دعا رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي “جميع اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الى التعاون مع هذه الحكومة في مهمتها الواضحة، كي لا اقول الصعبة، وهي وقف الانهيار والعمل لانجاز خطة نهوض تضع لبنان على سكة التعافي والاستقرار، وتشرف على اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، باعتبارها استحقاقا دستوريا اساسيا وفرصة للتغيير الذي يأمله اللبنانيون”. وأعلن “اننا نأمل في الفترة القليلة المقبلة ان نطلق البرنامج الوطني للتعافي الاقتصادي والمالي بعد إنجاز المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وهذه الخطوة من شأنها باذن الله ان تضع وطننا على طريق الحل التدريجي الذي سيعيد لوطننا عافيته واستقراره”. واكد “ان الإصلاحات ليست مطلوبة فقط من صندوق النقد الدولي بل هي ضرورية لمصلحة لبنان وهي مناسبة لنقوم بها، وستكون موجعة لسوء الحظ ولكننا مضطرون ان نمر بها للوصول الى الضوء والخروج من النفق”.
موقف الرئيس ميقاتي جاء، خلال رعايته قبل ظهر اليوم، اعادة افتتاح المكتبة الوطنية في الصنائع بعد الانتهاء من اعمال ترميم البناء الذي تضرر اثر انفجار مرفأ بيروت عدا الاضرار التي لحقت بالمعدات والاجهزة داخل المقر، وذلك بتمويل مشترك من دولة قطر ومؤسسة “اليف” الدولية التي تعنى بالحفاظ على التراث في مناطق النزاعات في العالم.
وقد افتتح الرئيس ميقاتي ووزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى المكتبة الوطنية في حضور وزراء الدفاع موريس سليم، الطاقة وليد فياض، الصحة العامة فراس الأبيض، الاقتصاد أمين سلام، السياحة وليد نصار، العمل مصطفى بيرم، التنمية الادارية نجلا رياشي عساكر، وشخصيات دبلوماسية وسياسية وثقافية وجامعية وتربوية.
الرئيس ميقاتي
وألقى الرئيس ميقاتي في المناسبة كلمة قال فيها: “”نحن هنا اليوم مجددا لنشهد ونؤكد ان بيروت كانت وستبقى أم الشرائع ومدينة عصية على اليأس. فرغم كل ما يحيط بنا من تحديات وهموم سياسية واقتصادية واجتماعية، سيبقى للكلمة والثقافة عنوانها في قلب هذه العاصمة، كشاهد حي على ان بيروت لن تموت، ولو تدمرت بظروف مختلفة، ستنهض مجددا لتبقى منارة هذا الشرق”.
وقال: “زلزال عام 551 دمر بيروت تدميرا كبيرا ونهضت. وزلزال المرفأ في الرابع من آب 2020 خلف مآسي وأوجاعا لم تشف بعد قبل أن تعرف الحقيقة الكاملة عما حصل. المكتبة الوطنية التي نلتقي في رحابها اليوم بعد إنتهاء أعمال ترميمها نتيجة انفجار مرفأ بيروت، كانت وستبقى واحة أمل تجمع اللبنانيين وعنوانا من عناوين الثقافة والفكر والعلم”.
اضاف: “صحيح أن التكنولوجيا الرقمية باتت تطغى على الورق والكتاب في العديد من مفاصل حياتنا، لكن الكتاب يبقى المرجع الاساسي للتطور العلمي. وما تكتنزه هذه المكتبة من ابداعات متنوعة في كل مجالات الثقافة، خير دليل على ما نقول. والتحدي الاساسي سيبقى في الحفاظ على هذا الارث ونقله الى الاجيال المقبلة، وهو الاساس في غنى هذا الوطن الفكري وتنوعه، وتميزه في هذا الشرق. وفي هذه المناسبة، فانني أدعو الى العمل لجعل الأرشيف الوطني جزءا من هذه المكتبة الوطنية، حفظا للتراث ولجعله في متناول اهل العلم والاختصاص وجميع الراغبين في الاحاطة بتاريخ هذا الوطن وحاضره”.
وقال: “من هذا الصرح الوطني الجامع، أدعو جميع اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الى التعاون مع هذه الحكومة في مهمتها الواضحة، كي لا اقول الصعبة، وهي وقف الانهيار والعمل لانجاز خطة نهوض تضع لبنان على سكة التعافي والاستقرار، وتشرف على اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، باعتبارها استحقاقا دستوريا اساسيا وفرصة للتغيير الذي يأمله اللبنانيون. ونأمل في الفترة القليلة المقبلة ان نطلق البرنامج الوطني للتعافي الاقتصادي والمالي بعد انجاز المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وهذه الخطوة من شأنها باذن الله ان تضع وطننا على طريق الحل التدريجي الذي سيعيد لوطننا عافيته واستقراره”.
وتابع: “مسارنا طويل، ويلزمنا وقت للمواءمة بين الوضع الذي وصلنا اليه، وبين الوضع المعيشي. والحكومة جادة لإيجاد كل الحلول الممكنة، لدينا اليوم الموازنة التي سيقرها مجلس الوزراء ان شاء الله لإرسالها لمجلس النواب، وفي الموازنة مواد تنصف الموظفين في الإدارة العامة، وبعدها هناك خطة التعافي الاقتصادي، وهي باب للوصول الى صندوق النقد الدولي وهي خطة لبنانية وطنية للخروج من الأزمة”.
اضاف: “الإصلاحات ليست مطلوبة فقط من صندوق النقد الدولي بل هي ضرورية لمصلحة لبنان وهي مناسبة لنقوم بها، وستكون موجعة لسوء الحظ ولكننا مضطرون ان نمر بها للوصول الى الضوء والخروج من النفق”.
وختم: “مجددا، أعبر عن سروري للمشاركة في هذا اللقاء المميز، وأحيي جهود معالي الوزير محمد مرتضى والقيمين على هذه المكتبة الوطنية والذين قاموا بأعمال الترميم. واخص بالشكر دولة قطر ومؤسسة “اليف” ، وآمل تعميم هذه اللقاءات والمراكز الفكرية والثقافية في كل لبنان”.
وزير الثقافة
والقى الوزير المرتضى كلمة تحدث فيها عن بدايات المكتبة الوطنية، قال: “كان للبنان الكبير من العمر سنة واحدة حين تبرع له الكونت فيليب دي طرازي بمكتبته النادرة التي ضمت أكثر من عشرين ألف كتاب ونحوا من ثلاثة آلاف مخطوطة، فتشكلت بذلك “دار الكتب الوطنية”، أولى المؤسسات الرسمية المبنية بأيد لبنانية صافية العروق، بخلاف كثير من المؤسسات الوطنية التي كان الفرنسيون وراء إنشائها وتنظيمها زمن الانتداب”.
وأضاف: “وراح المحتوى المعرفي في هذه المكتبة يكبر عاما بعد عام، كما يكبر الإنسان ولكن، من غير شيخوخة مداد أو وهن أوراق. فإن بيروت يومذاك، وبعده إلى زمن قريب، كانت مطبعة الشرق ومنبره شبه الوحيد المنفتح على الثقافات قديمها والجديد، وساحة نضاله المشرعة الجهات لرياح الحرية التي أثمرت مئات من دور النشر، وآلافا مؤلفة من الكتب والمسارح والمعارض، وحراكا نهضويا حداثيا في الأدب والشعر وسائر الفنون الجميلة، وجامعات ومنتديات وإعلاما وصحافة فاغتنت بآثار هذا كله المكتبة الوطنية حتى اكتنزت رفوفها بالبدائع من كل طارف في الفكر وتليد”.
وعن اهمية دور بيروت ثقافيا وحضاريا، قال: “وتأكيدا على هذه الحقيقة الغنية عن التأكيد، أسترجع أمامكم ما جاء في إعلان الأونيسكو لعام 2009 الذي عزا اختيار بيروت عاصمة للكتاب إلى “كونها من أقدم مدن ساحل شرق المتوسط، وقد شعت في القرن الثالث مدرستها للحقوق، وغدت إثر ثلاثة قرون بعدها مركزا لتجارة الحرير، وفي القرن التاسع عشر باتت مركزا اقتصاديا وثقافيا عامرا بالجامعات والصحف، واعتبرت بيروت مطبعة العالم العربي، وكان دورها كبيرا في نشر الكتب في دنيا العرب، مع إسهامها الواسع في النهضة العربية، وهي تضم اليوم أكثر من عشر جامعات معروفة مع وفرة المراكز الثقافية”. (انتهى الاقتباس).
وعن الواقع الراهن للمكتبة الوطنية، قال المرتضى: “أما المكتبة الوطنية التي نجلس اليوم في رحابها، فبالإضافة إلى الكتب المطبوعة والمنشورة في لبنان، والتي كانت تزود المكتبة بنسخ عنها عبر عملية الإيداع القانوني، لم يتوان القيمون على إدارتها عن رفدها بما كانت تنتجه الأقلام العربية في دمشق وبغداد والقاهرة وسواها، من مؤلفات في مختلف نواحي الثقافة، مما لم ينشر عندنا، وبما كانت تنتجه الأقلام الأجنبية بلغات شتى في أقطار الأرض جمعاء. كذلك لم تتوان الدولة وبالتحديد وزراء الثقافة المتعاقبون عن بذل كل الجهود لحفظ هذا التراث، منذ افتتاح المكتبة في مبنى المدرسة الألمانية، حتى انتقالها إلى مجلس النواب في ساحة النجمة، حتى استقرارها ههنا في الصنائع، بعدما تبرعت دولة قطر مشكورة بترميمها مرتين: الأولى عام 2008 والثانية منذ سنة ونيف بالتعاون مع ALIPH FOUNDATION وهي تحالف دولي يعنى بالحفاظ على التراث في مناطق النزاعات في العالم، وذلك على إثر نكبة انفجار مرفأ بيروت، الذي ألحق عصفه بالمكتبة أضرارا فادحة في البناء والتجهيزات والمعدات. أما الكتب فسلمت بفضل سرعة نقلها الى المخازن السفلى ضمن خطة الحفظ الوقائي والسيناريو الكوارثي لحفظ مجموعات المكتبة”.
وشدد المرتضى على “أهمية مواكبة عمل المكتبة للتطور العلمي”، وقال: “لم أرد في هذه العجالة أن أكتفي برواية تاريخ وجيز عن المكتبة الوطنية. فرؤية الأمس تبقى كليلة إذا لم ترافقها رؤية للمستقبل. من هنا يهيب بنا التاريخ المشرق الذي زينته بيروت، أن نعمل على توطيد دور وزارة الثقافة في حماية هذا التاريخ وتسليمه إلى الأجيال الآتية حيا فاعلا. والبداية هنا في المكتبة الوطنية التي ينبغي لها أن تستكمل دورها الرائد بتقوية شبكة علاقاتها المهنية المحلية والدولية من أجل تنمية قدرات فريق عملها، والسعي إلى تغطية ما في المجموعات الكتبية من نقص، وإلى استعادة التراث الضائع وتشجيع التبادل العيني الذي تقدمه المكتبات والمؤسسات المختلفة عبر الشراكة والتعاون. مع التركيز على دعم اقتصاد المعرفة، في الزمن الذي أصبحت فيه المعلومة نقود العولمة، وعلى تنفيذ مشروع رقمنة المجموعات ونشرها في العالم الافتراضي وإتاحتها أمام الراغبين، كي لا تظل “المكتبة الوطنية” مجتمعا للوثائق والكتب وفضاء هادئا للقراءة فقط، بل لتصير أيضا مركزا للبحوث الأكاديمية فتكون بذلك إلى جانب نظيراتها من المكتبات الخاصة والعامة عنوانا لرسوخ لبنان في ضمير الحضارة”.
وأشار المرتضى إلى “ان للمكتبة الوطنية دورا آخر يتمحور، حول أهمية جمع التراث الوطني في الموسيقى والغناء والسينما والمسرح، لتصير هذه الدار محل إقامة، مختارا لكل أرشيف وفن جميل. مهمة ينبغي لنا وضع دراساتها واستصدار التشريعات الضرورية لها إن لزم، والسعي إلى تأمين التمويل لإنجازها، مع الإقرار المسبق بالصعوبة التي ترافق هذا العمل نتيجة الأوضاع الاقتصادية والنقدية التي يمر بها الدولة والمواطنون”.
وتوجه وزير الثقافة الى الرئيس ميقاتي بالقول: “دولة الرئيس، في الزمن الصعب تبقى الثقافة ملجأ مشاعا لكل الناس، لا لتنسيهم واقعهم بل لكي تدلهم على القواعد الفكرية والآليات العلمية الكفيلة بتخطيه، بعيدا من استثارة العصبيات والأنانيات والفئويات. ولبيروت دور أساسي هو بث الوعي، الوعي لحتمية العيش معا وغناه والوعي لما يحاك من مساع ترمي الى التفرقة والإنقسام، ولبيروت هوية واحدة تتمثل في ثقافة الإنفتاح والعزة والحرية، أما غيرها مما قد تنسب إليه العاصمة فضياع أو وهم أو هويات قاتلة كما قال أمين معلوف.”
وختم: :ولأننا أبناء إيمان يا دولة الرئيس، وشعبنا يردد في صلواته قولا من أحد الكتابين: (إقرأ) و(في البدء كان الكلمة)، ولأن وطننا مهد الأبجدية أثمن إنجاز إنساني، ولأننا ننبذ الظلامية وموت الفكر والإنغلاق والخنوع ونتنفس الإنفتاح وقبول الآخر والعزة وعدم الركون للظلم، سنظل نقول: عشتم، عاشت الثقافة، وعاش لبنان.”
وكان الحفل افتتح بازاحة الرئيس ميقاتي والوزير المرتضى الستارة عن اللوحة التذكارية عند مدخل المكتبة الوطنية، ثم جولة في ارجاء المكتبة واقسامها. وقد قدم الحفل المحامي شوقي ساسين.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام