أكثر من شخصية محسوبة على حراك 17 تشرين، أعلنت عدم رغبتها في خوض غمار الإنتخابات النيابية القادمة لأسباب مادية، وكأنه إعترافٌ صريح وواضح بأهمية المال الإنتخابي في المواجهة، لكن الواقع أن مَن أنتجتهم الساحات “الثورية” على مدى أكثر من عامين، نالوا شعبية أشبه بتلك التي ينالها المرء من مواقع التواصل الإجتماعي، التي تجمع له الأصدقاء الإفتراضيين من كل المناحي، لكن متى عاد الى منطقته الإنتخابية والجغرافيا الواقعية، يُصاب بخيبة ضمور المعارف والمؤيدين، بحيث لم نلحظ لغاية الآن الإعلان عن أي تفاهم على مُرشَّحٍ واحد أنتجته الحراكات في الشارع.
أخطأ أولئك الذين طرحوا شعار “كلُّن يعني كلُّن”، لأن فيه من الظلم ما لا يقبله أصحاب الضمائر في ممارسة السياسة، وهو الذي أبعد الجماهير عن رافعي هذا الشعار الغوغائي، الذي وضع الجميع في وعاءٍ واحدٍ، وظنّ طارحوه، أن تصنيف أهل السياسة مسألة مزاجية إنفعالية تمرّ وتترسَّخ عشوائياً في العقول، لكن الواقع، أن الشارع الشعبي تلمَّس الأيدي التي امتدَّت إليه في أصعب ضائقة معيشية عرفها لبنان، وبين تلك التي تستخدمه فقط لبلوغ أدراج ساحة النجمة.
لذلك، بإمكان الناخبين اللبنانيين على امتداد خارطة الدوائر الإنتخابية، ترقُّب الترشيحات على أنواعها، لكن الأهم فيها هي التحالفات، التي ما لم تكُن على أساس وطني وسياسي، فهي رفقة طريق إنتخابية تنتهي بنهاية يوم الإنتخابات، وما أكثر رفاق الطريق في مختلف المناطق خاصة تلك التي تجمع ثوار “كلُّن يعني كلُّن” بإقطاعيين، بعضهم، أباً عن جدّ أساس الفساد في هذا البلد.
ما قد يحصل هو اجتماع الأضداد في إجماعٍ على قطف الموسم الإنتخابي، رفقة طريقٍ تنتهي عشية اليوم الإنتخابي، ودوافع هذه الرفقة مصلحة مشتركة، بحيث يستفيد مُرشح الإقطاع العائلي من وهج “الثورة”، ويستفيد المًرشَّح “الثورجي” من القدرة التجييرية لدى الإقطاعي، وينسى الطرفان أن معارك على الأصوات التفضيلية ستنشب بين الماكينات الإنتخابية يوم الإقتراع والغَلَبة ستكون لمَن هو قادر على النكوث بالوعد والعهد أكثر من الآخر!
نحن لسنا بصدد التوجيه الإنتخابي لأحد، لأن الرهان يبقى على العقول الواعية والضمائر الحيَّة لدى القواعد الإنتخابية، في الحذر من المتاجرة بالشعارات السياسية الفضفاضة والوعود غير الصادقة، سيما من المرشحين أصحاب “الرفقة الإنتخابية” القصيرة، وهذا المزج الغريب بين الإقطاع السياسي العائلي وبين الثائرين عليه، وبين عباءة الإقطاع وجلباب الثورة هو تمثيلية هزلية لا يجب أن تنطلي على الناس، مقابل كل الخيارات الواقعية التي تحترم خصوصيات البيئة اللبنانية وتُحاكي معاناة الناس على الدوام، والإنتخابات مع نتائجها ليست هي الغاية، وهي ليست أكثر من محطة لوجستية لتنظيم التمثيل الشعبي، وفق برامج وطنية موضوعة من كل حزب أو طرف سياسي بصرف النظر عن هوية المُرشَّح، متى كانت المؤسسة الحزبية أو السياسية هي المسؤولة عن أدائه أمام الناس..
المصدر: خاص