كثّفت القوات الروسية من عملياتها الميدانية، محاولةً احكام الطوق على المناطق الساحلية، وضرب المعسكرات الاوكرانية التي تحوي مقاتلين أجانب وأسلحة غربية، وذلك للحد من تدفق منظومات السلاح المضادة للدبابات التي تحصل عليها اوكرانيا، من المناطق الحدودية، وذلك في اليوم السادس والعشرين من العملية العسكرية في الأراضي الروسية.
التطورات الميدانية المتسارعة على امتداد جبهات القتال، اعادت رسم خارطة التحركات العسكرية الروسية، في مواجهة القوات الاوكرانية، بخطط آنية، تشكّل جزءً من الخطط الموضوعة للعملية العسكرية الروسية، التي تنهي يومها السادس والعشرين، علىوتيرة متصاعدة من الاحداث الميدانية.
الوتيرة المتسارعة التي يشهدها ادخال المقاتلين الاسلحة الغربية الى اوكرانيا، لاسيما المنظومات الدفاعية المحمولة المضادة للدبابات والمدرعات، أعادت الى الأذهان نشاط القواّت الاوكرانية، التي استطاعت أن تفرمل تقدّم القوات الروسية ، في بداية العملية العسكرية، ملحقة أضرارا جسيمة بالآليات الروسية، ما دفع هذه القوات الى اعتماد اسلوب جديد قائم على محاولة السيطرة على تقاطع الطرقات، وتكثيف القوات عليها، فضلاً عن احخكام الطوق على المدن الرئيسة، متجنبة الدخول اليها، وذلك بهدف تعطيل الوحدات الخاصة الاوكرانية، وعدم الدخول في حرب مدن مع هذه القوات.
القوات الروسية وبعد أنّ استطاعت الى حد كبير ربط الجبهات الشرقية بتلك الواقعة على الجبهة الشمالية، والتوغّل من هذه المحاور المتعددة نحو العمق الاوكراني، لاسيما المناطق الواقعة على امتداد الدنيبر، ومنها الى العاصمة كييف، كثّفت تحرّكها في مواجهة التسليح الغربي المتصاعد لاوكرانيا، معتمدة على 3 اساليب عسكرية.
الاسلوب الاوّل تمثّل بمحاولة احكام السيطرة على السواحل البحرية، بهدف منع ادخال الامدادات العسكرية، واحكام الطوق البحري على اوكرانيا، فبعد أنّ فرضت القوات الروسية حصاراً على مدينة ماريوبول الاستراتيجية منذ ما يقرب من ثلاثة أسابيع، والتي تعدّ آخر مدينة ساحلية على بحر آزوف خارج سيطرة القوات الروسية؟، بدات هذه القوات تشدّد من هجومها على المدينة لا سيما بعد انتهاء المهلة المقررة رسميا لخروج القوات الاوكرانية من المدينة، حيث انتقلت المعارك بين الطرفين الى داخل المدينة، بعد ان سيطرت القوات الروسية، على ميناء المدينة لتكمل بذلك تمركزها على السواجل الجنوبية الاوكرانية الواععة على بحر آزوف من الجبهة الجنوبية.
السيطرة على مدينة ماريوبول ومينائها، سيسمح للقوات الروسية بتامين الطريق الأخير الواصل بين اقليم دونباس الذي يحوي جمهوريتي لوغانسك ودونيستك، والأراضي الروسية عبر شبه جزيرة القرم المستقلة، والتي لا تزال خارج السيطرة الروسية. كما أنّ السيطرة على المدينة ومينائها الاستراتيجي، سيؤمن للقوات الروسية تحقيق أحد اهدافها الاساسية لجهة فرض حصار البحري من ناحية بحر آزوف، لمنع تدفق السلاح الى اوكرانيا، وشلّ حركة القوات الوكرانية اتي تعرضت مواقعها ومطاراتها العسكرية.
بالموازاة، واصلت القوات الروسية عملياتها في اقليم دونباس، حيث تقدّمت 4 كيلومترات، وسيطرت بالكامل على بلدة “سلادكوي”، وفق ما أفادت وزارة الدفاع الروسية، في حين اخترقت قوات جمهورية دونيتسك الشعبية بدعم روسي، عدة قرى غربي مدينة دونيتسك، كما شهدت المناطق الواقعة اقصى شمال المدينة، والتي تشكل نقطة تجمّع اساسية للقوات المتقدمة باتجاه نهر الدنيبر، تبادلا لاطلاق النار مع القوات الاوكرانية، بينما بدأت هذه القوات هجوما في اتجاه مدينة “نوفوميخايلوفكا”، كمات تتابع تحرير مستوطنة “فيرخنيتوريتسكويه”، وفق ما أفادت وزارة الدفاع الروسية”.
وفي حين تشهد بعض المحاور على الجبهة الجنوبية الشرقية هدوءً نسبياً للمعارك، التي كانت دائرة الاسبوعين الماضيين، ذكرت تقارير لمحللين عسكريين، انّ القوات الروسية تعزّز من تواجدها العسكري في المناطق التي استولت عليها على هذه الجبهة، وذلك استكمالاً لخطتها بالسيطرة على مفترقات الطرق، مشيرة الى أنّ موقف الجيش الأوكراني في الشرق يبدو غير مستقر بشكل متزايد، ما قدّ يعرّض هذه القوات لخطر ان تصبح محاصرة من قبل القوات الروسية التي تتقدّم في كل المناطق، لاسيما بعدما تعزّز من تواجدها العسكري فيها.
بالمقابل، تواصل القوات الروسية شقّ طريقها من المناطق الجنوبية الواقعة تحت سيطرتها في مقاطعة خيرسون باتجاه مدينة زاباروجيا الواقعة على نهر دنيبر، في إطار محاولاتها المتواصلة للتقدّم في العمق الاوكراني، حيث وصلت هذه القوات تقدّمها على الطرق الموصلة الى مدينة دينبرو، في سعي دائم للالتقاء بالقوات المتقدمة من الجهة الشرقية عند حدود دينبرو، لتشكل نقطة دعم للوحدات التي تشق طريقها باتجاه المناطق الواقعة وسط البلاد، حتى العاصمة كييف.
في حين شقت وحدات منها طريقها الى مدينة كروبينيتسكية، في محاولة للالتقاء بالقوات المتقدمة من محور سومي باتجاه النهر، لتشكل قوة دعم أساسية للقوات التي تشق طريقها باتجاه العاصمة كييف، في وقت واصلت القوات الروسية تعزيز وحداتها على الطرق الرئيسية المؤدية من مدينة كوتيفا الى مدينة شركاسي، وسط البلاد، حيث تحاول ربط الطرق الموصلة من الجهات الشمالية والجنوبية والشرقية، عبر شبكة تسمح لها بإحكام الطوق على هذه المدن الرئيسية، ومنع دخول أي امدادات عسكرية اليها. وواصلت هذه القوات تقدّمها نحو مدينة سنيهوريفكا، في محاولة للالتقاء بالقوات المتقدمة من ناحية خيرسون جنوباً، كما اخترقت وحدات أخرى الطرق المؤدية الى مدينة باشتانكا، للالتقاء بالقوات المتقدمة منها، فيما لا يزال القتال دائراً حول بلدة فيرخنيتوريتسكويه بين القوات الاوكرانية.
الاسلوب الثاني الذي تنتهجه القوات الروسية، تمثّل بتكثيف هذه القوات هجماتها على المعسكرات الاوكرانية، التي تحوي مقاتلين أجنبية والأسلحة الغربية، لاسيما في المناطق الغربية التي تتدفق منها الاسلحة عبر الحدود البولندية، التي حصلت عليها القوات الاوكرانية. وفي السياق أفادت وزارة الدفاع الروسية بمقتل أكثر من 80 من القوات الاجنبية والاوكرانية، في منطقة ريفني الواقعة شمال غربي أوكرانيا، مشيرة إلى قصف مركز لتدريب الأجانب في ريفني بصواريخ كروز. وقالت إن صواريخ كروز دمرت مستودعًا للذخيرة والأسلحة في مدينة سيليتس.
واوضح أن الصواريخ “توجه ضربات عالية الدقة على البنية التحتية العسكرية وليس بأي حال من الأحوال على أهداف مدنية.
بالموازة لا تزال القوات المتقدّمة من جبهة سومي، على الجبهة الشمالية الشرقية، على محورين متوازيين، تعزّز تواجدها على كامل الطرق المؤدية الى وسط اوكرانيا، باتجاه المدن الواقعة على ضفتي نهر دنيبر، لتكمل طريقها باتجاه العاصمة كييف، من دون أن تحاول دخول المدن الكبرى الرئيسية، التي تكتفي بحصارها، والالتفاف حولها، في محاولة لتجنب الدخول في حرب شوارع، ويتجه المحور الاول من سومسي باتجاه كونوتوب ووصولاً نزهين ونويفكا، ومنها الى بروفاري التي تبعد عشرين كيلومتراً من العاصمة كييف، حيث تلتقي بالقوات المتقدّمة من المحور الثاني للجبهة الشمالية الشرقية، والتي تنطلق من مدينة سومي باتجاه مدينة رومني ومنها الى بريلوكي، لتلتف هذه القوات من بروفاري باتجاه القرى الواقعة جنوبي كييف وشمالها، والتي لا تزال تشهد معارك متقطعة مع القوات الاوكرانية المدافعة عنها.
وقد سيطر العسكريون الروس على قرية “نيكولايفكا” بضواحي كييف، وعلى مركز قيادة تحت الأرض تابع للقوات المسلحة الأوكراني، حيث استسلم 61 جنديا أوكرانيا بشكل طوعي، أكثر من نصفهم من كبار الضباط في القوات المسلحة الأوكرانية، وفق ما افادت وزارة الدفاع الروسية، مشيرة الى أنّ وحدات من قوات الإنزال الجوي طردت كتائب تابعة للجيش الأوكراني وللقوميين الأوكرانيين من منطقة سكنية بضواحي كييف، الذين فروا وتركوا الدبابات وناقلات الجند المدرعة، والأسلحة المضادة للدبابات.
وأوضحت الوزارة أن هذه المعدات والأسلحة التابعة للجيش سيتم نقلها وتسليمها إلى وحدات الدفاع الشعبي في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين. من جانبها قالت وزارة الدفاع البريطانية، إن القوات الروسية تتقدم نحو كييف من الشمال الشرقي. وأشارت إلى أن القوات الروسية لا تزال بعيدة بنحو 25 كيلومترا عن وسط كييف. وتابعت أن روسيا ستعطي على الأرجح الأولوية لمحاولة تطويق كييف خلال الأسابيع المقبلة.
ويلاحظ أن القوات الروسية، غيّرت من استراتيجيتها العسكرية عبر أسلوبين مغايرين، الأوّل يتمثّل بالتحوّل من محاولة التقدّم داخل المدن الاوكرانية الى محاولة إحكام الطوق عليها، وتجنب الدخول في حرب مدن مع القوات الاوكرانية التي أعادت تنظيم دفاعتها داخل المدن. والثاني يتمثّل بالتحوّل من التقدّم من عدّة محاور متباعدة بهدف السيطرة على أكبر عدد من المدن، الى الاعتماد على اسلوب تكثيف نشاطاتها على كل الطرق الرئيسية، ومحاولة الربط بين هذه الطرق عبر إدخال فرق إضافية من المناطق الحدودية، والعمل على إلتقاء هذه القوات بالقوات المتقدمة من باقي الجبهات، لتشكل شبكة مترابطة، تشتت من خلالها عمل القوات الخاصة الاوكرانية، وتحدّ من فعاليتها، لاسيّما أنّ هذه القوات استطاعت تدمير أكثر من قافلة عسكرية روسية في بداية الحرب، مستفيدة المنظمومات الصاروخية المضادة للدبابات المقدمة من الدول الغربية، ومعتمدة على تكتيكات عالية الدقّة، في تحقيق أنشطتها.
المصدر: يونيوز