كثيرًا ما طرحت قضية الأسرى والمعتقلين في السّجون الإسرائيليّة عبر وسائل الإعلام ومواقع التّواصل الاجتماعي التي كانت تثير قضيّتهم من خلال طرحها، ونقل أخبارهم تارة أو من خلال إطلاق حملات التّضامن معهم. وبالرّغم من كلّ المحاولات لم تنجح تلك الحملات بنسبةٍ كبيرةٍ في إيصال صوت الأسرى ومعاناتهم اليوميّة مع الاحتلال رغم كلّ الجهود التي بذلت من أجل ذلك. ومع أنّ قضية الأسرى والمعتقلين هي قضيةٌ إنسانيّةٌ بالدّرجة الأولى لم تتعاطَ معها المنظّمات الدّوليّة إلّا بنفسٍ سياسيٍّ وتمييزيٍّ وعنصريٍّ، وهذا ما أثبتته عمليّات تبادل الأسرى تاريخيًّا، اذ لم تنجح تلك المنظّمات في فرض أو إنجاز صفقة تبادلٍ واحدة بل كان دورها المعهود رعاية الصّفقة التي يتمّ فرضها بمعادلات المقاومة وإرادة أبنائها من خلال أسر جنودٍ للعدوّ الاسرائيليّ. وهذا يظهر هشاشة تلك المنظمات وتهميش دورها، لا بل تحفيزها لخدمة المحتلّ وليس الأسرى، حتّى على مستوى الإعلام الغربيّ والعربي المطبّع الذي كان ولا زال ينتهج منهجيّة إعلام العدوّ الصّهيوني من خلال تشويه صورة الأسرى والمعتقلين وتقديمهم كإرهابيين ومخربين، بينما هم ليسوا إلّا مقاتلين يدافعون عن حقوقهم المقدسة في فلسطين.
وللأسف فقد شهدنا في الفترة الأخيرة على مواقع التّواصل كتابات بعض من فاضت “إنسانيّتهم” على مقتل “مدنيين اسرائيليين” في عمليّة تل أبيب رغم عدم وجود مدنيين في مجتمع الكيان المؤقت الذي احتل الأرض، بينما لم تتحرّك اقلامهم المسبوقة الدّفع لكتابة أي حرفٍ قد ينصف أسيرًا تعدّى الخمسين عامًا أو غيره من الأسرى الذين تتعدّد حكاياتهم وتتنوّع محكوميّاتهم وتتعدّى معاناتهم حدود فلسطين المحتلّة وقطاع غزّة المحاصر منذ أن نجح الأسرى في سجن جلبوع في كسر قيودهم وانتصارهم على المنظومة الأمنيّة والعسكريّة الاسرائيليّة المتطوّرة جدًّا واختراقها وهزيمة أعتى جيشٍ وقوّةٍ عسكريّةٍ بالملعقة وبوسائل بسيطة جدًّا.
منذ تلك اللّحظة بدأ العمل على تجسيد العمليّة وإنتاجها في سياقٍ دراميٍّ رائعٍ، وفيه الكثير من التّفاصيل التي تسلّط الضوء على معاناة الأسرى والمعتقلين وحياتهم اليوميّة ضمن إنتاج عملٍ دراميٍّ فلسطينيٍّ يحاكي عمليّة نجاح الأسرى السّتة في انتزاع حريّتهم من سجن “جلبوع” الإسرائيلي الأكثر تأمينًا وتحصينًا وحراسةً وتعقيدًا بين معتقلات وسجون الكيان المؤقت. نجحت (القدس اليوم) الفضائيّة وشركة (ميدل تاون) للخدمات الإعلاميّة بإنتاج وتوثيق العمليّة ضمن إطار مسلسل تحت عنوان “شارة نصر جلبوع” للمخرج حسام أبو دان الذي كان ترك بصمته الإبداعيّة مع فريق العمل والممثّلين في تقديم قضية نفق الحرّية وأبطالها السّتة رغم المعاناة التي كان يعيشها الأسرى يوميًا داخل زنازينهم وتصديهم للعدوّ داخل المعتقلات من خلال الاعتصامات والإضراب عن الطّعام لتحسين أوضاعهم الإنسانيّة وتلبية مطالبهم كالعناية الطبيٍّة وزيادة فترة زيارات الأهالي.
صورةٌ جديدةٌ قدّمها المخرج أبو دان جذبت النّاس لمعرفة تفاصيلها ولتحدث تحوّلًا إيجابيًّا في طرح قضية الأسرى بطريقةٍ مختلفةٍ تتجاوز الطّرح العام وتجتاز حدود الزّنزانة وسياج المعتقل لا سيّما في ظلّ ما يمارسه الاحتلال من عمليّات تعذيبٍ وقمعٍ وانتهاكٍ لحقوق الإنسان.
بالرّغم من الحصار الذي يمارسه الاحتلال الاسرائيليّ نجحت الدّراما الفلسطينيّة بتجسيد المشهد بكلّ تفاصيله اليوميّة بأسلوبٍ إبداعيٍّ جذّابٍ فيه التّشويق والحماسة المبنيّة على حقائقَ واقعيّةٍ تكشف حقيقة المحتلّ ونازيته وإجرامه بحقّ الأرض والإنسان، وتبيّن مدى وهنه وضعفه وأن هزيمة الجيش الذي قيل إنّه لا يقهر ليست مستحيلةً بل تحقّقت ولمراتٍ عديدةٍ وستتكرّر في ظلّ إصرار الشّعب الفلسطينيّ على حقوقه في مواجهة المحتلّ.
“شارة نصر جلبوع” بإمكانيّاته الإنتاجيّة المتواضعة نجح في إيصال مجموعةٍ من الرّسائل الفلسطينيّة للعالم والرّسائل الإعلاميّة الحافلة بالتّفاصيل لقضية الأسرى ونجح بتسجيل خرقٍ إعلاميٍّ نوعيٍّ إلى حدٍّ ما من خلال إيصال هذه الرّسائل بطريقةٍ دراميّةٍ استقطبت الكثيرين من النّاس بعد الاطّلاع على الحقائق للتّضامن مع الشّعب الفلسطينيّ وأسراه الذين لا زالوا في معتقلاتهم حتّى اليوم.
“شارة نصر جلبوع” بوجهيه الواقعيّ والدّرامي يؤكّد ثوابتَ تاريخيّةً ويرسّخ قواعد اشتباكٍ جديدة فرضتها فلسطين بأبنائها، أوّل تلك الثّوابت أنّ فلسطين لن تكون إلّا لأهلها ولن يغيّر هذا الحقّ لا قرارات الأمم ولا مجالس الأمم، وأنّ الشّعب الفلسطيني جيلًا بعد جيلٍ لن يتهاون في الدّفاع عن أرضه، وقد أقرّ هذا الشعب قواعد اشتباكٍ جديدة تبدأ من رمي الحجر مرورًا بالعمليّات البطوليّة في الدّاخل وصولًا إلى كسر هيبة أعتى الجيوش تسليحًا وقتلًا وإرهابًا وهزيمته.
المصدر: الناشر