قد تكون الحملة الأخيرة التي قامت بها دوريات من أمن الدولة على المؤسسات التجارية من الشمال الى البقاع، الخطوة الناجحة الثانية للدولة بعد الحملة التي قام بها الجيش اللبناني منذ أشهر على خزانات إحتكار الوقود، وما يُميِّز المؤسسة الأمنية الرسمية في مُداهمة الأسواق، أنها تمتلك جداول أسعار السلع كما هي معتمدة من وزارة الإقتصاد يوماً بيوم، لكن هذا لا يعني عدم إعطاء بعض البلديات والأحزاب وسام المُبادرة لحماية المُستهلك اللبناني من حيتان المال، سواء كانوا من مالكي المولات الكبرى أو أصحاب دكاكين.
لطالما كانت الدولة بحاجة الى البلديات والأحزاب في البحث والتحري عن المخالفين، بوجود أكثر من عشرين ألف مؤسسة في لبنان غير مسجلة لدى نقابة أصحاب السوبرماركت، ولا تراخيص لمعظمها من وزارة الإقتصاد، وبالتالي فإن السلطات المحلية الممثلة بالبلديات، بالتعاون مع الأحزاب ذات التوجهات الخدماتية، هي التي تستطيع أن تكون المُرشد للمؤسسات الرسمية، نتيجة هذا الإنتشار غير المنضبط للمحال التجارية بصرف النظر عن حجمها لأنها على قدر حجمها تتحكَّم بأحوال الناس.
ما يعنينا في الموضوع، أن تكون الحملات مُستدامة والإختيارات عشوائية ومفاجئة، وأن تكون الإجراءات رادعة، ولا يكفي إغلاق مؤسسة لمدة 24 ساعة بهدف إعطائها فرصة لتصويب أسعارها أو الإعلان عنها بملصقات على الأصناف، مع تسجيل الأسف أن بعض أصحاب المتاجر يعرفون مسبقاً بمداهمات وزارة الإقتصاد، ويقومون بالترتيبات اللازمة لتفادي حتى محاضر الضبط البسيطة.
ولا حرج لدى بعض التجار بأداء القَسَم، أنهم اشتروا البضاعة على سعر مرتفع للدولار عندما يهبط سعر الصرف، وهنا تكمُن أكبر المشكلات في هذا الفلتان للتنصُّل من التسعيرات الرسمية، ولم تنجح حتى المنافسة التجارية في خلق تنافس الأسعار، لأن المواطن بات أيضاً مقيَّداً بمكان إقامته للتسوُّق بعد الإرتفاع الجنوني لأسعار البنزين وبالتالي ارتفاع كلفة النقل.
باتت الأمور ترتبط بالذمم، في أكبر مخالفة لمنطق إدارة الأزمات، عندما تعجز الدولة لأكثر من سبب عن فرض التسعيرة الرسمية، خاصة بعد الإعتراف شبه الرسمي بالسوق السوداء للدولار، وهنا تتكرر أعذار التجار، أنهم يشترون السلع على سعر صرف مرتفع ويرفضون تنزيل الأسعار مع نزول سعر الصرف، وهنا نتساءل: كيف تستطيع الدولة تسعير المحروقات والخبز وفرض السعر على المحطات والأفران وتعجز عن إلزام تجار المواد الإستهلاكية الأخرى بوجوب التزام أسعارها، والجواب: لأن العقوبات لا تُقارن بحجم المخالفات للأسف، ولم نجِد متاجراً خُتمت بالشمع الأحمر لفترة طويلة كي يرتدع المخالفون عن ارتكاباتهم …
المصدر: خاص