مضامين الزيارة الأربعينية
نص الخطبة
لا زلنا في اجواء اربعين الامام الحسين (ع) حيث جرى التأكيد على استحباب زيارته في هذه المناسبة ، وورد في الروايات اكثر من صيغة لزيارة الاربعين ابرزها الصيغة التي رواها الشيخ الطوسي في كتابيه التهذيب ومصباح المتهجد عن صفوان بن مهران والتي مطلعها: السَّلامُ عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ وَ حَبِيبِهِ السَّلامُ عَلَى خَلِيلِ اللَّهِ وَ نَجِيبِهِ السَّلامُ عَلَى صَفِيِّ اللَّهِ وَ ابْنِ صَفِيِّهِ السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ الْمَظْلُومِ الشَّهِيدِ السَّلامُ عَلَى أَسِيرِ الْكُرُبَاتِ وَ قَتِيلِ الْعَبَرَاتِ..
عندما ندقق في مضامين هذه الزيارة نجد انها اشتملت على العديد من الامور المتعلقة بمكانة الحسين ودوره جهاده وتضحياته وموقفنا من مظلوميته واعداءه وما نعتقده بحقه ونؤمن به وعلاقتنا به وبالائمة المعصومين عليهم السلام.
فاولا: هناك اقرار واعتراف من الزائر بولاية الحسين وامامته ومكانته وصفاته الجليلة، وانه الولي والوصي والقائد وانه وارث الانبياء ورث عنهم لواء التوحيد ولواء الاسلام، وانه حجة الله على خلقه.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ وَلِيُّكَ وَ ابْنُ وَلِيِّكَ وَ صَفِيُّكَ وَ ابْنُ صَفِيِّكَ الْفَائِزُ بِكَرَامَتِكَ أَكْرَمْتَهُ بِالشَّهَادَةِ وَ حَبَوْتَهُ بِالسَّعَادَةِ وَ اجْتَبَيْتَهُ بِطِيبِ الْوِلادَةِ وَ جَعَلْتَهُ سَيِّدا مِنَ السَّادَةِ وَ قَائِدا مِنَ الْقَادَةِ وَ ذَائِدا مِنَ الذَّادَةِ وَ أَعْطَيْتَهُ مَوَارِيثَ الْأَنْبِيَاءِ وَ جَعَلْتَهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِكَ مِنَ الْأَوْصِيَاءِ. في موضع اخر من الزيارة يشير الى اوصاف الامام المميزة واهمها العصمة والطهارة والعلم والهداية الخاصة . (وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ الْإِمَامُ الْبَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ الْهَادِي الْمَهْدِيُّ وَ أَشْهَدُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِكَ كَلِمَةُ التَّقْوَى وَ أَعْلامُ الْهُدَى وَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى )
ثانيا: يشهد الزائر للحسين انه قام بمسؤولياته على صعيد الدعوة الى الله وهداية الناس ونصحهم وامرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وانه جاهد وضحى وبذل نفسه ومهجته في سبيل الله لا ليفوز بالسلطة بل لينقذ عباد الله من الظلم والجهل والضلال، وواجه التحالف الذي وقف ضده حتى الشهادة
(فَأَعْذَرَ فِي الدُّعَاءِ وَ مَنَحَ النُّصْحَ وَ بَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ لِيَسْتَنْقِذَ عِبَادَكَ مِنَ الْجَهَالَةِ وَ حَيْرَةِ الضَّلالَةِ وَ قَدْ تَوَازَرَ عَلَيْهِ مَنْ غَرَّتْهُ الدُّنْيَا وَ بَاعَ حَظَّهُ بِالْأَرْذَلِ الْأَدْنَى وَ شَرَى آخِرَتَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوْكَسِ وَ تَغَطْرَسَ وَ تَرَدَّى فِي هَوَاهُ وَ أَسْخَطَكَ وَ أَسْخَطَ نَبِيَّكَ، وَ أَطَاعَ مِنْ عِبَادِكَ أَهْلَ الشِّقَاقِ وَ النِّفَاقِ وَ حَمَلَةَ الْأَوْزَارِ الْمُسْتَوْجِبِينَ النَّارَ [لِلنَّارِ] فَجَاهَدَهُمْ فِيكَ صَابِرا مُحْتَسِبا حَتَّى سُفِكَ فِي طَاعَتِكَ دَمُهُ وَ اسْتُبِيحَ حَرِيمُهُ اللَّهُمَّ فَالْعَنْهُمْ لَعْنا وَبِيلا وَ عَذِّبْهُمْ عَذَابا أَلِيما)
ثالثا الاعلان عن الولاء التام لخط الامامة والطاعة المطلقة لائمة اهل البيت واتباعهم والالتزام بنهجهم ومعاداة اعداءهم والانتصار لمظلوميتهم وللحق الذي جاهدوا من اجله (اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي وَلِيٌّ لِمَنْ وَالاهُ وَ عَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاهُ) ثم يقول: (وَ أَشْهَدُ أَنِّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ وَ بِإِيَابِكُمْ مُوقِنٌ بِشَرَائِعِ دِينِي وَ خَوَاتِيمِ عَمَلِي وَ قَلْبِي لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ وَ أَمْرِي لِأَمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ وَ نُصْرَتِي لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ لَكُمْ فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ)
وفي هذه الفقرة نلمح اشارة الى القضية المهدوية ووالى العلاقة الوثيقة بين قضية الحسين ومشروع الامام المهدي في اخر الزمان حيث ان جملة (وَ نُصْرَتِي لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ لَكُمْ ) تشير الى خروج الامام المهدي اي حتى ياذن الله بخروج الامام المهدي وتحقيق دولته وهذه الفقرة تحدد صفات المنتظرين وهي الايمان بالائمة (وَ أَشْهَدُ أَنِّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ) واليقين برجعتهم(وَ بِإِيَابِكُمْ مُوقِنٌ) والاعتقاد والتسليم با يؤمن به الائمة (وَ قَلْبِي لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ) والاتباع لاوامرهم (وَ أَمْرِي لِأَمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ) والنصرة لهم(وَ نُصْرَتِي لَكُمْ مُعَدَّةٌ) والتبعية المستمرة لهم والبراءة من اعدائهم(فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ).
فلا تكفي محبة الائمة او زيارة مقاماتهم او اقامة العزاء لهم او البكاء لمظلميتهم من دون الاتباع الحقيقي لهم ولتعاليمهم، كما يقول القران الكريم( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ويقول: (فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي).
قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ( عليه السَّلام ) : إِنِّي مِنْ شِيعَتِكُمْ
فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ( عليه السَّلام ) : ” يَا عَبْدَ اللَّهِ ، إِنْ كُنْتَ لَنَا فِي أَوَامِرِنَا وَ زَوَاجِرِنَا مُطِيعاً فَقَدْ صَدَقْتَ ، وَ إِنْ كُنْتَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَا تَزِدْ فِي ذُنُوبِكَ بِدَعْوَاكَ مَرْتَبَةً شَرِيفَةً لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا ، لَا تَقُلْ لَنَا أَنَا مِنْ شِيعَتِكُمْ ، وَ لَكِنْ قُلْ أَنَا مِنْ مَوَالِيكُمْ وَ مُحِبِّيكُمْ وَ مُعَادِي أَعْدَائِكُمْ ، وَ أَنْتَ فِي خَيْرٍ وَ إِلَى خَيْرٍ ” .
ان اهم ما في نصوص زيارةالاربعين وغيرها من الزيارات ان الزائر يتعهد من خلاله الالتزام بنهج اهل البيت(ع) وبمطابقة سلوكه لسلوكهم وعمله لعملهم. فهو يستحضر سيرة الامام الملتزم بطاعة الله والمطبق لجميع أركان الدين وأحكامه وقيمه.
المقاومة الاسلامية في لبنان التزمت بهذا النهج الحسيني لمقاومة الظلم والطغيان والاحتلال واستلهمت جهادها ومقاومتها من نهج الحسين وكربلاء وستواصل جهادها ومقاومتها طالما هناك احتلال واعتداءات وخروقات اسرائيلية لسيادة لبنان وهي ملتزمة حماية لبنان والدفاع عن سيادته ولن تسكت على اي اعتداء يتعرض له من قبل العدو، واسقاط المسيرة الاسرائيلية التي اخترقت الاجواء اللبنانية بالامس يأتي في سياق هذا الالتزام ، وعلى العدو الاسرائيلي ان يفهم بان لبنان ليس ساحة مفتوحة لخروقاته واعتداءاته ولمسيراته التجسسية، والمقاومة تملك من الارادة والعزم والجهوزية ما يجعلها قادرة على الرد على الاعتداءات والخروقات متى تشاء وكيفما تشاء وبالطرق التي تراها مناسبة.
اليوم المقاومة تستند لشعبية واسعة ومتجذرة وواعية والهدف الجديد القديم لاعداء لبنان ولادواتهم في الداخل ضرب هذه البيئة وزعزعة ثقة الناس بالمقاومة وفصل اللبنانيين عن المقاومة والدخول من بوابة الانتخابات النيابية لاضعاف حزب الله وتغيير المعادلة الداخلية والسيطرة على المجلس النيابي المقبل من اجل تحقيق اهداف عجزوا عن تحقيقها حتى الان وفي مقدمها اخذ لبنان الى التطبيع مع العدو كما فعلوا مع بعض دول الخليج والاذعان للشروط الاسرائيلية في ترسيم الحدود البحرية للاستيلاء على حقوق لبنان النفطية.
لكن بالرغم من كل هذه المحاولات حزب الله يزداد قوة وشعبية وحضورا، وسنخوض الاستحقاق الانتخابي وثقتنا بوعي شعبنا كبيرة، ولن تنطلي عليه مؤامراتهم والاعيبُهم، واذا كان هناك من يعتقد بانه يستطيع تغيير المعادلة السياسية في البلد واخذ لبنان الى حيث يريد العدو، فهو واهم وواهم، نحن سنواجه هذا المشروع ولن نتخلى عن حقنا في ارضنا ومياهنا ونفطنا وسنتمسك بهذا الحق ونستثمرهذه الثروات وفق مصلحة شعبنا وبلدنا .
المصدر: موقع المنار