“قبل سيف القدس ليس كما بعدها”.. كانت هذه العبارة التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية بعد المعركة التي خاضتها دفاعاً عن القدس العام الماضي، معبرة عن تحول وتطور في السياسة العملياتية والاستراتيجية للمقاومة.
أولى هذه التغيرات حينما خرج الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة بعد شهور من سيف القدس ليعلن عن إدراج أسرى نفق الحرية ضمن أي صفقة تبادل مقبلة، إلى جانب رسالته الشهيرة بأن المقاومة في غزة تتابع ما يجري مع مقاومي جنين وأنها لن تتركهم وحدهم وستقوم بواجبها الوطني.
ومع حلول شهر رمضان وتزامنه مع عيد الفصح اليهودي، لوحت المقاومة من جديد بنسف التهدئة إذا ما أقدم المستوطنون على ذبح القرابين في ساحات المسجد الأقصى المبارك، إلى جانب الإعلان عن حماية والد الشهيد رعد حازم منفذ عملية تل أبيب الأخيرة، هو وبقية آباء الشهداء.
وتشكل هذه الإعلانات وتتابعها حضوراً للمقاومة في غزة في جميع تفاصيل المشهد الفلسطيني ومحاولة ترسيخ وتثبيت معادلات جديدة على غرار معادلة “غزة – القدس” و “غزة -جنين”، في الوقت الذي سعى الاحتلال ويسعى لتعزيز معادلة فصل الجبهات.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي، إن ما أرادته حركات المقاومة الفلسطينية، خلال مواجهة أيار/ مايو 2021 أن تفتح المجال لربط القطاع بباقي المناطق الفلسطينية بعد أن سعت سلطات الاحتلال لفصل ذلك.
ووفق حديث الشوبكي فإن من الإنجازات التي يمكن أن تكون حركات المقاومة الفلسطينية قد حققتها أنها تقدم على ربط نفسها ببقية القضايا وليس فقط بالقدس عبر سياسة متواصلة وهو تطور نوعي يحسب لها. ويضيف: “حركات المقاومة دخلت إلى جنين وهذا تطور نوعي وهو تطور يمكن أن يدفع لأن يندفع كل الفلسطينيين تحتها كمظلة بعيداً عن الأيدلوجيا السياسية”.
وبحسب الشوبكي فإن قرار المقاومة حماية أهالي الشهداء والأسرى والمناضلين لا يمكن حصره فقط في أنه محاولة لحماية هؤلاء الناس أو إسنادهم معنوياً وإنما جزء من عمل مضاد للسياسات الإسرائيلية وتحديداً سياسات العقاب الجماعي.
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف إن المقاومة تلعب بتكتيكات عدة في المشهد الدائر حالياً فغزة ليست الوحيدة الحاضرة في المشهد بل هناك مشاركة من الكل الفلسطيني كما جرى في الفترة الأخيرة عبر عدة عملية. ويضيف الصواف أن ما يجري في جنين والداخل المحتل والضفة والقدس هو في إطار استراتيجية جديدة تتبعها المقاومة تعمل من خلالها على إشراك الجميع في المشهد دون عزل أي من الساحات عن بعضها البعض وهي ضربة للسياسات الإسرائيلية.
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي فإن المقاومة في طريقها للنجاح ضمن هذه السياسات والاستراتيجية من خلال النقاط التي سجلتها خلال الجولات الأخيرة مع الاحتلال والمنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية باتت تعيش حالة من الإرباك نتيجة هذه السياسة.
ويرى أن هذه الاستراتيجية بدأت تحقق بعض النجاحات مع حضور العمل المقاوم في جبهة الضفة والداخل نتيجة لمشاركة كل الجبهات الفلسطينية دون أن يتمكن الإسرائيليين من التفرد بأي جبهة لوحدها على حدى كما كان يحاول سابقاً.
ويؤكد الصواف على أن ما قبل سيف القدس ليس كما بعدها من خلال سلوك واستراتيجية المقاومة عبر ربط غزة وسلاحها ببقية النقاط الجغرافية سواء على صعيد جنين أو القدس المحتلة أو حتى حماية أهالي الشهداء في الضفة المحتلة.
من جانبه، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي أن المقاومة داخل قطاع غزة هي مقاومة فلسطينية وليست مقاومة غزية، ولكن لأسباب تاريخية انحصر هذا النمط من المقاومة داخل القطاع، ولكن بنية المقاومة الحالية متأسسة على بنية انتفاضة الأقصى التي شارك فيها الفلسطينيون في الضفة والقدس وغزة.
وبحسب حديث عرابي، فإن الاحتلال حاول على مدار سنوات أن يقنع المقاومة أنها غزية وأن يفقدها فاعليتها وأن يحصرها داخل القطاع وأن يجعلها ذات مطالب حياتية في وقت سعت المقاومة فيه لكسر هذه الأهداف. ويبين أن المقاومة استثمرت معركة سيف القدس للتأكيد بأنها تعنى بالكل الفلسطيني وأنها مقاومة الكل الفلسطيني مثل تحرير القدس والأقصى، إلى جانب أن دخولها على صعيد التصريحات سواء القدس أو والد الشهيد رعد يثبت دورها في المشهد الفلسطيني.
ويرجح عرابي أن التهديدات والحضور الحالي للمقاومة قد يكون مؤثرا في حدود نسبية وقد يؤدي إلى كبح جماح حكومة الاحتلال الإسرائيلية ما يسهم في إعادة فتح الباب أمام المقاومة لأن تكون عنوانا أمام الإقليم والعرب للحديث معها.
المصدر: شبكة قدس