!! هذا خطأ، لأنَّ الله لن يحاسبك على أقوال هؤلاء واراء هؤلاء واختياراتهم، بل سيحاسبك على ما تقوله أنتَ وما تختاره انت، وعلى أيّ أساس قلت هذا واخترت ذاك، يقول تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا} النحل111، في اية اخرى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} مريم: 95، في اية ثالثة: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ…} الأنعام: 94.
الله عزوجل يحاسب الانسان الفرد يوم القيامة على ما قاله وما اختاره هو من خلال عقله وارادته، يحاسبك على موقفك انت ، أمَّا موقف الآخرين، فسيحاسب الله الآخرين عليه.
الإمام الكاظم (ع) يقول لبعض أصحابه: “أبلغ خيراً، وقل خيراً، ولا تكن إِمَّعَة”. قالوا: وما الإِمَّعَة؟ قال: “أن تقول أنا مع الناس”.. ولكن ما هو رأيك، وما هو موقفك؟ ليس لي موقف. “لا تقل أنا مع الناس، وأنا كواحدٍ من النّاس، إنَّ رسول الله (ص) قال: يا أيّها النّاس، إنَّما هما نجدان؛ نجد خير ونجد شرّ، فلا يكن نجد الشرّ أحبَّ إليكم من نجد الخير”.
الله يحاسبك على ما تختاره انت من خير او شر ومن حق او باطل ومن عدل او ظلم، فلا يكن نجد الشرّ والباطل والظلم أحبَّ إليكم من نجد الخير والحق والعدل.
في 15 ايار نحن امام معركة انتخابية وسياسية حقيقية لا مكان فيها للحياد واللاموقف او للتردد والانكفاء عن المشاركة، فالوقوف على الحياد في هذه المعركة والبقاء في حالة التردد وعدم المشاركة في التصويت لخيار المقاومة، هو خذلان لاشرف وانبل واصدق مقاومة في تاريخ لبنان، وقلة وفاء لتضحياتها وعطاءاتها ودماء شهدائها ، وتمكين لأعدائها ولخصومها من تحقيق مشروعهم الرامي الى اضعاف لبنان باضعاف مقاومته وتسليمه بالكامل للخارج ليكون مرتهنا وخاضعا للارادة الامريكية والاسرائيلية .
من يقف على الحياد وينكفأ عن المشاركة في هذا الاستحقاق المهم والمصيري ولا ينتصر للمقاومة هو كمن يخذل الحق في وسط المعركة ويتخلف عن واجب ديني ووطني واخلاقي وانساني.
من يبقى في حالة تردد ويتراخى ولا يبالي في الاقتراع لخيار المقاومة هو يساهم في تمكين اعداء لبنان وادواتهم في الداخل من السيطرة على البلد وتحقيق اهدافهم الخبيثة فيه، وسيكون شريكا في كل الويلات والتداعيات التي يمكن ان تنجم عن ذلك.
خصوم المقاومة حشدوا كل امكاناتهم الدعائية والاعلامية ضد المقاومة وبثوا كل سمومهم في وجهها من اجل التأثير في مزاج الرأي العام وتخويف الناس من المقاومة وابعادهم عنها وعن خياراتها وفي اعتقادهم انهم إن لم يستطيعوا ابعاد الناس عن التصويت لخيارات المقاومة فعلى الاقل يشككون الناس بخياراتها ليخلقوا جوا من عدم الحماسة والتردد في المشاركة في الانتخابات والتصويت لمرشحي المقاومة وحلفائها ، يعني هم يريدون من حملتهم الخبيثة وشعاراتهم التي تستهدف المقاومة ان يخذل الناس المقاومة ولا يصوتوا للوائحها، وكان التركيز على بيئة المقاومة والحاضنة الاساسية للمقاومة ليكسروا المقاومة في الانتخابات ويوحوا للعالم بتراجع شعبية المقاومة وتخلي الناس عنها، ولذلك من يتخلف عن المشاركة في هذا الاستحقاق هو يساهم في تحقيق امنية من يراهن على تراجع شعبية المقاومة من خلال انخفاض نسبة التصويت لمرشحيها. يوم الاحد في 15 ايار اللبنانيون وخاصة بيئة المقاومة وجمهور المقاومة سيكونون امام امتحان تحمل مسؤولية الانحياز للحق الذي تمثله المقاومة والوقوف لجانبه والانتصار له، وامام اختبار الانحياز لمشروع بناء الدولة العادلة والقادرة والمستقلة لا الانحياز لمنطق الالغاء والاقصاء والتبعية والارتهان للخارج.
نحن ندعو اللبنانيين لا سيما الذين لا زالوا مترددين الى تحكيم ضمائرهم وحسم خياراتهم وتحمل مسؤولياتهم الوطنية والمشاركة بقوة في الاقتراع للذين قدموا تجربة نظيفة وصادقة في العمل السياسي والتشريعي وفي العمل الوزاري، للذين حموا لبنان بتضحياتهم ودماء الشهداء، ويريدون ان يبقى لبنان سيدا وقويا ومنيعا وعزيزا بالمقاومة لا للذين يكيدون لها ويتنكرون لانجازاتها وتضحياتها ويريدون للبنان ان يكون ضعيفا وعاجزا ومرتهنا ومكشوفا للاطماع الصهيونية.
اميركا والسعودية يريدون منكم راس المقاومة ثم بعد ذلك ماذا يحصل لكم تتقاتلون تخربون بلدكم تدمرون وحدتكم تضربون سلمكم الاهلي وتذهبون بلبنان الى الانهيار الكامل لا يهم المهم لديهم الغاء المقاومة والنيل من المقاومة.
من يقف على الحياد ويتخلى عن مسؤوليته في نصرة المقاومة بحياده وتراخيه وعدم مبالاته وقلة حماسته وعدم مشاركته هو يساهم في تسليم رأس المقاومة لاعدائها وخصومها والله سيسألنا يوم القيامة عن حيادنا وترددنا وحيرتنا وتراخينا وانكفائنا وعن موقفنا (وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْـُٔولُونَ).
المصدر: موقع المنار