نكاد في لبنان نتحسَّر على زمن الصحافة الورقية، ربما لأن الضوابط الرقابية الرسمية كانت موجودة، إنما الكلمة المسؤولة متى كانت مسموعة، تغدو أقرب الى القلب والوجدان، لكن الكلمة النابية التي باتت للأسف سِمَة بعض الإعلام، عيِّنة من سموم لا تقلّ خطراً عن الوباء على حياة اللبنانيين.
الإستماع الى مقدمة نشرة الأخبار لدى أية محطة تلفزيونية، يعطي موجزاً عن أدبيات كل النشرة، سواء لجهة مصداقية الخبر والتحليل، أو انعدام الصدق والمنطق في عرض الأمور، وإدارات بعض المحطات تُدرِك أنها تخسر متابعين ولكن، هي للأسف تكسب سواهم لأنها تخاطب زواريبهم السياسية ولو عبر تشويه الحقائق، ولا نتهِّم المجلس الوطني للإعلام بالتقصير، لأننا بلغنا زمناً غدا كل مُدوِّن على مواقع التواصل يعتبر نفسه إعلامياً مستقلاً بذاته، فيما باتت مسألة الضبط رهينة “القرار الإستراتيجي” للمحطة والإذاعة والصحيفة، في ما يخدم التوجهات الخاصة بكلٍّ منها.
وإذا كان المُتابِع يتجاهل خطر الخطاب الإعلامي السائد، فهو لا يواكِب النكسة السياسية الحاصلة، لأن بعض الإعلام هو الذي يؤجج نارها وينقل الى الداخل والخارج قتامة سوداويتها، وتكتفي المرجعيات السياسية الرسمية المُستهدفَة بنفي أخبار تطال من هيبتها وتُزعزع الثقة بها، دون اللجوء الى وسيلة ضبطها إن لم نقُل ردعها عن التمادي في أمور باتت تُهدد الكيان السياسي، بصرف النظر عن القصور في الأداء العام للدولة ومؤسساتها الرسمية.
وفي آخر الوقائع التي تضيع حقائقها في متاهات وسائل الإعلام، كانت واقعة انتخابات نقابة أطباء الأسنان، ونحن نجزم أن القلَّة القليلة من اللبنانيين قد وصلتها تفاصيل الإشكالات الإنتخابية التي حصلت، أو تلك التي تحصل في كل انتخابات نقابية أو طلابية، حيث تعتقد الأبواق المُباعَة والمُعارَة أنها تفرض الحقيقة من خلال تصريحات “شهود عيان”، غالب الأحيان يتمّ استصراحهم بعد تلقينهم! والإعلام الإنتخابي يُراد به أن ينزِل بالسياسة الى حلبة النِزال الدائم، وإذا كانت انتخابات على مستوى نقابي أو طلابي يحضرها بضع مئات من الأشخاص الأكاديميين أصحاب المستويات التي يُفترض أنها راقية، يُشعلها هذا الإعلام، فلأنه ينقل وقائعها بكل السلبيات والتحليلات، ويُلحِقُها بملاحق على مدى الأيام التي تلي الواقعة، وينقل لاحقاً التعليقات المُتضاربة الى كل بيت، وغدت مشهدية تكسير الأسنان في انتخابات نقابة أطباء الأسنان وكأنها نموذج انتخابي محتمل تكراره في كل موقعة مواجهة، خاصة متى كانت الجماهير الإنتخابية بالألوف، وهنا يفرض الرهان على الأحزاب نفسه، ليس للفصل بين “المُتحاربين” عند “وقوع الواقعة”، بل للتوجيه السياسي الوطني الذي باتت بعض الجهات السياسية ووسائل إعلامها تفتقده عمداً.
الإعلام الإنتخابي، لم تعُد مشكلة المجتمع اللبناني معه تقتصر على الدعاية الإنتخابية وتكافؤ فرص المرشحين، ولا بالإتهامات السياسية التي يسوقها البعض بوجه الخصوم عشية الإنتخابات، بل المشكلة الأكبر والأخطرأن بعضه يصنع الفتنة، وينتظر اللحظة للإنقضاض على الإستقرار والأمن المجتمعي، والإنتخابات النيابية قادمة، وحبذا لو يُوضَع حدّ للإنفلات الإعلامي المُتفلِّت تحت عنوان حرية التعبير، كي تبقى أوراق الإقتراع على مستوى كل لبنان مُكتسية الحبر الحضاري ولا تتلوَّث بما يُريده إعلام العمالة..
المصدر: خاص