قد تكون الأزمة الحالية التي يعيشها لبنان مع بعض دول الخليج، من المحطات النادرة التي لا فرصة كبيرة فيها للديبلوماسية، وكل طرفٍ له مواقفه في ما يعتبرها أموراً سيادية، ولسنا نرى نقطة وسطية في الوقت الحاضر لإعادة إحياء العلاقات السياسية، لأن مسألة إقصاء وزير بطلب من دولة أخرى، ما هي سوى سُبحة بدأت باستقالة/إقالة الوزير شربل وهبة، ولا تنتهي باستقالة أو إقالة الوزير جورج قرداحي، والسبب ليس فقط في الدُّونية التي يتعاطى فيها البعض مع لبنان، بل الدُّونية التي ينسج بها بعض اللبنانيين علاقاتهم مع الخارج لإعتبارات سياسية شخصية ومصالح مادية خاصة.
إن قساوة تطبيق قانون قيصر الأميركي على لبنان، المقاطعة الخليجية تُشكِّل عنصراً كبيراً منه، وذلك قبل أزمة الوزيرين وهبة وقرداحي، والحصار الظالم جزء أساسي منه آتٍ من دول إقليمية، بدليل، التجاوب المصري- الأردني- السوري مع مسألة إمداد لبنان بالغاز والكهرباء، بعد أن استثنى “قيصر الأميركي” قضية إمداد لبنان بالطاقة فور إطلاق أول باخرة إيرانية محمَّلة بالمازوت صفارة الإنطلاق نحو المتوسط، بينما الدول الخليحية بكل منابع نفطها كان بعضها يستثمر سياسياً في طوابير الإنتظار أمام المحطات والأفران في لبنان، ليس من الآن بل منذ 19 تشرين 2019.
الواقعية تفرض أن نتجرَّع الواقع، أن أزمة لبنان مع بعض دول الخليج تعود الى العام 2000، والى العام 2006، والى العام 2017 تاريخ دحر الإرهاب التكفيري عن الأراضي اللبنانية، والمسألة صراع محاورٍ إقليمية لبنان من ضمنها، والواجب يُحتِّم علينا كلبنانيين تقبًّل الواقع والتأسيس للمواجهة، ليست السياسية بالضرورة، بل المجتمعية على الأقل، ولعل هناك مثالين تزامنا منذ أيام يكفيان لهذا التأسيس.
أولاً: إعلان العراق عن موافقته إمداد لبنان بكميات من الغاز مقابل خدمات طبية لبنانية، تُعيدنا بالذاكرة الى طريقة مواجهة العراق للحصار الأميركي قبل الإحتلال وخلاله، ضمن “النفط مقابل الغذاء”، ما يفتح سوق التبادل التجاري لمبدأ المُقايضة للسلع والخدمات، سيما وأن العملة اللبنانية في أسوأ وضع، وطروحات المقايضة على الطريقة العراقية أو شراء النفط بالليرة اللبنانية وفق العروض الإيرانية، هما في الوقت الحاضر عُنصرا الإنقاذ من خنقة الحصار سواء كان أميركياً أو خليجياً.
ثانيا: على المستوى الداخلي اللبناني، وبعد تجربة هِبات المازوت الإيراني، أو تسويقه بأقل من سعر الكلفة، تأتي مبادرة شُجاعة مِقدامة من بلدية كبيرة مثل بلدية الغبيري، بتوزيع أدوية الأمراض المُزمنة مجاناً، ودعوة المواطنين الى الحضور لفتح ملفات طبية لهم بهدف تأمين هذه الأدوية بعد خطوة رفع الدعم عن الأدوية، هذه الخطوة، يجب أن تكون حافزاً لكافة البلديات والجمعيات والأحزاب في لبنان لإطلاق مبادرات مواجهة لبنانية ذاتية، تعيش هموم الناس أكثر من كل المؤسسات غير الحكومية التي قدِمَت الى لبنان بعد كارثة المرفأ ووسّعت الشرخ بين اللبنانيين أكثر مما جمعتهم على المواجهة.
إننا لا ننكر أن هذه الطروحات والتجارب آنية ومؤقتة ولكن، كل أمر طارىء يستوجب تدابير طارئة، والمواجهة هي واقع مفروض وخيار نابع من كرامة المواطن اللبناني، وهي خيرٌ من كل خطابات التوسُّل والتسوُّل التي يُطلقها البعض في أزمنة الأزمات، وكفانا انتظاراً عند أدراج السفارات ننتظر عودة العلاقات وإعادة السفراء…
المصدر: خاص