كشف وزير الصناعة السوري زياد الصباغ، أن الأضرار المباشرة وغير المباشرة على القطاع الصناعي في البلاد تجاوزت قيمتها نحو 23.5 مليار دولار أميركي، حتى نهاية عام 2019؛ وذلك بما يخص المنشآت الصناعية الواقعة في نطاق سيطرة الحكومة السورية. وقال الصباغ، في لقاء خص به وكالة “سبوتنيك”، خلال سنوات الحرب على سوريا، “الاستهداف الممنهج وجه إلى البنية التحتية بشكل عام، والقطاع الصناعي بشكل خاص. ودمرت غالبية المنشآت الخاصة والعامة. وتم تقدير حجم الأضرار المباشرة بحدود 530 ألف مليار ليرة سورية، أي ما يعادل 12 مليار دولار. وهذه أضرار مباشرة فعلية تم تقديرها”.
وأضاف، “هناك أضرارا غير مباشرة كثيرة تقارب قيمتها الرقم السابق؛ أي أن إجمالي الأضرار المباشرة وغير المباشرة تجاوزت قيمتها 1000 مليار ليرة سورية [23.5 مليار دولار]، سواء في القطاع الخاص أو العام”. وحول أكثر القطاعات تضرراً، قال الصباغ، “قطاع النفط تعرض للتدمير والخراب بشكل كبير؛ وأرقام خسائره كبيرة. ولكن فيما يخص القطاع الصناعي، كان التركيز مكانياً، حسب مناطق الهجوم، وعلى المواد الأساسية في قطاعات الغذاء والدواء، التي تمس حياة المواطن بشكل أساسي؛ وكذلك القطاعات الاستراتيجية كمعامل الجرارات والبطاريات والكابلات، التي تخدم القطاعات المختلفة في البلاد”.
وأوضح الوزير السوري أن “قطاع النسيج في محافظة حلب تعرض لاستهداف كبير، باعتبار هذه المحافظة تتميز بهذه الصناعة، على مدى التاريخ”.
العقوبات الدولية والصناعة
وقال في هذا الصدد، “محافظة حلب تعرضت لدمار أكثر من باقي المحافظات، بسبب الحقد الزائد والعملية الهوجاء، التي جرت خلال الهجوم على المحافظة. قطاع النسيج كان له الحصة الأكبر في التدمير؛ حيث دمرت بالكامل الكثير من منشآت القطاع العام والخاص، التي كانت عاملة بشكل كبير على مستوى الشرق الأوسط، وتمت سرقة الآليات والمعدات ومن ثم تهريبها إلى تركيا في الغالب”.
حول تأثير الحصار، أحادي الجانب، المفروض على سوريا، وخاصة تأثير “قانون قيصر” الأميركي للعقوبات على القطاع الصناعي، بشكل عام، وعلى إعادة تأهيل ما تم فقدانه خلال الحرب؛ قال وزير الصناعة السوري، “العقوبات الاقتصادية معروف أنها مضرة لسوريا، وهي مفروضة منذ تسعينيات القرن الماضي بوتائر مختلفة، تزداد حينا وتنخفض أحيانا. لكن بعد انتهاء الحرب العسكرية، وجد المخططون لهذه الحرب، أن البدائل يجب أن تكون بالاتجاه الاقتصادي؛ وصدرت التعليمات بهذا الخصوص، وكان آخرها قانون قيصر، الذي عاقب كل دولة أو جهة تريد التعامل مع سوريا. وهذا فرض أعباء اضافية على البلاد بشكل عام، وعلى القطاع الصناعي، باعتباره يحتاج لمستلزمات إنتاج، بالإضافة إلى معدات للإنتاج تستورد من دول متعددة، منها منشأه أوروبي أو صيني أو روسي وغيره. وهذا سبب معاناة للصناعيين في القطاعين العام والخاص، في مسألة تأمين قطع غيار وتجهيزات إضافية حديثة، لإصلاح المنشآت المدمرة”.
وحققت سوريا، قبل الحرب، اكتفاء صناعيا ذاتيا في قطاع الدواء، بنحو 90 بالمئة من احتياجاتها؛ وأصبحت تصدر منتجاتها إلى العديد من البلدان حول العالم.
وعن واقع الصناعات الدوائية، اليوم، وما تعانيه حاليا، قال الصباغ، “الشركات الدوائية عموما كباقي القطاعات، تأثرت بشكل كبير خلال الحرب وتم تدمير شركة تاميكو بالكامل. لكن للحاجة لهذه المنشأة تم تأمين أماكن بديلة لها، وعادت أجزاء من إنتاجها؛ ووصلنا إلى 80 بالمئة من حجم الإنتاج السابق. وبعض الشركات الأخرى أعادت ترميم منشآتها بخبرات وطنية، ودارت عجلة الإنتاج من جديد”.
وتابع قائلا، “الصعوبات كانت من خلال قانون قيصر، وصعوبة تأمين المواد الأولية للمادة الفعالة، ويلاقي الصناعيون في القطاع الدوائي صعوبات كثيرة في الحصول على المادة الأولية الداخلة في العملية الإنتاجية. لكن القطاع الدوائي بدأ يتعافى رغم كل الصعوبات والتحديات؛ ولم ينقطع الدواء في سوريا، رغم انخفاض كميات الإنتاج، نتيجة خروج الكثير من المعامل عن الخدمة. الآن هناك إرادة وطنية بإنشاء مصانع جديدة”.
وفي ظل الحصار، يتابع الوزير السوري حديثة للوكالة، “هناك معامل قيد الإنشاء، منها بدأت العمليات التجريبية للتصنيع. أحد المعامل يقوم بإنتاج أدوية لعلاج السرطان؛ لم تكن موجودة في السابق، وأدوية خاصة بأمراض أخرى ستنتج قريبا في سوريا”.
خصصة القطاع العام
ورداً على سؤال حول الحديث المتداول عن نية الحكومة السورية خصخصة بعض المؤسسات والمعامل التابعة للقطاع العام، لسد العجز في الموازنة العامة والتي بلغت قيمته 4.4 مليار ليرة سورية (مليار و750 مليون دولار)؛ قال وزير الصناعة السوري، “القطاع العام في سوريا خط أحمر لا يمكن التنازل عنه، أو خصخصة بعض مؤسساته. هذا غير وارد في ذهن وزارة الصناعة ولا الحكومة”.
وأوضح أنه كانت هناك رؤية في وزارة الصناعة تم التوافق عليها، حيث أن المنشآت التي دمرها الإرهاب تجاوزت 40 في المئة من كامل منشآت القطاع العام؛ ولا يمكن للدولة رصد ميزانيات ضخمة لإعادة تأهيل هذه المنشآت دفعة واحدة.
وأضاف، “كانت الضرورة بالبحث عن بدائل، وكان الخيار الأمثل بأن يتم استثمار هذه المنشآت بالتشارك مع الجهات الخاصة من القطاع الوطني داخل سوريا ومن الدول الصديقة؛ لكن بمحددات تبقى فيها الملكية العامة والعمالة يلتزم بها المستثمر”.
وتابع في هذا الصدد، “في نهاية فترة الاستثمار، يعيد المنشأة إلى وزارة الصناعة بطاقة إنتاجية لا تقل عن 80 بالمئة من الطاقة التي تم الاتفاق عليها في بداية الاستثمار، عبر شركات متخصصة تقوم بعمليات الاستلام. إضافة إلى الشروط الأخرى المتعارف عليها، والتي هي قابلة للتفاوض بناء على دراسة الجدوى والمساحة التفاوضية، بالتنسيق مع جهات أخرى كهيئة تخطيط الدولة والتعاون الدولي وغيرها”.
وفيما يخص العجز، قال الوزير، “ليس له علاقة في خصخصة القطاع العام، لا من بعيد ولا من قريب. تمويل العجز من اختصاص الماليين وطرق تمويله. من واجبنا كقطاع صناعي مضاعفة الإنتاج، لرفع حصة القطاع الصناعي في الناتج المحلي، لترميم العجز”.
وحول نسبة مشاركة القطاع الصناعي بدعم الموازنة العامة؛ قال، “حاليا النسبة متواضعة. قبل الحرب كانت تتجاوز 40 بالمئة من الناتج المحلي. اليوم على المستوى العام والخاص تتراوح بين 10 إلى 15 في المئة”.
وعن عدد الشركات التي سيتم طرحها للاستثمار والتشاركية، قال الوزير السوري، “في مختلف القطاعات وعددها 38 منشأة، ليست كلها شركات. هناك شركات مطروحة للاستثمار بالكامل، وهناك معامل تابعة لشركات تم تدميرها. أعطيناها الأولوية في إعادة التأهيل بقدراتنا الذاتية؛ والمعامل الأخرى مطروحة للاستثمار. لا يوجد شركة تعمل بشكل ولو جزئي تم طرحها للاستثمار”.
التعاون مع الدول العربية
وعن واقع التبادل التجاري مع الدول العربية والحديث عن تأسيس منطقة صناعية عراقية – سورية، قال وزير الصناعة السوري ” خلال زيارة وزير الصناعة العراقي إلى سوريا، أجرينا مباحثات مكثفة حول واقع البلدين المتشابه من ناحية تعرضهما للحرب. الميزة النسبية التي تتمتع بها سوريا غير موجودة في العراق، وهي الخبرات البشرية”.
واعتبر الوزير الصباغ أن “العراق يتمتع بالقدرة المالية، ولكن لا يمتلك خبرات. خلال المباحثات تم الاتفاق على دمج الميزتين وتكاملهما، من خلال تأسيس شركات مشتركة سورية – عراقية، لتصنيع جزء في سوريا ويتم استكماله في العراق أو العكس. ونقيم منطقة صناعية حرة مشتركة على الحدود، لتبادل البضائع والصناعات في مختلف المجالات، ويتم العمل عليها بهدوء عبر غرف الصناعة”.
التصدير
وحول واقع تصدير المنتجات الصناعية، قال “التصدير بدأ حديثا يتعافى، وارتفعت القيمة التصديرية نتيجة جودة الصناعة السورية. كانت عمليات التصدير محصورة في مناطق محددة توسعت”.
وأضاف، “المعارض التي تم إعادة تفعيلها من جديد، كمعرض صنع في سوريا، أدت إلى تصدير كامل المنتجات خاصة الألبسة، وعقدت صفقات لتصديرها إلى العراق وبعض الدول العربية، وقسم إلى روسيا وشرق آسيا. ولكن الحصة الأكبر للعراق”.
والصناعات الغذائية بدأت بالتعافي وعادت للتصدير، وفقا للوزير السوري؛ “وفي ظل الحرب إحدى الشركات الغذائية حصلت على شهادة الجودة من بلجيكا، رغم المقاطعة والحصار”.
المصدر: سبوتنيك